سألني صديق عزيز عن سبب دعمي القوي لكادر المعلمين بالرغم من تحذيري الدائم من المبالغة في إنفاق أموال الدولة على الكوادر وتبديد الميزانيات على زيادة الرواتب التي ستقضي على ما تبقى من فائض للدولة ثم ستنعكس سلبا على ميزان المدفوعات وتتحول إلى عجز متراكم خلال سنوات إما بسبب انخفاض أسعار النفط وإما بسبب الزيادة الكبيرة في اعداد الداخلين إلى سوق العمل.
وأجبت صديقي بأنني ولله الحمد لم اتزحزح عن هذا الاعتقاد ومازلت أؤمن بالترشيد في الانفاق واحذر من اننا مقبلون على كارثة حتمية إذا لم نضع الامور في نصابها ونسارع إلى ضبط الانفاق والبعد عن المزايدات التي أصبحت هي السمة الغالبة على مجلسنا وحكومتنا.
لكن لابد من الاعتراف بأن ذلك البذخ الذي يبذله مجلسنا على كوارد - لا ننكر اهميتها- مازال يقابله بخس لحقوق المعلمين بحجة انهم يشكلون شريحة واسعة ويستهلكون ميزانية كبيرة، كذلك فإن المعلم- كما ذكرت سابقا- هو اساس التنمية في البلد وهو السلم الذي يصعد عليه الطالب ليتحول إلى اداة فاعلة للتنمية، وهو وسيلتنا لبناء الانسان الصالح الذي هو الاستثمار الحقيقي للبلد.
فاذا كانت الحكومة والمجلس يتسابقان على مكافأة العسكريين إيمانا بدورهم في حماية البلد والذود عن حرماته ويكافئون المهندسين والاطباء إيمانا بأهمية وظائفهم، ويكافئون القضاة إيمانا بالدور المهم الذي يلعبونه في تحقيق العدل والمساواة بين الناس، فكيف بمن قام بإعداد تلك الكفاءات ودرسها منذ نعومة أظفارها ووجهها الوجهة السليمة، ألا وهو المدرس، ألا يستحق ان تكون مكافأته أكبر؟!
وقد ضربت امثلة للدول المتقدمة وكيف تحرص على اعداد وتأهيل المدرسين وتعطيهم الاحترام الكبير، وتعترف بأن هذا هو سر تطورها ووصولها إلى اعلى المراتب العلمية، ومع هذا فقد ربطت مكافأة المعلم بشروط لابد من الاخذ بها وهي انتقاء الكفاءات وابعاد الفاشلين وتدريب المعلم التدريب المناسب، والتركيز على الاخلاق والقيم، فكيف نستطيع ذلك اذا جعلنا مهنة التعليم مهنة طاردة لا يأتيها الا الفاشلون ومن لم يجد قبولا في اي مكان آخر؟!
رد علي صديقي بأن اقتراح الحكومة يحقق المطلوب ويجعل الزيادات الكبيرة بحسب انتاج المعلم وجده واجتهاده دون رفع الرواتب على الجميع، والحقيقة هي انني لا اعارض الاخذ باقتراح الحكومة ان ثبت بأنه افضل للمدرس، ولكن الاشكالية تأتي بأن نظام المكافآت المجزية التي ذكرها اقتراح الحكومة- تصل إلى ثمانية آلاف دينار- للاعمال الممتازة، هذا النظام يصعب تطبيقه في الكويت بسبب تدخل الواسطات والمحسوبيات وسيطرة المزاجية على المسؤولين، ثم اننا لا نملك وسائل واضحة للتقويم التربوي نقيس بواسطتها اداء المعلم، ناهيك عن ان ذلك النظام قد يفتح بابا للتطاحن والصراع بين التربويين لا يمكن اغلاقه، لذا فان الزيادة المعقولة لجميع المعلمين مع التشديد على عدم إدخال من يثبت عدم كفاءته للتعليم في رأيي افضل بكثير من وضع اسس للتفاضل قد يتم نسفها.
يقول الحكماء:
إذا أخطأ الطبيب فقد يدفع مرضاه إلى المستشفى أو العاهات، واذا اخطأ القاضي فقد يدفع موكليه إلى السجن، وإذا أخطأ المهندس فقد يؤدي خطؤه إلى هدم بناية، ولكن إذا أخطأ المدرس فإن جيلا كاملا سيسقط إلى الهاوية!!
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com