نجاة الحشاش / كلمات من القلب / ولو نطق الزمان لنا هجانا

تصغير
تكبير
يقول الإمام الشافعي: «نعيب زماننا والعيب فينا... وما لزماننا عيب سوانا... ونهجو ذا الزمان بغير ذنب... ولو نطق الزمان لنا هجانا... وليس الذئب يأكل لحم ذئب... ويأكل بعضنا بعضا عيانا».

رحم الله قائلها، كأنه يصف حالنا وزماننا هذا، الكل يتذمر من الحال وتردي الأوضاع وتفشي الفساد وقطع الأرزاق والغلاء، ويعيب على هذا الزمان، وكما قال قائل هذه العبارات نهجو ذا الزمان بغير ذنب، لأن الذنب والعيب فينا نحن فيا ليت زماننا هذا ينطق فيهجونا.

لو نطق هذا الزمان لتعجب من أناس قد سجلهم لصوصاً وطغاة وفاسدين وهم أبرياء مقارنة بلصوص وحرامية، هذا الزمان الذين أبدعوا وتفننوا فيه بأنواع السرقة... فهناك حرامية أحلام وطموحات الشباب، وهناك حرامية المال العام، وهناك حرامية العقارات، والمناقصات وحرامية الشهادات والواسطات، وأيضاً حرامية يجلسون تحت الطاولات، وكبيرهم الذي علّمهم السحر هو حرامي الشعوب والفقراء.

ومن الشخصيات التاريخية التي أتمنى ان تعود لزماننا ولحالتنا هذه شخصية الخليفة عمر بن عبد العزيز كنموذج لكل مسؤول وكل راع في هذا العصر الذي يشبه كثيراً العصر الذي عاش فيه عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - قبيل خلافته، كان عصره قد امتلأ فساداً وظلماً وسرقات ونهباً، فشاع الترف وغابت فيه الكلمة الصادقة والأمن والاستقرار وحلت فيه الأزمات السياسية والاقتصادية، لذلك أراد الخليفة عمر بن عبد العزيز بعد توليه الخلافة أن يغيّر هذا الوضع، وأن ينفذ على نفسه أولاً وبعد ذلك أسرته وحاشيته قانون «من أين لك هذا؟»، فأخذ ما بأيديهم من الأموال والثروات العظيمة وردها إلى أصحابها إن عرف أصحابها، أو إلى الخزانة العامة خوفاً على المال العام.

ولكن أين هذه الشخصية في هذا الزمان الذي امتلأ بشخصيات علي بابا وأكثر من «أربعين حرامي»، زمان الكل يتكالب فيه على المال العام ويتفنن بشتى الطرق للحصول على أكبر نصيب منه، مشبهاً أموال الدولة والمال العام بالكيكة الجاهزة للتقطيع، وكأنني أرى آلاف الأطباق ممتدة لتأخذ منها نصيب، ويا فرحته من كان له نصيب الأسد متناسياً أن أكله من هذه الكيكة يعتبر سرقة وهدراً للمال العام، ويا للمسكين لا يعلم انها جريمة ولها عقوبة في الدنيا والآخرة، و لربما لا يعلمون ويجهلون هذا الأمر، لذلك أعجبتني فكرة أحد الكتاب يقول فيها قبل اختيار المسؤول أو القيادي يجب أن يعرف ثلاثة أمور... الأمر الأول أن يعرّف مفهوم المال العام وسلبيات إهداره وسرقته والاستيلاء عليه. الأمر الثاني أن يحفظ ثلاث آيات وأحاديث نبوية تحرم سرقة المال العام والعقوبة التي تنتظر مرتكب هذه الجريمة عند العرض على الميزان يوم الحساب. الأمر الثالث: يجب أن يلم ببعض الفتاوى التي صدرت من أئمة المذاهب حول حرمة وسرقة وهدر المال العام. فلنا الله في مجتمع كثر فيه سراق المال العام، وكثر فيهم من يدعي حماية المال والعام وخوفه عليه، وأنه أمين على المال العام مثلما يؤمن ويحرس الذئب قطيعاً من الغنم.





نجاة الحشاش

كاتبة كويتية

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي