وجهة نظر / صناديق الاستثمار... هل فشلت؟

تصغير
تكبير
الصناديق الاستثمارية هي «أوعية استثمارية تقوم بجمع رؤوس أموال مجموعة من المستثمرين وتديرها وفقا لاستراتيجية وأهداف استثمارية محددة يضعها مدير الصندوق لتحقيق مزايا استثمارية لا يمكن للمستثمر الفرد تحقيقها بشكل منفرد في ظل محدودية موارده المتاحة. علاوة على تحقيق فائدة التنوع للمستثمر بالصندوق التي تؤدي إلى خفض مستوى المخاطر الإجمالية للاستثمار». أي أنها وضعت أساسا لمساعدة صغار المستثمرين، أو المستثمرين الذين لا تتوافر لهم الخبرة الكافية. حيث توفر إدارة صناديق الاستثمار الخبرات اللازمة لتحقيق أقصى فائدة ممكنة من استثمارات الصندوق في مختلف الأوراق المالية أو أدوات الاستثمار وبمخاطر أقل من الاستثمار المباشر في السوق.

تاريخيا، تعود فكرة تأسيس صناديق الاستثمار إلى هولندا في أوائل القرن التاسع عشر، ثم انتقلت إلى إنكلترا ومنها إلى الولايات المتحدة حتى انتشرت في جميع أنحاء العالم واستمرت في التزايد السريع حتى وصل عددها، كما في نهاية 2010، إلى نحو 70 ألف صندوق استثمار وبإجمالي أصول بلغ 25 تريليون دولار أميركي. أما عربيا فقد كانت المملكة العربية السعودية سباقة في هذا المجال حين أسس البنك الأهلي التجاري أول صندوق استثماري، ثم تبعتها الكويت في 1985 ثم مصر والبحرين وعمان في 1994 ثم بقية الدول العربية.

شهدت تجربة صناديق الاستثمار في الكويت في بدايتها نجاحا كبيرا، خصوصا في ظل الرعاية الحكومية لهذه الصناديق والمساهمة المباشرة للهيئة العامة للاستثمار في رؤوس أموالها، فارتفع عدد صناديق الاستثمار في الكويت من 33 في 2002 إلى 112 في 2009 بينما ارتفع إجمالي أصول هذه الصناديق من مليار دينار كويتي في 2002 إلى 1.5 مليار دينار كويتي في 2009، بعد أن كان قد وصل إلى 3 مليارات دينار كويتي في 2008. إلا أن الإقبال على تأسيس صناديق الاستثمار والاستثمار فيها شهد تراجعا كبيرا في السنوات القليلة الأخيرة حتى بلغ عدد صناديق الاستثمار الجديدة التي تم تأسيسها في 2009 صندوق واحد فقط.

ولكن لماذا فقدت صناديق الاستثمار (في الأسهم) شعبيتها في الكويت؟ هل كان السبب هو الحالة العامة لسوق الكويت للأوراق المالية وما تشهده من تراجع في السنوات الأخيرة فقط؟ أما أن هناك أسبابا أخرى أدت لذلك؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في ما يلي..

في نظرة تحليلية لأداء 13 صندوقا للاستثمار في الأسهم من بين ما يقارب 30 صندوقا قائما حاليا خلال الفترة ما بين 2005 و2010 مع استثناء 2008 بسبب الأحداث غير الطبيعية التي حصلت في تلك السنة- نجد أنه ورغم أن أداء بعض هذه الصناديق منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تجاوز إجمالا أداء المؤشر الوزني لسوق الكويت للأوراق المالية إلا أن أداء غالبية الصناديق كان متفاوتا بشكل كبير من سنة إلى أخرى. وعلى الرغم من أن صناديق الاستثمار كانت تسوق على المستثمرين على أنها أقل مخاطرة من السوق وأقل تذبذبا إلا أن ما حصل فعليا هو العكس.

لنتمعن قليلا في الحقائق التالية حتى تتضح الأمور أكثر:

• كان أداء 7 صناديق، على الأقل، أسوأ من أداء المؤشر الوزني لسوق الكويت للأوراق المالية في كل سنة من السنوات الخمس.

• متوسط أداء 10 من الصناديق خلال السنوات الخمس كان أسوأ من متوسط أداء المؤشر خلال الفترة نفسها.

• في أربع من السنوات الخمس كان الفرق بين أداء 9 من الصناديق، على الأقل، وأداء المؤشر يتجاوز نسبة 20 في المئة من أداء المؤشر.

• تزداد الفجوة بين أداء الصناديق وأداء المؤشر في السنوات التي يتراجع فيها المؤشر.

• على الرغم من تراجع المؤشر بنسبة 5 في المئة فقط في 2009 إلا أن خسائر 4 من الصناديق تجاوزت 15 في المئة من صافي أصولها.

• سجلت 2 من الصناديق خسائر في 2010 على الرغم من ارتفاع المؤشر بنسبة تجاوزت 25 في المئة.

• كان أداء جميع الصناديق أسوأ من أداء المؤشر في 2010.

لن نجادل بأن صناديق الاستثمار في الأسهم هي أساس الاستثمار المؤسساتي في السوق وأنه كان من واجبها أن تقوم بدور صانع السوق الذي يحد من التقلبات ويحقق التوازن بين قوى السوق، ولكن سنأخذ الحقائق كما هي حتى لا نخرج عن سياق المقال. أيضا يجب أن نوضح أن هدفنا لم يكن إثبات أن أداء الصناديق كان أسوأ من أداء المؤشر فذلك يحدث لأفضل مديري الصناديق في العالم وأكثرهم حرفية. ما أردنا التنبيه إليه هو أن السلوك الاستثماري لغالبية الصناديق في تلك الفترة احتوى على نسبة مخاطرة عالية لا تتناسب مع فرضية أن المستثمرين في الصناديق هم من صغار المستثمرين الذين سوقت لهم الصناديق على أنها وسيلة لتحقيق الأرباح على المدى الطويل وبمخاطر أقل من الاستثمار المباشر في السوق. أردنا أن نبين أن نسبة التذبذب في أداء الصناديق خلال تلك الفترة كانت أكبر من حدودها المعقولة. أردنا أن نقول ان صناديق الاستثمار في الأسهم قد فشلت في تقديم نفسها للمستثمر الصغير كبديل أمثل للاستثمار المباشر في السوق، وخصوصا في أوقات الأزمات.

يبقى السؤال، لماذا فشلت صناديق الاستثمار؟

مع الطفرة المفاجئة لسوق الكويت للأوراق المالية وارتفاع عدد صناديق الاستثمار، برزت الحاجة للمزيد من مديري الصناديق المتخصصين لمقابلة العدد المتزايد من الصناديق، فقد كانت معظم الصناديق تدار، نتيجة النقص، إما من قبل أشخاص غير متخصصين أو أشخاص قليلي الخبرة يصعب عليهم التعامل مع تقلبات الأسواق، خصوصا وأن القانون لم يحدد مؤهلات خاصة بمدير الصندوق. كما يتبين أيضا من واقع نتائج الصناديق في تلك الفترة اتجاه غالبية مديري الصناديق للمضاربات من أجل تحقيق أرباح سريعة، لذلك كنا نرى انخفاضا كبيرا في قيم الصناديق بمجرد ما أن تعكس السوق اتجاهها التصاعدي. أضف إلى ذلك طريقة اختيار الأسهم ونوعية الأسهم ونسب التركيز في الصندوق، جميعها عوامل ساعدت في الأداء السلبي للصناديق.

صحيح أن أغلب اللوم يقع على مديري الصناديق إلا أن جانبا من اللوم يتحمله طرفان آخران هما جهة الرقابة والمستثمر نفسه. أما جهة الرقابة فلم تتمكن من السيطرة على كثير من الممارسات الخاطئة التي كان يقوم بها بعض مديري الصناديق في حينها ما ساهم في تفاقم الخسائر. وأما المستثمر فإن نقص الثقافة الاستثمارية لديه جعله يهمل البحث في أمور أساسية (مثل الأداء التاريخي للمدير، نسبة المخاطرة في الصندوق ونسبة التذبذب) قبل أن يتخذ قراره الاستثماري، ما جعل الكثير من الاستثمارات تتجه لمديري صناديق كانوا يحققون عوائد كبيرة لكن بنسب مخاطرة عالية. أيضا كانت هناك مشكلة أخرى تواجه مديري الصناديق وهي عدم وجود أدوات استثمارية يستطيع من خلالها المدير حماية الصندوق من مخاطر تراجع السوق أو تعظيم العوائد مع الإبقاء على المخاطر عند حدود معقولة.

ولكن..

حتى وإن اهتزت ثقة المستثمرين بجدوى الاستثمار في صناديق الأسهم بسبب بعض الممارسات الخاطئة التي شابت إدارتها خلال الفترة السابقة، إلا أن الصناديق تظل دائما الخيار الأنسب للمستثمر الصغير الذي يبحث عن تحقيق أرباح على المدى الطويل وبمخاطر أقل من الاستثمار المباشر في السوق. لذلك نتمنى أن تساهم الدروس التي استفادتها شركات إدارة الأصول من هفواتها السابقة في إدارة الصناديق، وإقرار قانون هيئة سوق المال الذي ينظم صناعة صناديق الاستثمار ويضيف لها المزيد من الحرفية والشفافية، في إعادة هذه الصناعة إلى مسارها الصحيح مرة أخرى لتستعيد ثقة المستثمرين بها مرة أخرى وتكون هي القائد الحقيقي للسوق في المرحلة المقبلة.





بدر الغانم

@baderalghanim
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي