عبدالعزيز صباح الفضلي / رسالتي / ما طار طير وارتفع

تصغير
تكبير
عندما شاهدت صورة الرئيس اليمني علي صالح في أول ظهور له في وسائل الإعلام بعد محاولة اغتياله، وقد تغير وجهه من أثر الحروق، وظهر عاجزاً عن تحريك أطرافه، كما لف جسمه بصورة شبه كاملة بلفافات، واستمعت إلى خطابه الذي بدا فيه منكسراً وإن حاول إخفاء ذلك، تذكرت المثل القائل «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع».

فمن منا لا يتذكر حالة الكبر والتعالي التي كان يتصف بها الرئيس اليمني، فأسلوب كلامه، وطريقة مشيته، واستحقاره لمن حوله، وقد شاهدت له لقطة وكيف قام بدفع شخص كان أمامه بكل صلف وعنجهية، وظهر كبره واستعلاؤه في مقابلة له مع قناة «الجزيرة» حين سأله مقدم البرنامج أحمد منصور عن سبب تنكبه لحركة الإصلاح وانقلابه عليها وهي التي ساندته ودعمته في حربه ضد الجنوبيين قال: هؤلاء كانوا ورقة كوتشينة (يعني جنجفة) لعبنا بها ثم رميناها.

ما جرى للرئيس اليمني فيه عبرة وعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فكم من رئيس وزعيم يتعامل مع شعبه والمحيطين به على طريقة علي صالح، بل كم من واحد هو أقل منهم في المنصب كبعض الوزراء أو النواب، والذي ما إن يصل أحدهم إلى الكرسي حتى يتعالى على أقرب الناس إليه، بل والأدهى والأمر أن ترى التعالي والتكبر عند بعض الموظفين، والذي ما أن يرقى إلى رئيس قسم، أو مراقب، أو حتى مدير إدارة، إلا وتراه قد نفش ريشه، وبدأ بالتعامل بالرسميات مع زملائه ونسي أنه كان قبل يوم يجلس على الكرسي الذي بجانبهم، والمصيبة إذا كانت الترقية بالواسطة وليس بسبب الكفاءة.

أقول لكل واحد من هؤلاء تذكر أنه لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك، وأنه من تواضع لله رفعه، وأن الإنسان إنما يرتقي بأخلاقه لا بمنصبه.

رأى المطرف بن عبدالله رجلا يقال له المهلب بن أبي صفرة وهو يختال في مشيته، فنهاه عنها فقال المهلب: أما تعرفني؟ فقال المطرف: بلى أعرفك، أولك نطفة مذرة وآخرتك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة.

وكان الأحنف بن قيس يقول: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر.

لو كان الكبر محموداً لكان أولى الناس به خير البرية وإمام البشرية سيدنا محمد - عليه الصلاة والسلام، والذي وصل إلى منزلة لم يصلها لا قبله ولا بعده ملك مقرب أو نبي مرسل، ومع ذلك كان يقول: أنا سيد ولد آدم ولا فخر. وكان يقول لأصحابه لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، وإنما قولوا عبد الله ورسوله.

ومما يذكر أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم - ناقة يقال لها العضباء وكانت لا تُسبق، فجاء أعرابي على قعود له، فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقال عليه الصلاة والسلام «حق على الله ألّا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه».

ورحم الله تعالى قائل هذه الأبيات:

وأحسن أخلاق الفتى وأتمها تواضعه للناس وهو رفيع

وأقبح شيء أن يرى المرء نفسه رفيعاً وعند العالمين وضيع





عبدالعزيز صباح الفضلي

كاتب كويتي

[email protected]

abdulaziz2002@ twitter
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي