فهيد البصيري / شكراً يا «ويكي»

تصغير
تكبير
يا سبحان الله لقد انقلبنا على بعضنا، وتبرأنا من أنفسنا في ليلة وضحاها، ولسبب تافه هو أن موقع «ويكيليكس»، أعاد علينا ما قلناه من كلام فارغ في الماضي ومن دون زيادة أو نقصان، فشاهدنا فضائحنا من دون (مونتاج أو ماكياج).

وما قاله الموقع صحيح ولا داعي للنفي أو الإنكار، ولماذا الخوف فهو لن يقدمنا للمحاكمة، كما أنه لم يأت بجديد، وما قام به السفير الأميركي في الكويت طبيعي، وطبيعي جداً، وكل ديبلوماسي من المفروض أن ينقل لبلاده طبيعة الحياة الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية في البلد الذي يعمل فيه، وهذا ما يفعله كل ديبلوماسي محترف، وهذا ليس دفاعاً عن السفارة الأميركية، ولكن الحق حق، وهو أن ما قام به السفير الأميركي من صميم عمله، وقولوا لي ماذا يفعل السفراء الأجانب إذا كانت دعوات الكويتيين حارة، وموائدهم عمرة، بالأنعام، وكلامهم فارغ؟

وللأمانة فإن سفارات الدول الأخرى العربية وغير العربية، لا تدخر جهداً في تجنيد المواطنين والمقيمين، وحتى المسؤولين الكويتيين، في سبيل مصالحها، ولماذا هذه الغضبة العربية، فهم على الأقل لم يخلقوا شبكة تجسس، كما أن السفير لم يقم بتسجيل أحاديثنا سراً كما فعل السفهاء منا! ولم يضع أجهزة تنصت كما تفعل بعض أجهزتنا الحكومية، وكل ذنب السفير أنه دعي إلى ديوانية ما، وسمع حديثاً ما، وما أكثر من يقول (ما) عندنا! ونقل أحاديثنا بحذافيرها، وللأمانة هم يهتمون بالشفافية والدقة في العمل، لذا نقل (هبالنا) من دون تحوير أو تزوير.

ويجب أن نفتخر بأننا خدعنا السفير الأميركي (بكبره)، فنقل كل الكلام الفارغ الذي قلناه، وقد أوهمناه بأن كل الكويتيين محللون سياسيون، وكلهم صادقون، وكلهم «عروقهم بالماي» وعلى اطلاع ببواطن الأمور.

ولماذا نقلب الحقائق، ونضحك على أنفسنا ونهاجم الآخرين ونحن المذنبون؟! بل مازلنا نمارس الكذب والافتراء وننشر غسيلنا على (الطالع والنازل) وعلى (العايب والخايب) وكأن السفير الأميركي أو الإيراني أو الروسي، هو من سينصرنا على أعدائنا، رغم أن من نتصور أنهم أعداؤنا هذه المرة هم أنفسنا، وأهلنا ومجتمعنا ووطننا الصغير!

لقد تغيرت طبائع الناس وبدلاً من أن تأمر بالستر كما أمرنا ديننا السمح، أصبحت لا تعيش إلا على الفضائح، ولا تتنفس إلا الإشاعات، ولا تعرف من الكلام إلا الكذب والافتراء، وبعث الله لهم ما يزين لهم فضائحهم ويظهر لهم قبحهم، فمع إطلالة أجهزة المحمول الجديدة، مارس الكويتيون هواية الكلام الفارغ، ونشر الإشاعات بكل أمانة و شفافية، وإذا ما دخلت ديوانية، أو حتى مكان عمل ستجد الناس وجوههم في الأرض، كأنهم لا يجرؤن على رفع رؤوسهم من هول ما يشاهدون من الفضائح.

ويجب أن نشكر الأخ «ويكيليكس» وسعادة السفير الأميركي فهم لم يقولوا كل شيء، وإلا كانت الفضيحة أكبر، ولم ينشروا إلا ما قلناه من الكلام الفارغ، الذي ليس له من المصادر إلا (خبال) ناشط سياسي، وغباء (مخلل) سياسي خلقه الإعلام المنافق.

ورب ضارة نافعة، فربما نعيد التفكير في قيمة مكارم الأخلاق، ونكف عن النميمة ونتعوذ من الغيبة، وننهي عن التجسس والمنكر «فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت... فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا»، ولا حول ولا قوة إلا بالله.





فهيد البصيري

كاتب كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي