منى فهد العبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / يا صباحاه

تصغير
تكبير
قارئي: قد تتوارد إلى ذهنك معان عديدة حول عنوان مقالي، فقد يراود البعض أنني أصُبّح على القراء والجمهور بصباح يوم جديد، وقد يرد على بعض الأذهان أنني أتجمل لصبحٍ جديدٍ متفائل ؛خالٍ من التوترات السياسية والثورات الشعبية وقد... وقد...!

عزيزي القارئ ما أرمي له اليوم في مقالي (يا صباحاه) هو الآتي؛ عندما أراد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجهر بدعوته؛ صعد على جبل صفا فَعَلا أعلاها حجراً؛ ثم هتف «يا صباحاه». وكانت كلمة إنذار تخبر عن هجوم جيش أو وقوع أمر عظيم.

أما أنا هتفت «يا صباحاه» لاستجمع أذهان وعقول القراء، ليس لقراءة الكلمات المكتوبة؛ أو ما يتراءى من بينها وكفى؛ بل ان ما أرنو إليه أعمق من ذلك بكثير إنها دعوة لاختراق أفق السطور إلى ما وراء المسطور؛ وذلك لنفهم ونعي الخبر الذي من أجله كتبت كلماتي لأنذر عن وقوع أمر عظيم سيقع إن لم نتدارك أنفسنا؛ ونحكم عقولنا؛ ونؤول إلى رشدنا؛ سوف نجابه سيول من الثقافات الخاطئة المستوردة تداهم وتهاجم المجتمع الكويتي.

لقد بات نَفَس وأسلوب الخطاب اليوم طارداً لا محبباً، منفراً لا جاذباً؛ عسيراً لا يسيراً؛ متصلبا متحجراً لا مرناً. ولا يخفى على أحد منا بأننا نواجه اليوم هجوم جيش الكلمات والعبارات الموجهة من المسؤولين والمصلحين والدعاة والوعاظ للشعوب؛ وأصبحت لغة الخطاب الدارجة؛ بصيغة الأمر الملزم؛ وكبت حرية التعبير بالقول والفعل انطلاقاً من قاعدة لا تخوضوا مع الخائضين؛ ويحمل في ثناياه الكثير من اللاءات التي تشتت الأذهان وتحير الأفراد وتجعلهم في تردد دائم في اتخاذ أي قرار في جوانب الحياة كافة... السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية والإسلامية والمجتمعية.

فنحن نرى اليوم لغة الخطاب في انحدار ظاهر وجلي؛ بحيث ان كل فرد في موضع المسؤولية يريد فرض وتسييد رأيه وكأنه دستور مُنّزل من السماء لا أحد يتخطاه ويتعداه في ما يطرحه من وجهة نظر سواء كانت شرعية أو مجتمعية أو سياسية؛ وبما يتعلق في فقه أحوال الواقع إن صح التعبير والإشارة له بهذا المسمى؛ وإرغام الآخرين على الأخذ بالرأي ووجهة النظر؛ حتى وإن كانت لا تتماشى مع واقعنا وأحوالنا الدينية والدنيوية.

بات ضرورياً تغيير وتبديل لغة الخطاب التي أصبحت بينة في هبوطها وانغلاقها؛ ولابد من تفنيد وتصنيف فقه الحالة بما يتوافق ويتواءم مع مستجدات العصر الحالي؛ وصنع مفاهيم تكون آليات وعلاجات لنواجه ونعايش ما نمر به اليوم وفق معطيات شرعية لنثبت به أن ديننا صالح لكل زمان ومكان؛ ولم يتأت النهي إلا في موضعه؛ ولنبتر ثقافة اللاءات من جذورها التي تشتت الأذهان وتفقد الحديث مصداقيته لكثرة التحدث بأسلوب فظ؛ ومنطق جامد؛ وصيغة أمر لازمة لا صيغة سلسة هينة مرغبة للفرد وتكون بمثابة جرعة عقاقير توطد بداخله منهاج التكيف والتأقلم مع متغيرات الأحوال والأوضاع؛ ومتبدل الزمان؛ بمعايرة وموازنة الأمور وضبطها بمعيار الخطاب المتعقل المتفهم لرفع معاناة الأشخاص ليزول عنهم صراع وتأرجح الاختيار لرأي صائب سديد يعينهم على تقبل الأوضاع بمنظور شرعي حديث يتلاءم وينسجم مع كل مستجد من مستجدات الحياة.





منى فهد عبدالرزاق الوهيب

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي