الولايات المتحدة وكندا تعملان لبقاء الرئيس السوري

فورد يقود وساطة بين النظام والمعارضين والأسد يبحث عن ميشال عون... سوري

تصغير
تكبير
| واشنطن من حسين عبد الحسين |

في مصر وليبيا، طلبت الولايات المتحدة من حسني مبارك ومعمر القذافي الرحيل.

تحدث المسؤولون الاميركيون عن «المسؤولية الاخلاقية» وعن ضرورة «الجمع بين مصالح اميركا ومبادئها». قالوا ان عليهم الوقوف «على الجهة الصحيحة من التاريخ». اما في سورية، فلا اخلاق ولا مسؤوليات، بل تهويل من المجهول في غياب مزعوم لبديل عن الاسد وحديث عن دخول المنطقة في دوامة العنف في حال رحيله.

في سورية، لا يهم واشنطن على اي جهة من التاريخ تقف. قال الرئيس باراك اوباما في 19 مايو ان على الاسد قيادة الاصلاح او افساح المجال لهذا الاصلاح. حتى هذا المطلب الاميركي الغامض تحول الى شعار فارغ ساد من بعده الصمت لاكثر من شهر، اي حتى يوم الاثنين الماضي، عندما صدر بيان عن البيت الابيض عن فحوى مكالمة بين اوباما ورئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان، على اثر خطاب الاسد الثالث منذ اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس. «اتفق الزعيمان ان على الحكومة السورية ايقاف العنف فورا والمباشرة باصلاحات ذات معنى وتحترم تطلعات الشعب السوري نحو الديموقراطية»، حسب البيان الذي خلا من اي اشارة الى امكانية الطلب الى الاسد الرحيل، اي سجل تراجعا عن الموقف السابق لاوباما في خطابه حول «ربيع العرب».

في الاثناء نفسها، تلتزم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومعظم اركان وزارتها الصمت حول الموضوع السوري بعد ان «بهدلت» نفسها في تصاريحها المتأرجحة بين تعنيف الاسد والثناء عليه.

الا ان التخبط الاميركي يخفي دورا تلعبه واشنطن في الخفاء في محاولة للتوصل الى «تسوية» بين الاسد ومعارضيه تعتقد اميركا ان من شأنها ان تنهي التظاهرات المعارضة، وتاليا العنف الذي تمارسه قوات الامن في حق المدنيين. ثم «تبدأ عملية الاصلاح والمشاركة في السلطة والتوصل الى سلام بين سورية واسرائيل»، على حد قول احد المطلعين على الاجتماعات التي يجريها السفير الاميركي في دمشق روبرت فورد مع اركان النظام ومعارضيه.

بكلام آخر، يقود فورد ما يعتقد انها وساطة بين نظام الاسد وعدد من المعارضين، وهو اقنع ادارة اوباما بأن «التوصل الى تسوية ممكن»، وان «التسوية افضل من الذهاب الى المجهول والفوضى» في سورية، وان «الخيارات الاميركية محصورة بين المزيد من العنف او امكانية تفاديه والتحسين من تصرفات الاسد».

ولأن سياسة واشنطن منذ سنوات تقضي بالعمل على «تحسين تصرفات نظام الاسد»، ترى الادارة ان الفرصة اليوم سانحة لدفع الاسد نحو تغيير تصرفاته من دون المجازفة بالذهاب الى المجهول.

في الاثناء نفسها، وبمعرفة وتشجيع من الاميركيين، دخلت وزراة الخارجية الكندية على خط «الوساطة» بين الاسد ومعارضيه. وقامت وزارة الخارجية بصياغة نص، باللغتين الانكليزية والعربية، اطلقت عليه اسم «خارطة طريق للسلطة السورية من أجل الانتقال إلى دولة ديموقراطية مدنية بشكل سلمي وآمن»، وقالت انه صادر عن «لجنة العمل الوطني»، التي يفترض انها تضم مثقفين ورجال اعمال ومحللين سياسيين سوريين. ومما جاء فيها: «من وجهة نظرنا يمكن لهذه الخارطة المحددة بخطوط عامة أن تكون كفيلة باستثمار الفرصة التاريخية التي تمر بها البلاد والتي تبشر بدخولنا مرحلة الحداثة والحضارة من خلال مساهمة جميع السوريين في الحياة العامة بشكل حرّ وخلاق». واضافت: «إن هذه اللحظة التاريخية التي كانت تنتظرها بلادنا منذ عقود عدة خلت لا يجوز لنا تفويتها لأي سبب وبأي ذريعة كانت. وسيكون من الخطأ الجسيم اعتبارها مجرد صراع سياسي على السلطة، فهي ثورة بكل معنى الكلمة على الصعيد الثقافي والاجتماعي والأخلاقي والقيمي والسياسي».

وختمت: «تطرح هذه الورقة للتداول والمناقشة للعموم بجميع الوسائل المتاحة. وسيتم جمع الملاحظات وإعادة صياغة الورقة على أساس الملاحظات التي تخدم السبل السلمية والآمنة للانتقال إلى دولة ديمقراطية مدنية». وفي مضمون الوثيقة تشكيل لجان متنوعة ومتعددة المهام ينبثق عنها لجان غيرها ويتم انتخاب مجلس انتقالي.

كل ذلك يتم بعد ان «يصادق رئيس الجمهورية على القوانين التي يصدرها المجلس»، اي انه بموجب المبادرة الكندية، يبقى الاسد رئيسا للبلاد حتى بعد ابرام العملية الاصلاحية.

وحملت الوثيقة الكندية توقيع كل من لؤي حسين ومعن عبد السلام، وعلى الرغم من ان الاول تم اعتقاله لفترة قصيرة في دمشق على اثر اندلاع التظاهرات، الا ان اوساط المعارضة السورية في واشنطن قالت للـ «الراي» ان الرجلين، وغيرهما من المعارضين السابقين في دمشق وفي عواصم العالم الاخرى، انقلبوا بعد تهديدات او وعود من نظام الاسد، ومعظمهم يعمل على جهة تانظام الآن فيما يتظاهرون بالحديث باسم المتظاهرين وقبولهم «الحوار» الذي اعلنه الاسد.

يقول خبراء اميركيون مؤيدون للثورة السورية وتنحي الاسد ان الرئيس السوري يعمل على تكرار ما فعله للخروج من الازمة التي واجهها على اثر عملية اغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري وسحب دمشق جيشها من لبنان في العام 2005.

في طليعة التكتيكات التي يستخدمها الاسد هي التوجه الى المعارضة بالتهديد والوعيد في محاولة لشق صفوفها على طريقة «فرّق تسد».

ويقول الخبراء الاميركيون ان هذا الاسلوب نجح تماما في لبنان حيث نجح الاسد في اغراء الزعيم المسيحي المنفي حينذاك ميشال عون، «فقام المسؤولون اللبنانيون الموالون لسورية باسقاط التهم القضائية التي كانت صادرة بحقه، وعملوا على احتضانه حتى اكمل استدارته واصبح حليف سورية الاول في لبنان».

يضيف هؤلاء: «اليوم يبحث الاسد عن ميشال عون سوري، ولأنه لم يجد واحدا بهذه المواصفات حتى الآن، تعمل الولايات المتحدة وكندا على البحث عمن يمكن تسويقهم كمعارضين ذات ثقل ممكن ان ينخرطوا في حوار مع الاسد». ويختمون: «حتى لو لم يصل الحوار الى اي نتائج، الا انه سيؤدي الى انقسام في صفوف فالمطالبين بتنحي الاسد، وسيصار بعد ذلك الى مكافأة المعارضين ممن شاركوا بالحوار على طريقة الاسد بتعيينهم سفراء او وزراء في سوريا او في لبنان».

ولأن واشنطن وحليفتها الشمالية هما الدولتان الوحيدتان، الى جانب تركيا الى حد ما، ممن يسعون على الارض الى ايجاد الحلول لخروج الاسد من ازمته وبقائه ونظامه في الحكم، فإن وزير الخارجية السوري وليد المعلم تحدث في مؤتمره الصحافي، اول من امس، عن «محي اوروبا عن الخارطة» ولكنه تفادى عن توجيه اي انتقادات الى واشنطن، «حليفة الاسد الرئيسية ضد الثورة السورية المندلعة»، حسب تعبير ديبلوماسيين غربيين في العاصمة الاميركية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي