مشاهد / ... ولا إمام غَنَّى

يوسف القعيد





| يوسف القعيد |
ذهبت لمشاهدة فيلم: «الفاجومي»... عن حياة الشاعر أحمد فؤاد نجم. رغم أن لي موقفا محددا من مسألة أنه لا يجوز أن يقدم عمل فني- فيلم أو مسرحية أو مسلسل - عن إنسان لايزال على قيد الحياة، وأن الرحيل عن الدنيا يعني- ضمن ما يعنيه - أن هذا الإنسان أو ذاك قد وصل إلى ختام رحلته، وبالتالي يمكن الكلام أو الكتابة عنه. قد تقول لي... ولكن الفيلم مأخوذ عن مذكرات نجم التي عنوانها: الفاجومي. أقول لك وذلك عيب العيوب كلها.. لأن الفيلم يجعل من البطل صاحب المذكرات صاحب الرؤية الفردية لكل أحداث العمل الفني. وهذا يدفعه لأن يمجد ذاته. وأن يقلل من أدوار الآخرين، خصوصا إن كانوا قد رحلوا عن الدنيا، وعندما يتكلم الإنسان عن نفسه لا يمكنه مقاومة هذا السحر العجيب أن ينسب لنفسه كل البطولات والأمجاد... وإن تكلم عن عيوبه الشخصية فسيقول فورا أكبر عيوبي أنني صريح وطيب القلب. وأحنو حتى على أعدائي.
أول ما فعلته عند المشاهدة هو المقارنة بين خالد الصاوي ونجم... وبالتحديد نجم وقت الأحداث، واكتشفت استحالة أن تكون هناك أوجه للمقارنة، أنا لا أقصد أن خالد الصاوي كان يجب أن يقلد نجم في الأداء... ولكن الصورة الذهنية لكليهما تبدو شديدة التنافر، وكما نسمع عن أساطير أهل الفن في الغرب. فإن الصاوي كان عليه أن يخضع لريجيم قاسٍ وغير عادي ولفترة طويلة حتى يبدو مثل نجم. أيضا عندما حاول خالد الصاوي أن يبدو مثل نجم في الأداء وقع في مبالغات لا تتناسب مع حياة الشعراء، خصوصا عندما كان يلقي الشعر الذي قاله نجم، كان في أدائه قدر من الاستعراض زائد عن اللزوم.
الصوت قصة أخرى: كنت أتصور عند إلقاء الصاوي لقصائد نجم أن نسمعها بصوت نجم، خصوصا من خلال التسجيلات الحية، سواء في الجلسات الخاصة التي كان يلقي فيها أشعاره أو اللقاءات الحية التي حضرتها الآلاف ممن حضروا إلقاء هذه الأشعار من جماهير مصر والوطن العربي والعالم. فالشعر من الفنون القليلة التي يمكن أن يضيف لها الإلقاء الكثير من التوهج والحضور... لدرجة أن ناقدا فنيًّا مهمًّا قال لي إن قراءة الشعر، وبخاصة إن كان صاحبه على قيد الحياة وممن يجيدون قول الشعر. أقول إن قراءة هذا الشعر - نيابة عنه قد تفقده 50 في المئة من قيمته التأثيرية.
عندما وصلت لغناء الشيخ إمام، فوجئت بأن هناك مغنيًّا آخر غير إمام. وتلك جريمة لأن الشيخ إمام كان مؤديا من النوع المهم... وكان يؤدي وسط الناس وتهليلات الناس وتجاوبهم مع أدائه. تبدو جزءا مهمًّا من المشهد. بل مكملا له، وكانت الناس تؤدي معه أو وراءه. أي أن السميعة يجعلون من أنفسهم «كورس» متطوعًا يقوم بمهمة «الكورس» أفضل من «الكورس» المحترف.
أذكر مرة في قصر عائلة إقطاعية في الهرم... أن غنَّى الشيخ إمام بعض أغاني سيد درويش وفيروز. لم يكن يحب أم كلثوم للأسف الشديد... ربما تأثر بالموقف النفسي لنجم منها، حتى الآن لايزال صوته يرن في أذني. كان فيه من الجمال ما يتفوق حتى على أداء عبدالوهاب... يومها تأكد لي أن إمام فنان نحت موهبته بنفسه، وأنه لم يعتمد على الموقف السياسي للأشعار التي يغنيها... ولكن مشروعيته آتية من جماليات صوته، وروعة أدائه الفني الجميل.
قبل ترك الشيخ إمام أتوقف أمام أمرين... الأول أننا جميعا نعرف أن الشيخ إمام بدأ حياته مقرئا للقرآن الكريم ومرتلا له. ومن هذا الدور اكتسب لقب الشيخ الذي كان يسبق اسمه. وهي رحلة إعداد فني ونفسي وبتدريب صوتي على الغناء، وهذه المرحلة أغفلت تماما في الفيلم رغم أهميتها، لا يقل لي أحد إن هذا فيلم عن نجم وليس عن إمام. وأرد عليه فورا إنهما معا شكَّلا كيانا فنيا واحدا. لا بد من تناولهما معا بالقدر والدرجة نفسهما.
الأمر الثاني... عندما عرضت الإذاعة والتلفزيون على نجم وإمام التعاون الفني كان الذي رفض بشدة في أرض الواقع - وقد عشنا جميعا هذه الأحداث كان إمام. في حين أن نجم كان أميل لهذا التعاون. في الفيلم تكتشف أن الشيخ إمام كان هو الأميل إلى التعاون مع الإذاعة والتلفزيون... وأن الذي رفض هذا التعاون كان نجم، وهذا عكس الحقيقة، إن الفيلم يقدم رؤية لصالح نجم ضد إمام، والمشكلة أن إمام مات ولا يستطيع الاعتراض على هذه الرؤية. وفي ذلك ظلم أكثر من مرة للشيخ الراحل لحساب الشاعر الذي لايزال حيا بيننا.
لم يعجبني في الفيلم إلصاق التحرير بأواخره. هذا كلام غير مبرر ولا معنى له. بل يفسد العمل الفني... خصوصا أن نجم عاصر عصر مبارك. ولم يكن له نشاط شعري كثيف وقوي. والفيلم تم تصوير معظمه في ظل دولة مبارك. لذلك تم تجاهل هذه الفترة. فأتى إلصاق هذه النهاية التحريرية بالعمل وكأنه عملية افتعال.
عند الغناء في الاحتفال الذي أقيم بعد استشهاد صلاح حسين - «بطل كمشيش الذي اغتالته عائلة الفقي الإقطاعية الشهيرة» - غنى إمام ونجم الأغنية الشهيرة: «جيفارا مات»... ودون الرجوع لوثائق ولا مستندات أعتقد أنه يوجد تناقض زمني بين الأمرين. كان استشهاد صلاح حسين سابقا على استشهاد جيفارا، ربما استشهد صلاح حسين قبل الخامس من يونيو سنة 1967، في حين أن أغنية جيفارا مات سمعتها بعد الخامس من يونيو 1967. كانت أجواء 1968 هي المسيطرة عليَّ نفسيا عندما كنت أستمع إلى هذه الغنوة للمرة الأولى في جلسة خاصة بأحد مقاهي حي العتبة الخضراء.
لم أشاهد الفيلم في عرض خاص رغم كثرة عروضه الخاصة... شاهدته وسط الجماهير، وكان العدد أقل من القليل ولم أشاهد الزحام الذي توقعته، خصوصا في مصر بعد الخامس والعشرين من يناير، هل لهذه الأخطاء دخل في أن الفيلم لم يحدث الدوي الذي كان يتوقعه صانعوه؟ هل انصرفت عنه الناس رغم المعارك الكثيرة المحيطة بالفيلم في كل وسائل الإعلام المختلفة التي وصلت للتهديد باللجوء إلى القضاء لوقف عرض الفيلم. وقبل الوصول إلى القضاء كان الفيلم قد رفع من بعض دور العرض.
ذهبت لمشاهدة فيلم: «الفاجومي»... عن حياة الشاعر أحمد فؤاد نجم. رغم أن لي موقفا محددا من مسألة أنه لا يجوز أن يقدم عمل فني- فيلم أو مسرحية أو مسلسل - عن إنسان لايزال على قيد الحياة، وأن الرحيل عن الدنيا يعني- ضمن ما يعنيه - أن هذا الإنسان أو ذاك قد وصل إلى ختام رحلته، وبالتالي يمكن الكلام أو الكتابة عنه. قد تقول لي... ولكن الفيلم مأخوذ عن مذكرات نجم التي عنوانها: الفاجومي. أقول لك وذلك عيب العيوب كلها.. لأن الفيلم يجعل من البطل صاحب المذكرات صاحب الرؤية الفردية لكل أحداث العمل الفني. وهذا يدفعه لأن يمجد ذاته. وأن يقلل من أدوار الآخرين، خصوصا إن كانوا قد رحلوا عن الدنيا، وعندما يتكلم الإنسان عن نفسه لا يمكنه مقاومة هذا السحر العجيب أن ينسب لنفسه كل البطولات والأمجاد... وإن تكلم عن عيوبه الشخصية فسيقول فورا أكبر عيوبي أنني صريح وطيب القلب. وأحنو حتى على أعدائي.
أول ما فعلته عند المشاهدة هو المقارنة بين خالد الصاوي ونجم... وبالتحديد نجم وقت الأحداث، واكتشفت استحالة أن تكون هناك أوجه للمقارنة، أنا لا أقصد أن خالد الصاوي كان يجب أن يقلد نجم في الأداء... ولكن الصورة الذهنية لكليهما تبدو شديدة التنافر، وكما نسمع عن أساطير أهل الفن في الغرب. فإن الصاوي كان عليه أن يخضع لريجيم قاسٍ وغير عادي ولفترة طويلة حتى يبدو مثل نجم. أيضا عندما حاول خالد الصاوي أن يبدو مثل نجم في الأداء وقع في مبالغات لا تتناسب مع حياة الشعراء، خصوصا عندما كان يلقي الشعر الذي قاله نجم، كان في أدائه قدر من الاستعراض زائد عن اللزوم.
الصوت قصة أخرى: كنت أتصور عند إلقاء الصاوي لقصائد نجم أن نسمعها بصوت نجم، خصوصا من خلال التسجيلات الحية، سواء في الجلسات الخاصة التي كان يلقي فيها أشعاره أو اللقاءات الحية التي حضرتها الآلاف ممن حضروا إلقاء هذه الأشعار من جماهير مصر والوطن العربي والعالم. فالشعر من الفنون القليلة التي يمكن أن يضيف لها الإلقاء الكثير من التوهج والحضور... لدرجة أن ناقدا فنيًّا مهمًّا قال لي إن قراءة الشعر، وبخاصة إن كان صاحبه على قيد الحياة وممن يجيدون قول الشعر. أقول إن قراءة هذا الشعر - نيابة عنه قد تفقده 50 في المئة من قيمته التأثيرية.
عندما وصلت لغناء الشيخ إمام، فوجئت بأن هناك مغنيًّا آخر غير إمام. وتلك جريمة لأن الشيخ إمام كان مؤديا من النوع المهم... وكان يؤدي وسط الناس وتهليلات الناس وتجاوبهم مع أدائه. تبدو جزءا مهمًّا من المشهد. بل مكملا له، وكانت الناس تؤدي معه أو وراءه. أي أن السميعة يجعلون من أنفسهم «كورس» متطوعًا يقوم بمهمة «الكورس» أفضل من «الكورس» المحترف.
أذكر مرة في قصر عائلة إقطاعية في الهرم... أن غنَّى الشيخ إمام بعض أغاني سيد درويش وفيروز. لم يكن يحب أم كلثوم للأسف الشديد... ربما تأثر بالموقف النفسي لنجم منها، حتى الآن لايزال صوته يرن في أذني. كان فيه من الجمال ما يتفوق حتى على أداء عبدالوهاب... يومها تأكد لي أن إمام فنان نحت موهبته بنفسه، وأنه لم يعتمد على الموقف السياسي للأشعار التي يغنيها... ولكن مشروعيته آتية من جماليات صوته، وروعة أدائه الفني الجميل.
قبل ترك الشيخ إمام أتوقف أمام أمرين... الأول أننا جميعا نعرف أن الشيخ إمام بدأ حياته مقرئا للقرآن الكريم ومرتلا له. ومن هذا الدور اكتسب لقب الشيخ الذي كان يسبق اسمه. وهي رحلة إعداد فني ونفسي وبتدريب صوتي على الغناء، وهذه المرحلة أغفلت تماما في الفيلم رغم أهميتها، لا يقل لي أحد إن هذا فيلم عن نجم وليس عن إمام. وأرد عليه فورا إنهما معا شكَّلا كيانا فنيا واحدا. لا بد من تناولهما معا بالقدر والدرجة نفسهما.
الأمر الثاني... عندما عرضت الإذاعة والتلفزيون على نجم وإمام التعاون الفني كان الذي رفض بشدة في أرض الواقع - وقد عشنا جميعا هذه الأحداث كان إمام. في حين أن نجم كان أميل لهذا التعاون. في الفيلم تكتشف أن الشيخ إمام كان هو الأميل إلى التعاون مع الإذاعة والتلفزيون... وأن الذي رفض هذا التعاون كان نجم، وهذا عكس الحقيقة، إن الفيلم يقدم رؤية لصالح نجم ضد إمام، والمشكلة أن إمام مات ولا يستطيع الاعتراض على هذه الرؤية. وفي ذلك ظلم أكثر من مرة للشيخ الراحل لحساب الشاعر الذي لايزال حيا بيننا.
لم يعجبني في الفيلم إلصاق التحرير بأواخره. هذا كلام غير مبرر ولا معنى له. بل يفسد العمل الفني... خصوصا أن نجم عاصر عصر مبارك. ولم يكن له نشاط شعري كثيف وقوي. والفيلم تم تصوير معظمه في ظل دولة مبارك. لذلك تم تجاهل هذه الفترة. فأتى إلصاق هذه النهاية التحريرية بالعمل وكأنه عملية افتعال.
عند الغناء في الاحتفال الذي أقيم بعد استشهاد صلاح حسين - «بطل كمشيش الذي اغتالته عائلة الفقي الإقطاعية الشهيرة» - غنى إمام ونجم الأغنية الشهيرة: «جيفارا مات»... ودون الرجوع لوثائق ولا مستندات أعتقد أنه يوجد تناقض زمني بين الأمرين. كان استشهاد صلاح حسين سابقا على استشهاد جيفارا، ربما استشهد صلاح حسين قبل الخامس من يونيو سنة 1967، في حين أن أغنية جيفارا مات سمعتها بعد الخامس من يونيو 1967. كانت أجواء 1968 هي المسيطرة عليَّ نفسيا عندما كنت أستمع إلى هذه الغنوة للمرة الأولى في جلسة خاصة بأحد مقاهي حي العتبة الخضراء.
لم أشاهد الفيلم في عرض خاص رغم كثرة عروضه الخاصة... شاهدته وسط الجماهير، وكان العدد أقل من القليل ولم أشاهد الزحام الذي توقعته، خصوصا في مصر بعد الخامس والعشرين من يناير، هل لهذه الأخطاء دخل في أن الفيلم لم يحدث الدوي الذي كان يتوقعه صانعوه؟ هل انصرفت عنه الناس رغم المعارك الكثيرة المحيطة بالفيلم في كل وسائل الإعلام المختلفة التي وصلت للتهديد باللجوء إلى القضاء لوقف عرض الفيلم. وقبل الوصول إلى القضاء كان الفيلم قد رفع من بعض دور العرض.