بعد شهر ونصف الشهر على توقيع وثيقة المصالحة الفلسطينية في القاهرة برعاية مباشرة من جهاز المخابرات المصرية، لم يحقق الجانبان المعنيان بها، بشكل مباشر، أي «حماس» و«فتح»، أي تقدم. لم يحصل تقدّم لا على صعيد التقريب بين الضفة الغربية وغزة من جهة ولا في مجال تأكيد وجود كيان فلسطيني واحد موحد يطمح إلى أن يكون دولة مستقلة يوماً ما من جهة أخرى.
يتبين كل يوم أن التوقيع كان بهدف ارضاء مصر، في هذه المرحلة بالذات، لا أكثر وأن البقية تفاصيل لا قيمة لها. اكتشفت «حماس» أن وثيقة المصالحة، التي كانت لديها اعتراضات عليها في الماضي، صارت مقبولة، من دون أي تعديلات من أي نوع كان، ما دام الطرف المصري الذي يتبناها لم يعد موضع اعتراض لا في طهران ولا في دمشق. أكثر من ذلك، صارت «حماس» في حاجة إلى مكان آخر غير دمشق يلجأ إليه قياديوها في ضوء تدهور الوضع الأمني في سورية وتحول «الإخوان المسلمين» فيها طرفاً مباشراً في المواجهة الدائرة حالياً بين الشعب والنظام. لم ينس قادة «حماس»، أخيراً، أنهم جزء من حركة «الإخوان المسلمين»، وهي جزء من المعارضة السورية، وأن ليس في استطاعتهم ممارسة لعبة استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية الى ما لا نهاية، وجدوا أن عليهم أن يأخذوا في الاعتبار من هو الطرف الذي يدعمهم ويدعمونه وما الأغراض التي يسعى إلى تحقيقها من خلال هذا الدعم المتبادل؟
فضل «الحمساويون» الاستعاضة عن الورقة السورية بالورقة المصرية. ما كان ذلك ليحصل من دون موافقة إيرانية تشير إلى تفهم طهران للمأزق الذي وجدت «حماس» نفسها فيه بسبب اضطرار عدد لا بأس به من قيادييها للإقامة في دمشق. الأكيد أن أطرافاً عدة أخرى دفعت في اتجاه المصالحة الفلسطينية بينها تركيا الساعية إلى لعب دور إقليمي تؤكد من خلاله أن «الإخوان المسلمين» قادرون على اتخاذ مواقف بناءة وأن يكونوا جزءا من اللعبة السياسية الديموقراطية في المنطقة. قد يكون رهان تركيا في محله وقد لا يكون. وحده الوقت سيثبت هل في الإمكان إصلاح الأحزاب «الإخوانية» العربية التي تقوم سياستها على استخدام الدين وسيلة من أجل الوصول الى السلطة بغض النظر عن التحالفات التي تقيمها هذه الحركة أو تلك هنا وهناك وهنالك... وصولاً حتى إلى إيران!
في كل الأحوال، يظهر أن المصالحة الفلسطينية لم تقدّم ولم تؤخّر. لا يزال كل شيء يراوح مكانه. «حماس» في غزة و «فتح» في الضفة الغربية. في غزة، تسعى «حماس» إلى احكام قبضتها على القطاع وأهله بطريقة أفضل وكأنّ «الإمارة الإسلامية» باقية إلى الأبد ويمكن أن تشكل نموذجاً يحتذى به. يبدو أنه لن تحصل أي نقلة نوعية في المستقبل القريب. لو كانت هناك أي جدية في البناء على المصالحة لكانت قيادات «فتح» و«حماس» عقدت اجتماعاً موسعاً للبحث في ما يمكن عمله وما لا يمكن عمله، خصوصاً في ضوء التعقيدات التي يمرّ بها الشرق الأوسط. ففي حال كانت السلطة الوطنية تنوي التوجه إلى الأمم المتحدة في سبتمبر المقبل من أجل الحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، يظلّ أفضل ما يمكن أن تفعله «حماس» الاعتراف بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير القائم على خيار الدولتين. لقد أخذت اسرائيل علما بجدية السلطة الوطنية في ما يخص الذهاب إلى الأمم المتحدة وباشرت حكومة بنيامين نتانياهو، التي تؤمن بتكريس الاحتلال، تنفيذ خطة مضادة.
المؤسف أن الفلسطينيين سيذهبون إلى الأمم المتحدة منقسمين على أنفسهم. وهذا يخدم إلى حد كبير الموقف الإسرائيلي المعارض لأي اعتراف يصدر عن الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية. الأخطر من ذلك أن الانقسام الفلسطيني سينعكس سلباً على موقف إدارة اوباما فيجعلها متعاطفة أكثر مع الموقف الإسرائيلي بحجة ان هناك بين الفلسطينيين من يرفض الاعتراف بإسرائيل ويرفض خيار الدولتين. وقد تحدث الرئيس اوباما نفسه عن هذا الامر في مناسبتين قريبتين.
هل يمكن اعطاء معنى للمصالحة الفلسطينية، أم أن كل ما هو مطلوب اخراج «حماس» من الورطة السورية. الى اشعار آخر، تبدو الوحدة الوطنية الفلسطينية آخر همّ لـ «حماس». المطلوب اليوم، بالنسبة الى الحركة و»إخوان» فلسطين، أكثر من أي وقت الامساك بغزة والاستفادة من إمكان فتح معبر رفح وسعي الحكومة المصرية الجديدة إلى تفهم أوضاع أهل القطاع بشكل افضل... أما الاحتلال والتخلص من الاحتلال فإنه يبقى همّاً مختلفاً.
مرة اخرى، كانت هناك مصالحة فلسطينية من اجل المصالحة. هل هناك شيء اسمه مصالحة من اجل المصالحة في غياب اتفاق على مشروع سياسي واقعي يعطي اي خطوة من هذا النوع بعدا مرتبطا بالتخلص من الاحتلال؟
بعد اربع سنوات كاملة على سيطرة «حماس» على قطاع غزة، ليس ما يشير الى انها غيّرت اولوياتها. لا يزال الهدف الوصول الى السلطة ولا شيء آخر هذه السلطة. قد تكون هذه مأساة الاخوان المسلمين العرب التي تعبر عنها «حماس» اكثر من غيرها. انهم مستعدون لتغيير مواقفهم مثلما يغيرون قمصانهم، حتى لا نقول شيئا آخر. كلّ ذلك من أجل السلطة!
خيرالله خيرالله
كاتب لبناني مقيم في لندن