د. سليمان الخضاري / فكر وسياسة / حمد الفلاح... ومشاكلنا التي لا تنتهي!

تصغير
تكبير
إن صحت نسبة التسجيل الذي نسب للسيد حمد الفلاح، مدير عام مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، بما احتوى عليه من طرح خطير يمس شريحة واسعة من المواطنين، فنحن أمام مشهد آخر يعبر عن الواقع المهترئ الذي نعيشه في فضائنا السياسي والاجتماعي، ويعكس حالة متردية مما وصل إليه مفهوم التعايش ومشروع دولة القانون في الكويت، وهي الدولة الخليجية التي ينظر إليها على أنها النموذج الأقرب لتحقيق مقومات الإمارة أو المملكة الدستورية، وتتمتع بأحد أكبر الهوامش الديموقراطية في المنطقة، على الأقل في النطاق السياسي.

ولعل ما نتج عن تسريب التسجيل إياه من تجاذب استقطابي ذي صبغة طائفية، يكشف عن أحد معالم الأزمة السياسية والاجتماعية التي نعانيها في الكويت، والتي هي في الأساس أزمة غياب أو ضعف للثقة بين كثير من الشرائح في مجتمعنا، وليس أسهل للتدليل على ذلك من سهولة استنتاج رأي الكثير من الساسة أو أصحاب الأعمدة الصحافية في موضوع الفلاح حتى قبل نطقهم له، بناء على مسبقاتهم الفكرية أو خلفياتهم الاجتماعية أو الدينية، ولا أبرئ نفسي، فعلاوة على انتمائي المذهبي والذي سيتم نسبة رأيي إليه، تربطني علاقة قوية بالكابتن خليل الصالح والذي تم التعرض له شخصيا في التسجيل المذكور، والكابتن، في رأيي، هو من هو في شموخ الهمة ونظافة اليد، والسجل المهني والنقابي الحافل، علاوة على تاريخه الوطني المشرف والذي لن يستطيع المزايدة عليه الكثيرون ممن يعرفون هذا الشخص حق المعرفة.

الا أن أحد مظاهر الأزمة، والذي كان الكثيرون يتداولون فيه في المجالس الخاصة علانية وفي المحافل العامة على استحياء، يتمحور حول الواقع المزري لأنظمتنا الإدارية والجهاز التنفيذي للدولة، والذي يجد البعض فيه مجالاً للتعبير عن مكنونات نفوسهم وانطباعاتهم الشخصية، وتحويلها من مجرد تصورات خاصة إلى واقع عملي ملموس تتم فيه ممارسة أبشع صور التمييز والظلم ضد الآخر المغاير، مستغلين ما أتاحه له النظام من قواعد إدارية غير مرتبطة باعتبارات الكفاءة والأداء، في ظل إدارة حكومية عليا مازالت تدير البلاد بعقلية قصيرة النظر تعتمد المحاصصة واستجداء دعم المتنفذين سياسياً أو اقتصادياً وفقاً لاعتبارات لحظية ووقتية تقيّم السلطة بناء عليها مواقفها السياسة، من دون التحرز من الآثار الاجتماعية والسياسية والوظيفية المترتبة على كل ما سبق.

هذا الواقع السيئ هو الذي ساهم ويساهم في خلق مراكز للقوى تتحكم في مقدرات الدولة، وتنفصل بقوة عن أي جهد حقيقي لصياغة مشروع وطني جامع للنهوض بالدولة ومؤسساتها من مستنقع الركود السياسي والاقتصادي والاجتماعي بل وحتى الخدمي، فقد أضحت القيادات الوسطى في جميع المؤسسات ذات الصلة التنفيذية على درجة عالية من الاستقلالية النسبية التي تتيح لها ربط نفسها بدوائر معينة في الفضائين السياسي أو الاقتصادي عن طريق تقديم خدمات معينة أو معاملات متنوعة، ناهيك عما يُشاع من تسهيل أو تمرير لصفقات لبعض المتنفذين، ما خلق لهؤلاء القيادات دعما وسلطة تفوق في بعض الأحيان ما توفره السلطة التنفيذية من دعم لشخوص وزرائها أو سياساتهم.

وبما أنني من الحالمين أو غير الواقعيين بحسب تصنيف البعض، فإنني أجنح دائماً للتركيز على تلك الفرص الإيجابية التي تتيحها لنا أي أزمة أو مشكلة للبحث في أسبابها ومعالجتها على الشكل الأمثل، فإنني أود اغتنام هذه الفرصة للتركيز أيضاً على جانب مهم من مشاكلنا الادارية، والتي تتعلق بالنقاش الضروري الذي انخرط فيه جملة من الباحثين والمهتمين في ما يتعلق بالضوابط المحددة لصلاحية المنتمين للتيارات السياسية بأنواعها لتولي المناصب الإدارية والتنفيذية في الجهاز الحكومي، فنحن وإن كنا نتفهم حساسية بعض المواقع لاعتبارات سياسية وأمنية، إلا أن النقاش في هذه القضية يجب أن تتم معالجته من خلال قراءة واعية للواقع الكويتي داخلياً وإقليمياً، وأن يتم الاستئناس بتجارب لدول تتميز بمستوى أفضل من تحصيل مقومات التعايش بين شرائح المجتمع المختلفة، على أن يتم ذلك ضمن إطار أشمل من معالجة لجميع أو أغلب ما يقف حجر عثرة في طريقنا للسير في ركب تطوير أنظمة العمل الإداري والتنفيذي.

نقطة أخيرة لا يجب اغفالها، وتندرج في إطار التجاذبات السياسية التي ابتليت بها الكويت، وهي التي تتعلق بدفاع البعض عن السيد الفلاح من خلال التركيز على ما وصفوه بالفعل غير الأخلاقي لمن قام بتسجيل وتسريب حديث السيد الفلاح، وإطلاق الادعاءات المروجة لفكرة أن التسجيل قد تم اجتزاؤه والتركيز على ما يمس الطائفة الشيعية فيه دون أجزاء أخرى تبرز، حسب زعمهم، وطنية السيد الفلاح والتزامه بمعايير وظيفية منصفة، ولكن ما يثير الدهشة هو أن هذا الفريق الذي يدافع عن السيد الفلاح كان له، أو لمعظم أو أبرز ممثليه، وجهة نظر مغايرة عندما تم خرق اللوائح المصرفية وتسريب الشيك الشهير لرئيس الوزراء للنائب السابق ناصر الدويلة، ونحن لسنا هنا في موقف الدفاع عن التعاملات المالية التي تتم بين أفراد من السلطتين، وليس تسريب الصور المخلة التي نشرت في جلسة استجواب الوزير السابق الشيخ علي الجراح ببعيد عن هذا المثال، لكننا على ما يبدو نحتاج لنقاش من نوع آخر يتم بمقتضاه خلق ثقافة أخلاقية وقانونية تجيد التعامل مع كشف ما يقع تحت يد الموظف العام من وثائق رسمية أو غيرها تلقي ظلالاً من الشك على سوء الإدارة أو التعدي على المال العام، فقط من أجل تجنيب المعايير شر الازدواجية، وحتى لا تكون المسألة خاضعة للاعتبارات السياسية وحدها، لأنه عندها ستكون المسألة أشبه بـ «حلال علينا... حرام عليكم»!





د. سليمان إبراهيم الخضاري

طبيب وأستاذ جامعي كويتي

[email protected]

Twitter: @alkhadhari
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي