توقع مثول بلير وبراون أمام التحقيق في فضيحة التنصت

ميردوخ يواجه مصير مبارك... ومخاوف من انهيار سريع لامبراطوريته

تصغير
تكبير
| لندن - من إلياس نصرالله |

يواجه روبرت ميردوخ، صاحب أكبر إمبراطورية إعلامية في العالم، وضعا شبيها بالوضع الذي واجهه الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي حكم مصر لثلاثين عاما مثلما تحكم هو بالساحة الإعلامية البريطانية لدى استحواذه على صحيفة «التايمز» في مطلع الثمانينات الماضية، إذ واجه كلاهما ثورة شعبية عارمة أسقطت حكم مبارك في يناير الماضي، فيما يصارع ميردوخ أمواجا عاتية قد لا ينجو منها.

واتضح، أمس، أن الأزمة الناشئة عن فضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية من جانب صحافيي ميردوخ لا تقتصر على بريطانيا، بل هي آخذة بالاتساع لتشمل بلداناً أخرى في العالم يملك فيها ميردوخ وسائل إعلام متنوعة مقروءة ومسموعة ومرئية، ففي الولايات المتحدة دعا السناتور الأميركي جاي روكفلر إلى «فتح تحقيق حول ما إذا كان صحافيو ميردوخ مارسوا أسلوب التنصت نفسه على الساحة الأميركية ضد المواطنين الأميركيين»، فيما طوّحت وسائل الإعلام المنافسة لميردوخ في استراليا، موطنه الأصلي، باتهامات شديدة ضد صحافييه على أنهم استخدموا الأسلوب غير النزيه ذاته بالتنصت على مكالمات المواطنين الهاتفية من أجل الحصول على الأخبار، الأمر الذي دفع مؤسسة ميردوخ للإعلان عن فتح تحقيق بالتهم الموجهة إليها في محاولة منها لتهدئة الرأي العام المحلي.

وتزداد القناعة في أوساط الرأي العام بأنه من غير المعقول أن تكون الممارسات غير الأخلاقية وغير القانونية التي اتبعها صحافيو ميردوخ قد تمت من دون علمه وعلم كبار المسؤولين في المؤسسة، خاصة وأن بعض الأخبار التي تم الحصول عليها كان مثيراً وله أبعاد سياسية خطيرة ومن غير المعقول أن يكون ميردوخ مرّ عليها مرور الكرام، من دون أن يستفسر عن صحتها والتأكد من صحة مصدرها.

ومن المنتظر استدعاء ميردوخ وابنه جيمس ومديرة أعماله ربيكا بروكس وغيرهم من المسؤولين في المؤسسة للمثول أمام لجنة الإعلام التابعة لمجلس العموم البريطاني للإدلاء بشهاداتهم حول الفضيحة، التي حاول ميردوخ في البداية أن يهرب منها، لكنه عاد واعترف بوقوعها وسعى لإسكات الأصوات التي تريد رأسه بإغلاق صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» التي تمحورت الفضيحة حول ممارسات صحافييها. وتدحرجت القصة ككرة الثلج ليتضح أن صحف ميردوخ الأخرى «الصن» و«التايمز» و«الصاندي تايمز» متورطة هي الأخرى بممارسات شبيهة، ليضيق الحبل الملتف حول رقبته أكثر فأكثر.

ووفقا لمصدر في «وول ستريت» في نيويورك يواجه ميردوخ صعوبات مالية هائلة نتيجة هذه الفضيحة، حيث هبطت أسعار أسهم شركاته واضطر لإصدار أوامر باسترجاع الأسهم التي طرحت للبيع، فيما ذكرت مصادر مطلعة أن ميردوخ يفكر في بيع جميع الصحف التي يملكها في بريطانيا، لكنه يواجه مشكلة في العثور على مشترين. لكن تظل المشكلة الأكبر التي يواجهها ميردوخ هي خسارته شبه المؤكدة للعطاء الذي رسى عليه للاستحواذ على فضائية «بي سكاي بي» مقابل 8 مليارات جنيه استرليني، إذ ان الأحزاب الثلاثة الرئيسية المحافظين والليبراليين المشاركين في الحكم وحزب العمال المعارض متفقون على ضرورة سحب العطاء من ميردوخ، وهم ينتظرون أن يتقدم هو باقتراح للانسحاب من الصفقة قبل أن تُقدِم الحكومة على اتخاذ إجراء بهذا الخصوص.

وكان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون تراجع بسرعة عن دعم صديقه ميردوخ، خوفا من نقمة الشارع البريطاني الذي ثار نتيجة الفضائح غير الأخلاقية لصحافيي «نيوز أوف ذي وورلد».

وكانت وسائل الإعلام تناقلت خبرا عن حفلة أقامها ميردوخ في منزله في لندن في 16 يونيو الماضي، أي فقط منذ أيام قليلة، برز من بين الحضور فيها كاميرون وزوجته وزعيم المعارضة إد ميليباند وزوجته وعدد كبير من قادة حزبي المحافظين والعمال. ويأمل كاميرون وحزب المحافظين أن تمرّ الأزمة بسلام من دون أن ُتلحِق به ضرراً بالغاً، إذ يوجد ارتياح في أوساط المحافظين إلى أنهم ليسوا الوحيدين الذين تورطوا في العلاقة مع ميردوخ، وأنهم لا يختلفون في هذه المسألة عن حزب العمال المنافس.

فيما يُعتقد أن الرابح الأكبر من هذه الأزمة سيكون حزب الليبراليين الديموقراطيين الذي كان يناصب ميردوخ العداء طوال الوقت، بل أن وزير الخزانة فينس كايبل، أحد أبرز رموز هذا الحزب، كان اصطدم مع ميردوخ بسبب معارضة منحه عطاء «بي سكاي بي» واضطر إلى التخلي عن دوره كمشرف على العطاء الذي رسا على ميردوخ في وقت لاحق.

ووفقاً للمهتمين بالتحقيق الرسمي الذي أمرت الحكومة بإجرائه في الفضيحة، من المنتظر استدعاء كل من رئيسي الوزراء السابقين توني بلير وغوردون براون للإدلاء بشهادتيهما حول العلاقة التي كانت قائمة بينهما وبين ميردوخ ووسائل إعلامه. ويعتقد المراقبون أن بلير الذي تورط بعلاقة مريبة مع ميردوخ يواجه مشكلة في هذا الخصوص، حيث سيكون مثوله أمام لجنة التحقيق فرصة لإلقاء الضوء على خفايا تلك العلاقة التي طالما حذر الكثيرون منها واتهموا بلير بأنه ساهم في تقوية نفوذ ميردوخ السياسي على الساحة البريطانية.

ورحّب إد ميليباند، زعيم حزب العمال المعارض، أمس بالبيان الذي قدّمه رئيس الوزراء إلى مجلس العموم حول أزمة ميردوخ والذي أكد فيه أهمية إجراء التحقيق في الفضيحة وتعيين أحد كبار القضاة في بريطانيا رئيساً للجنة التحقيق الرسمية، لكن ميليباند قال أن «لجنة التحقيق ينبغي ألا تنظر فقط بتفاصيل فضيحة ميردوخ، بل أن تعيد النظر في سيطرة الإعلام على الحياة السياسية ونفوذ المؤسسات الإعلامية بين السياسيين».

كما رحّب ميليباند بالتطمينات التي قدمها كاميرون بشأن إعادة النظر في عطاء «بي سكاي بي» الممنوح لميردوخ والذي قال كاميرون أن الوزير المكلف بالملف جيرمي هانت يقوم حالياً بمراجعة العطاء، بانتظار إصدار قراره قريباً.

لكن ميليباند طالب كاميرون بالكشف عن فحوى المحادثات العديدة التي أجراها مع ميردوخ قبل الانتخابات النيابية الأخيرة في مايو العام 2010 وبعدها، في إشارة واضحة إلى أن كاميرون كان ضالعاً في التآمر مع ميردوخ ضد حزب العمال الحاكم من أجل إسقاطه عن سدة الحكم.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي