أسواق النفط وتطورات الميزانية / «الوطني»: فائض الميزانية سيتجاوز 8 مليارات دينار


في آخر تقرير له حول تطورات أسواق النفط، اشار بنك الكويت الوطني إلى أنه في أعقاب التراجع الذي شهده في النصف الثاني من شهر يناير ومطلع شهر فبراير، عاود سعر برميل النفط الخام الكويتي مسيرة ارتفاعه خلال النصف الثاني من شهر فبراير ليتجاوز حاجز 90 دولاراً وليصل في 29 فبراير إلى أعلى مستوياته على الإطلاق عند مستوى 92.8 دولار. فالمخاوف الناجمة عن تزايد درجة التشاؤم بخصوص نمو الطلب العالمي على النفط قد طغى عليها تجدد المخاوف من ناحية الإمدادات النفطية، متضمنة لتوقف رئيسي في الإمدادات في كل من نيجيريا وبحر الشمال وبواقع 0.13 و0.14 مليون برميل يومياً على التوالي، تلاه بعد أسبوع واحد قرار فنزويلا بوقف مبيعاتها النفطية إلى شركة النفط الأميركية العملاقة إكسون موبيل. كما تأثرت أسعار النفط بقرار أوبك الصادر عن اجتماعها الأخير في الأول من شهر فبراير والقاضي بالإبقاء على مستوى إنتاج المنظمة عند مستواه الحالي، ما قد يؤكد عزم المنظمة المحافظة على أسعار النفط قرب مستوياتها الحالية. ويرى بعض المراقبين أن هذا القرار قد أسهم في ترسيخ حالة التوازن الدقيق بين العرض والطلب في الأسواق، ما عزز من التوقعات القائمة بأن أسعار النفط تسير باتجاه تصاعدي.
كما أسهمت هذه العوامل أيضاً في ارتفاع سعر مزيج غرب تكساس بواقع 4.5 دولار في يوم واحد ليغلق في 19 فبراير فوق مستوى 100 دولار للبرميل وذلك للمرة الأولى في تاريخه. وقد رأى البعض أن هذه الزيادة الحادة قد تأثرت بقيام المتعاملين بتغطية مراكزهم قبل انتهاء العقود المستقبلية لشهر مارس، إلى جانب الانفجار الذي حدث في محطة بيج سبرينج في ولاية تكساس الأميركية في اليوم السابق ما أدى إلى حالة من التوتر في الأسواق. كما تبع سعر مزيج برنت نفس الاتجاه بعد أيام قليلة، مرتفعاً بنحو 2.6 دولار في 28 فبراير ليصل إلى 101 دولار للبرميل.
وعلى الرغم من عودة المؤشرات الداعمة لارتفاع الأسعار، فإن التطلعات لأداء الاقتصاد العالمي والطلب على النفط ما زالت مخيبة للآمال تشوبها درجة عالية من الضبابية، ما صعب من مهمة المحللين في استكشاف اتجاهات السوق النفطي. فوكالة الطاقة الدولية على سبيل المثال قد خفضت وللشهر الثاني على التوالي من تقديراتها المتفائلة لنمو الطلب العالمي على النفط لعام 2008 إلى 2.1 في المئة أو ما يعادل زيادة قدرها 1.8 مليون برميل يومياً، وذلك مقابل 2.5 في المئة أو ما قدره 2.1 مليون برميل يومياً وفق تقديراتها في شهر ديسمبر. وقد عزت الوكالة هذا التخفيض إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بما يفوق التوقعات، وتحديداً في الولايات المتحدة. ومع ذلك، يرى آخرون معنيون بتوقعات أسواق النفط أن تقديرات وكالة الطاقة تعتبر متفائلة وبدرجة كبيرة جداً. فعلى سبيل المثال، فإن مركز دراسات الطاقة الدولية يتوقع أن يأتي نمو الطلب العالمي في عام 2008 ضعيفاً للغاية وبحدود 0.4 مليون برميل يومياً أو ما يعادل زيادة نسبتها 0.5 في المئة، وذلك مع بداية تفشي تأثير التباطؤ في الاقتصاد الأميركي. كما ركز آخرون على الدور المحتمل لتساقط الثلوج الكثيف الذي شهدته الصين مؤخراً، والذي أضر بالصناعة التحويلية المحلية والنقل، وما سيترتب عليه من تأثير جوهري على معدل نمو الطلب على النفط للعام بأكمله.
كما أشار الوطني إلى أن تطورات جانب العرض من النفط ستلعب دوراً لا يقل أهمية في تحديد مسيرة الأسعار لعام 2008. فقد ساد العام الماضي قيام أوبك بخفض إنتاجها في وقت مبكر من العام والذي تزامن مع نمو ضعيف لحجم الإمدادات من خارج المنظمة، حيث تشير التقديرات إلى أن هذا النمو كان قد بلغ 0.5 مليون برميل يومياً وذلك مقابل زيادة قدرها 1 مليون برميل يومياً كانت متوقعة في بداية العام. وعلى الرغم من أن حصص الإنتاج في منظمة أوبك لم يطرأ عليها أي تغيير خلال اجتماعات شهري ديسمبر وفبراير، إلا أن إنتاج الدول العشر الفاعلة في المنظمة كان قد ارتفع بنحو 100 ألف برميل يومياً ما بين شهري ديسمبر ويناير، ما قد يوحي أن بعض الدول الأعضاء -وخاصة السعودية- وبغض النظر عن الموقف الرسمي قد تميل نحو زيادة الإنتاج للحد من أحد الضغوطات المحتملة التي قد تزيد من ضعف الاقتصاد العالمي. وإلى جانب ذلك، وعلى الرغم من محدودية النمو لحجم الإمدادات من خارج أوبك في عام 2007، فإن العديد من المراقبين ما زال يرى أن معدل النمو في هذه الإمدادات سيستعيد زخمه في العام الحالي، حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع حجم الإمدادات من خارج أوبك بنحو مليون برميل يومياً. وإذا ما حصل ذلك، فإن أوبك ستكون مضطرة للتحرك بشكل أكثر فاعلية. وعليه، فإن الاختبار الآتي لدرجة تمسك أوبك بتوجهاتها سيظهر في اجتماعها لشهر مارس، حيث أن هنالك تنامياً في الضغوط لخفض الإنتاج في ضوء الارتفاع الذي سيطرأ على حجم المخزونات خلال موسم الصيانة المقبل لمصافي التكرير.
وبالنتيجة، فإن التطلعات لعام 2008 تشوبها درجة ملحوظة من عدم الوضوح في جانبي العرض والطلب، ما يعني أن أسعار النفط قد تكون عرضة لتذبذبات جوهرية خلال العام. فمع أن مقومات السوق النفطي قد تبدو ضعيفة في الوقت الراهن، إلا أن هنالك العديد من العوامل الأخرى التي قد تلعب دوراً في المحافظة على أسعار النفط عند مستوياتها المرتفعة. فعند رسم السيناريوهات المحتملة لتطورات أسعار النفط لهذا العام، فإن السيناريو المتحفظ يعتمد على مقومات السوق لوحدها، بحيث يقدر أن يتباطأ معدل النمو في الاقتصاد العالمي في العام الحالي، ما ينتج عنه نمو طفيف في الطلب العالمي على النفط وبحدود 0.4 مليون برميل يومياً، في حين أن تبقى الزيادة في حجم الإمدادات من خارج أوبك عند 0.5 مليون برميل يومياً وذلك بعد الأخذ بعين الاعتبار إعادة تصنيف الإكوادور كعضو في أوبك. وفي حال عمدت أوبك إلى زيادة إنتاجها خلال الربع الثاني من عام 2008 استجابة للتصاعد الحاصل في الأسعار، على أن يتبع ذلك خفض كبير في وقت متأخر من العام لمواجهة التنامي في حجم المخزونات وضعف مقومات السوق، نرجح أن يهبط سعر مزيج برنت من 94 دولاراً في الربع الأول إلى 70 دولاراً مع نهاية العام، في حين يتراجع سعر برميل النفط الخام الكويتي من 86 دولاراً خلال الربع الأول إلى 63 دولاراً في الربع الأخير من العام.
ومع ذلك، نوه «الوطني» إلى أن هذا السيناريو لا يعد الأسوأ بالنسبة لأسعار النفط. وفي الواقع، فإن العديد من الخبراء مازال يتوقع تزايداً ملحوظاً في الإمدادات من خارج أوبك يتجاوز تقديراتنا المتحفظة الواردة في السيناريو السابق. فمع النمو السريع في الإنتاج من المشاريع الجديدة في كندا والبرازيل وخليج المكسيك، فإن الزيادة في حجم الإمدادات من خارج أوبك قد تتجاوز مليون برميل يومياً على امتداد العام، وهذا ما ترجحه أوبك وإدارة معلومات الطاقة ووكالة الطاقة الدولية. ومع أن مثل هذا التطور لن يحول دون بقاء أسعار النفط مرتفعة نسبياً خلال النصف الأول، إلا أنها ستنخفض بشكل حاد خلال النصف الثاني من العام، وخاصة إذا تزامن ذلك مع نمو أبطأ في الطلب أدى إلى ارتفاع في حجم المخزونات. وهذا هو أحد الأسباب وراء دعوة بعض الأعضاء في أوبك لخفض الإنتاج رغم ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية جديدة. ولو افترضنا أن مثل هذا القرار لن يتخذ قبل موسم الصيف بحيث تقرر أوبك خفضاً في الإنتاج بواقع 0.5 مليون برميل يومياً في الربع الثالث و1.2 مليون برميل يومياً إضافية في الربع الأخير، نرى أن التأخير في هذه الخطوة قد يرى أسعار النفط تنزلق بحيث يقارب سعر برميل برنت 50 دولاراً في أواخر العام وسعر النفط الكويتي ما دون ذلك.
إلا أنه يبقى هنالك احتمال أكبر بأن تبقى أسعار النفط مرتفعة. فالتسارع الأخير في أسعار النفط قد أظهر سهولة تأثر الأسواق بأي تعطل محتمل في الإمدادات ليس بالضرورة ناجماً بشكل حصري عن التوترات الجيوسياسية. واستناداً على ذلك، فإذا لم يطرأ تحسن في عدد أيام تغطية المخزونات للطلب سواء بسبب قلة الزيادة في حجم الإمدادات من خارج أوبك، أو حدوث انقطاع في الإمدادات لدى منتجين آخرين، أو في حال جاء الطلب العالمي قوياً، فإن أسعار النفط على امتداد عام 2008 ستبقى قريبة من مستوياتها الحالية المرتفعة. فمثلاً قد يتحقق مثل هذا السيناريو إذا أدى تحرك صانعي القرار في الدول المتقدمة بشكل جماعي إلى تجاوز الاقتصاد العالمي لمخاوف الركود، وتزامن ذلك مع نمو اقتصادي جوهري في منطقة الشرق الأوسط والاقتصادات الناشئة في آسيا. فبافتراض أن حجم النمو في الطلب العالمي على النفط سيصل إلى 1 مليون برميل يومياً، في حين حافظت أوبك خلال عام 2008 على نفس مستوى إنتاجها الحالي البالغ 32 مليون برميل يومياً، فإن سعر مزيج برنت سيبقى في حده الأدنى عند مستوى 100 دولار للبرميل خلال النصف الثاني من العام، وقد يبلغ متوسط سعر برميل النفط الخام الكويتي 90 دولاراً لعام 2008 بأكمله مقابل 66 دولاراً لعام 2007، مسجلاً بذلك زيادة نسبتها 36 في المئة.
وبما أن السنة المالية الحالية 2007/2008 قد أوشكت على الانتهاء، فقد أشار الوطني إلى أن تطورات الأسعار المذكورة أعلاه سينصب تأثيرها بشكل رئيسي على أرقام الميزانية للسنة المالية المقبلة. وفي كل الأحوال، فإن متوسط سعر برميل النفط الخام الكويتي سيبقى بحدود 74 دولاراً للسنة المالية الحالية بغض النظر عن تحقق أي من السيناريوهات الثلاثة الواردة أعلاه. فالإيرادات النفطية ستأتي بحدود 17.9 مليار دينار لهذه السنة، مشكلة بذلك نحو 95 في المئة من جملة إيرادات الميزانية، ومسجلة بذلك نمواً نسبته 24 في المئة عن مستواها للسنة المالية السابقة، في حين ستفوق تقديراتها المتحفظة الواردة في الميزانية بنحو241 في المئة. وفي الوقت ذاته، يتوقع للمصروفات أن تأتي بحوالي 5 في المئة إلى 10 في المئة دون مستوياتها المقدرة في الميزانية والبالغة 11.3 مليار دينار، ما يعني أن فائض الميزانية سيأتي ما بين 8.1 و8.9 مليار دينار وذلك قبل تخصيص 10 في المئة من الإيرادات لصندوق احتياطي الأجيال القادمة.