| كتب علي العلاس |من على ضفاف النيل الساحرة ليلا التي يتوقف عندها عبث النهار وكأن عبق الندى يعانق قطراته بطلات الأزهار في وديانه المحاذية لمجرى مياه النيل... مرورا بشواطئ عروس** البحر المتوسط «الاسكندرية» التي اقترن اسمها باسم مؤسسها الاسكندر المقدوني الذي أراد أن تظل مدينته مصدر اشعاع علمي يملأ فضاء الدنيا نورا وعلما... إلى منتجع شرم الشيخ الذي يتفرد بجمال شواطئه الرملية ومياهه الفيروزية وشعابه المرجانية المزركشة بألوان الطبيعة وجباله الممتدة التي تغازل سمائه الزرقاء، كانت «الراي» حاضرة في هذه الشواهد الآسرة الجمال، في رحلة لبت بها دعوة وزارة السياحة المصرية لتنشيط حركة السياحة، وللتأكيد على أن مصر محروسة وآمنة وستظل هكذا إلى يوم قيام الساعة... وهنا تفاصيل الرحلة:من يجاور كورنيش النيل يوما سيجده يعج بالحركة والحيوية نهارا وبالهدوء والسكينة ليلا المغلفة بهمسات العشاق ومواويل الشعر الذي استلهم ناظموه مفرداته وبحوره من سحر جمال طبيعة النيل الذي قدسه من قبل الفراعنة واحتار الشعراء في وصفه ليبقى خير سفير لمصر التي قال عنها شاعر النيل حافظ إبراهيم في رائعته التي تغنت بها كوكب الشرق أم كلثوم:وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحديوبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحديكنا نشعر عندما كانت تطأ أقدامنا بعض الأماكن التي زرناها خلال رحلتنا التي بدأت من العاصمة مرورا بمدينة الاسكندرية وصولا إلى منتجع شرم الشيخ أن الشواهد القائمة هي المكلفة دون غيرها برواية سيرة حضارة مضى عليها أكثر من 7 آلاف سنة، حضارة تجسدت على أرضها حب اللقاء والانفتاح والتنوع الاجتماعي والديني والتسامح، وانصهرت أيضا على أرضها جميع الحضارات المتعاقبة وصولا إلى هذه المرحلة الجديدة من تاريخ مصر بعد الثورة البيضاء العظيمة التي أزاحت عن كاهل أهاليها ظلما دام 30 عاما، وكأنها فيضان جارف اقتلع القهر والظلم والألم الذي عانى منه شعب تلك الحضارة العريقة طوال هذه الفترة.البدايــة:بداية الرحلة بدأت عندما اقتربت طائرتنا التي وصلت قبل موعدها بربع ساعة، حيث تهللت أسارير وجوه أعضاء الوفد الإعلامي، خصوصا الذين سبق لهم زيارة أرض الكنانة لمعرفتهم بمواقع ومفاتن الجمال التي تحويها هذه الأرض وكأنهم يقولون «اللي يشرب من نيلها لازم يرجع ثاني وثالث».لم تمض دقائق من وصولنا إلى مطار القاهرة الجديد الذي روعي في تصميمه عناصر الدقة والفخامة والفن إلا ونجد في استقبالنا مرشد الرحلة سالم عبدالقوي الذي خصصته هيئة تنشيط السياحة المصرية لمرافقتنا طوال مدة اقامتنا.سالم وما أدراك ما سالم، ذلك الشاب المصري الذي تجسدت فيه خفة وطيبة الإنسان المصري حاول مجتهدا ان يخصص لنا برنامجا ترفيهيا عمليا يتناسب مع نوع المهمة التي حضرنا من أجلها، وبالفعل نجح في وضع جدول، ولكن لظروف ما كانت خارجة عن إرادتنا وإرادته تم تعديل الجدول.وبينما أنا جالس في شرفة غرفتي التي خصصت لي في الطابق العشرين في فندق هيلتون رمسيس المطل على نهر النيل من جهته اليمنى وميدان التحرير من جهته اليسرى، ذلك الفندق الذي لطالما حلمت أن أسكن في إحدى غرفه القريبة من ميدان التحرير ولو لليلة واحدة لكي أشاهد عن قرب أو أشارك أبناء جلدتي يوما من أيام الثورة التي عزف سيمفونيتها أبناء مصر الأوفياء، والتي كللت بتنحي الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وبينما أنا على هذا الحال وكأن شيئا همس في أذني يقول لي «إن الفرصة لم تفتك وبإمكانك مشاركة شباب الثورة يوما من أيامها الرامية إلى تطهير البلاد من فلول النظام السابق»، كان ذلك يوم الخميس الذي قضينا جل نهاره في جولة داخل ربوع القرية الفرعونية التي تجسد سبل حياة وعادات وتقاليد الإنسان المصري القديم، وبالفعل فرحت كثيرا وقررت مشاركة الشباب ثورتهم يوم الجمعة التي خصصت للمطالبة بوضع دستور جديد لجمهورية برلمانية تليق بالأمة المصرية، وتطهير الأجهزة الأمنية والقضاء والإعلام وجميع الوزارات والأجهزة الحكومية، وسرعة عقد محاكمة عادلة لرموز النظام السابق.كان يوما جميلا كم تمنيت أن يطول ويطول، ولكن بحلول الظلام الذي بدده وهج الثوار، وتحت إلحاح زميلينا عمر الرشيدي وأحمد الدكروري تركنا الميدان وتوجهنا لقضاء سهرة في حي الحسين، حيث الأجواء المفعمة بالروحانية والمليئة بالنشاط والحيوية، توقعنا كما كان يتوقع الكثير خلو المكان من السائحين الأجانب، إذ نُفاجأ بأعداد كبيرة من السائحين يتجولون في منطقة خان الخليلي الذي يعتبر متحفا شوارعيا عملاقا مفتوحا ليل نهار في القاهرة القديمة «الفاطمية» أمام السائحين ليشكل في مجمله مركزا للجذب السياحي لرؤية ما أبدعه الفنان المصري من مصنوعات تعبر عن الحرف التقليدية والتراثية والبيئية باعتبارها أحد أهم الموروثات الثقافية والحرفية المصرية.المتجول في هذا المكان سيلاحظ من الوهلة الأولى انه لايزال يحتفظ بأصالته مثل صناعات الحفر على الخشب وتطعيم الخشب بالصدف والنقش على النحاس والفضة والتماثيل والتمائم الفرعونية والرسم على ورق البردي والزجاج الملون والمشغولات اليدوية من الحلي والعقود وأشغال الأرابيسك اليدوي، ذلك الفن الذي التصق بالمسلسل الشهير «ارابيسك» تأليف أسامة أنور عكاشة وبطولته الفنانون صلاح السعدني وهدى سلطان ولوسي وهشام سليم، فالمكان ما زال يلقى رواجا من السائحين العرب والاجانب رغم الأحداث التي تمر بها مصر حاليا من متغيرات استثنائية بفعل الثورة، والسهر في حي الحسين له مذاق خاص، وما أمتع السهر في رحابه على المقاهي المنتشرة في شوارعه الجانبية والفرعية، خصوصا في مقهى الفيشاوي الشهير الذي تأسس قبل 240 سنة من قبل عائلة الفيشاوي الذين ورثوه ابا عن جد، هذا المقهى الذي حقق شهرته من خلال التقاء الأدباء والفنانين والشعراء فيه قبل صلاة الفجر مثل نجيب محفوظ وكامل الشناوي وفريد الأطرش ومحمود المليجي وكمال الشناوي وفايزة أحمد وغيرهم من مشاهير الفن والأدب... انقضت سهرتنا وتعاهدنا ان نزور هذا المكان مرة أخرى قبل ختام رحلتنا لنملأ نهمنا من هذه المقاصد التي أبهرت العالم بروعة فنونها.الملاحظ خلال جولتنا التي التقينا فيها الكثير من المصريين العاملين في مهن مختلفة يؤكدون ان الحياة بدأت تعود رويدا رويدا إلى سابق عهدها، فالشوارع كانت مليئة بالناس حتى وقت متقدم من الليل رغم وجود حظر للتجوال كان يبدأ في الثانية بعد منتصف الليل ويستمر حتى الخامسة فجرا، فالسهر على المقاهي كان يستمر حتى الثالثة وأحيانا الرابعة، وكلما تحدثنا عن صحة الكلام القائل بوجود انفلات أمني يضحكون ويقولون لنا « انتم ماذا رأيتم؟»، وكأنهم يريدون من وراء سؤالهم هذا ان نجيب نحن بأنفسنا حتى لا تكون شهادتهم مجروحة، ويوضحون «هناك بعض الحوادث القليلة التي تحدث هنا أو هناك،وهذا ليس أمرا جديدا، حتى قبل سقوط النظام الذي كان مشهورا بقوة أجهزته الأمنية كانت تحدث حالات مشابهة للحالات التي تحدث حاليا، أهل مصر وشعبها هم الحماة الحقيقون الساهرون على حفظ أمنها».وعلى الرغم من حالة الاجهاد والتعب والارهاق التي ظهرت علينا من السير المتواصل في حارات ودروب القاهرة الفاطمية، تلك المنطقة التي تشتم رائحتها المغلفة بعبق تاريخ فن وهندسة الحضارة الاسلامية التي تجسدها مساجد أحمد بن طولون والسلطان حسن وقلعة صلاح الدين الأيوبي وغيرها من المعالم الشهيرة، أصررنا على مواصلة السير مشيا على الأقدام حتى بلغنا كورنيش النيل القريب من كوبري قصر النيل المؤدي مباشرة إلى ميدان التحرير، عندها التقطنا انفاسنا بفضل نسمة هواء منعشة تغلغلت إلى صدورنا، ومشاهدة الأضواء الخافتة التي تعكسها صفحة النيل وكأنها لوحة فنية قام برسمها الفنان العالمي دفانشي.مشينا ومشينا... حتى وصلنا إلى مكان اقامتنا في فندق هيلتون رمسيس، وقبل ان نفترق في «لوبي» الفندق ويذهب كل منا إلى غرفته استعدادا للسفر إلى مدينة الاسكندرية تواعدنا ان من يستيقظ مبكرا يقوم بدور «المنبه» والعمل على إفاقة الآخرين، خصوصا وان لهجة رئيس الوفد يوسف العميري كانت تبدو تحذيرية من مغبة التأخير حتى لا يتم لخبطة برنامج الرحلة.إسكندرية ليه:في اليوم التالي توفقنا جميعا واستيقظنا مبكرين في انتظار «الباص» الذي سيقلنا، وماهي إلا دقائق وحضر مرشدنا سالم عبد القوي ليبلغنا ان «الباص» جاهز أمام مدخل الفندق، ركب الجميع ومعنا الفنانة منال سلامة التي لم تفارقنا من بداية الرحلة حتى نهايتها وبدأنا يومنا قاصدين وجهتنا «الاسكندرية»، تلك المدينة التي لعبت دورا طليعيا على مسرح التاريخ... وقد كان لشواطئها دور أساسي في تحديد مصيرها بكافة جوانبه. قبل أن نصل إلى مدينة الإسكندرية مررنا على الكثير من المزارع المنتشرة على جانبي طريق مصر - الاسكندرية الصحراوي، مزارع ممتدة على امتداد البصر، لونها الأخضر يريح عينيك، وسرعان «ما يتعكر» دمك عندما ترى رقعة غير مستصلحة مملوكة لشخصية من شخصيات النظام السابق كان ينتظر بيعها للناس البسطاء بمبالغ فلكية رغم ان معظم هؤلاء (أتباع النظام البائد) منحت لهم هذه الأراضي بأسعار بخسة.في الماضي كانت الاسكندرية منارة تضيء البحر الأبيض المتوسط والعالم، كمدينة تنضح بالسحر والغموض، وشكلت المنارة التي كانت تقع عند مدخلها إحدى عجائب الدنيا السبع في القدم، ويعرف متتبعو التاريخ ان مدينة الإسكندرية القديمة حجبت طوال أكثر من ألفي عام وراء ستار من الغموض والأساطير، ولم يتمكن العلماء على مر القرون من تحديد مواقع قصور ومعابد المدينة القديمة، ولكن وبفضل الحفريات الجارية إلى الشرق من ميناء الإسكندرية تمكنت للمرة الأولى احدى البعث الاستكشافية من الكشف عن تفاصيل المدينة وإلقاء نظرة على حياة جزء من أروع الشعوب في التاريخ، حيث ألقى مستكشفو القرن العشرين أضواءهم على بعض من أهم الاكتشافات الأثرية التي عرفها التاريخ، وهو مركز المدينة القديمة المغمورة وقصر كليوباترا، آخر ملكات الفراعنة، وما زالت المحلولات التي يقوم بها علماء الاثار والتاريخ جارية، يستعينون بمعدات الغوص والأقمار الصناعية وكتاب قديم لجمع أجزاء صورة المدينة الكبرى التي دفن فيها الاسكندر المقدوني، وعاش وأحب فيها يوليوس قيصر والتي واجه فيها كلا من مارك أنطوني وكليوباترا مصيرهما.بعد ساعتين ونصف الساعة وصلنا الاسكندرية ولم نشعر بمرور الوقت بفضل نكات وخفة ظل الزميل مفرح الشمري، وحديث الفنانة منال سلامة غير المنقطع عن مرحلتي ما قبل وبعد ثورة 25 يناير وعلاقة مصر بالكويت، وكيف تكاتف شعباهما معا في أحلك الظروف وأشد المحن ليشدا أزر بعضهما البعض، ووفق ما كان مخطط في برنامج الرحلة وصلنا إلى وجهتنا الأولى في تلك المدينة الساحرة بشواطئها ودرجة حرارتها المعتدلة.وصلنا إلى مكتبة الاسكندرية التي اقترن اسمها باسم سوزان مبارك، وعند اقترابنا منها أبهرنا تصميمها المعماري الخارجي الفريد الذي صورها على أنها قرص شمس يخرج من البحر ليملأ الدنيا نورا وعلما، وما يثير الدهشة ان المبنى في مجمله بناء معماري بسيط، فالبرغم من مساحة المكتبة الشاسعة، إلا ان الزائر لا يشعر بتلك المساحة عند الدخول من المدخل الرئيسي للمبنى، حيث يأتي الانتقال من الساحات الضيقة إلى المساحات الأكبر بشكل تدريجي، وتتسم المساحة الداخلية للمكتبة بالبساطة الشديدة التي توحي بالفخامة في آن واحد.بعد عبور الأبواب المغلقة عند مدخل المكتبة يشعر الزائر بالمساحة الشاسعة داخل المبنى، وبالاقتراب أكثر من القاعات الرئيسية تضفي الإضاءة الطبيعية غير المباشرة التي وزعت بعناية جوا خاصا على المكتبة من الداخل.على بعد خطوات من المدخل تظهر الشرفة التي سميت باسم الشاعر الهلنستني العظيم كاليماكوس الذي وضع أول بيان منظم عن مقتنيات المكتبة القديمة، حيث صنفه بالموضوع واسم المؤلف، لذا أطلق عليه أبو علوم المكتبات، وبالنظر من خلال زجاج الشرفة على قاعات القراءة الرئيسية تشعر بالانبهار من مساحات قاعات القراءة بأناقتها وروعتها، وبالرغم من المساحات الشاسعة لتلك القاعات إلا ان موهبة المعمارين ومهارة الإنشائيين اجتمعت لإضفاء الجاذبية والبساطة على المكان من خلال تقسيم قاعات القراءة إلى سبعة مستويات، في كل منها مساحة للاطلاع ومساحة لرفوف الكتب، بالإضافة إلى مكتب معلومات.الشيء الذي شد انتباهي في المكتبة هو الركن الخاص بالرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي أنشئ بعد تبرع زوجته جيهان السادات بأهم المتعلقات الشخصية له، عنده وقفت وتذكرت جملته التاريخية التي ألقاها في مجلس الشعب يوم 16 أكتوبر 1973 بعد العبور العظيم ضمن خطابه الشهير والتي تقول: «سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا في موقعه، وكيف حمل كل منا الأمانة، وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى نستطيع ان نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء».وعلى بعد خطوات قليلة يشاهد الزائر ركن الزعيم العربي جمال عبدالناصر الذي لطالما حلم بمشروع القومية العربية للوقوف من خلاله في وجه الطامعين والحاقدين على مقدرات وخيرات هذه الأمة، وقفت أتأمل في احدى صوره المعلقة على جدران المتحف لدرجة خيل لي انه يسألني كيف أصبح والى أين يتجه مسار الدول العربية، وهل هناك أمل في إحياء مشروع القومية مجددا؟وقبل ان تنتهي جولتنا داخل المكتبة اقترحت علينا رئيس قطاع العلاقات الخارجية في المكتبة هاجر الإسلامبولي مشاهدة عرض بانوراماي يصور مراحل حضارة مصر من عهد الفراعنة وحتى يومنا هذا، وبالفعل كان العرض الذي عرض على ثماني شاشات مسطحة شيقا ويستحق المشاهدة.انفضت جولتنا وبلغ الجوع منا مبالغه لدرجة كنا نقول لبعضنا البعض «اللي جعان يحلم بسوق السمك»، وأخيرا نطق بها مرشدنا سالم عبد القوي... سمك «يا جماعة احنا اليوم «عزمينكوا» على مطعم «مارك فش»، وبسرعة وبصوت واحد رددنا باللهجة الكويتية «يا معود لحق علينا بالسمج لا نصير احنا فش»، وماهي إلا دقائق ووصلنا إلى المطعم، حيث كان الاختيار موفقا لدرجة كبيرة، فرائحة السمك المقلي والربيان المشوي مع الجوع جعلتنا نعتقد اننا بإمكاننا أن نأكل حتى سمك البحر كله.انتهينا من غذائنا وكان مبرمجا حسب جدولنا أن نزور قلعة قايتباي وعمود السواري، ولكن لضيق الوقت وارتباطنا بموعد مع رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري سامي الشريف الذي استقال بعد لقائنا به بيوم واحد، اضطررنا للعودة إلى العاصمة للحاق بهذا الموعد إلا اننا خسرنا موعدنا مع الشريف بسبب طول المدة وزحمة الطريق وتم تأجيله لليوم التالي، وأيضا خسرنا تمتعنا ببقية معالم عروس البحر المتوسط.شرم الشيخ:كعادة رئيس الوفد يوسف العميري طلب من أعضاء الوفد قبل السفر إلى شرم الشيخ الذي كان مقررا أن يكون بالطائرة الالتزام والتقيد بمواعيد الجدول حتى لا يتخلف أي عضو من مشاهدة هذه المدينة التي تجمع بين الشواطئ الخلابة والرمال الذهبية وحضن الجبال الحمراء المثيرة، وتحيط بها صحراء السفاري الغامضة.بمجرد أن حلقت طائرتنا فوق مدينة السلام - كما يحلو للبعض تسميتها - حيث كانت الساعة وقتها تقترب من الحادية عشر مساءً لفت انتباهنا دقة تخطيط هذه المدينة وتناغم تصاميمها المعمارية، وطرقها الفسيحة التي تختلف عن أي مدينة أخرى في مصر، وعند وصولك لشرم الشيخ لا يمكن أن يصاحبك الفراغ سواء كنت مع أصدقائك أو أسرتك أو حتى بمفردك، لن تسمح لك هذه المدينة التي تقع على خليج العقبة على بعد 336 كيلومترا من السويس و100 كيلومتر من العاصمة طور سيناء و14 كيلومترا من رأس محمد في جنوب شبه جزيرة سيناء بالملل ولو للحظة، فبدءا من رياضات الماء مثل الغوص والشراع والتزحلق على الماء والسنور كلينج والصيد والرحلات البحرية إلى زيارة المحميات الطبيعية ورحلات السفاري والليالي البدوية إلى السهرات الليلية الصاخبة في قرية ألف ليلة أو في الفنادق المختلفة وفي كل ليلة يمكنك التنزه في خليج نعمة حول الفنادق والمقاهي والمشي على الشاطئ حيث الليل الساحر والحياة التى تضج بالحركة حتى الساعات الأولى من النهار.على الفور وبعد هبوط الطائرة تسلم منا مرشدنا سالم عبدالقوي جوازات سفرنا لينهي إجراءات الخروج، وكنا نلاحظ أن جميع العاملين في مطار شرم الشيخ الدولي كانت تعلو وجوههم ابتسامة بمجرد معرفتهم بطبيعة مهمتنا، وهي تنشيط حركة السياحة، بسرعة فاقت سرعة البرق تم إنهاء إجراءات خروجنا لنفاجأ أن المرشد الذي خُصص لمرافقتنا في مدينة شرم لشيخ اسمه سالم أيضا، ضحكنا كثيرا وقررنا أن نطلق عليه «سالم شرم»، غزارة معلومات وتمكُن سالم شرم من مهنته جعلتنا نستوقف عن الضحك وننتبه لحديث مرشدنا الجديد وبرنامجه الذي وضعه من أجلنا، وطبيعة شرم وأصول القبائل التي تسكنها والتي تعود أنساب معظمها إلى شبه الجزيرة العربية، حديثه كان حقا ممتعاً لم يخرجنا منه سوى إشارة اصبعه الذي أشار به صوب مستشفى شرم الشيخ الدولي الذي يرقد فيها الرئيس السابق، حيث الوجود الأمني المكثف حول محيطه.وتعد شرم الشيخ من أهم مراكز الغطس في العالم، وتتمركز تلك الأماكن في محمية رأس محمد، ومنطقة تيران الغنية بالشعب المرجانية والحيوانات البحرية مثل أسماك القرش والترسة البحرية، وتمتاز بموقع متميز ما يسهل الوصول لمنطقة تيران عند رأس خليج العقبة، وتعتبر محمية رأس محمد والتي تقع في جنوب سيناء وتبلغ مساحتها 480 كيلو مترا مربعا من أكثر الأماكن للسواح، بالإضافة إلى منطقة جوبال والتي تقع عند مدخل خليج السويس.السهر في شرم يختلف عن أي مكان في مصر بفضل المقاهي والملاهي التي يحتار السائح في الاختيار بينها من جمالها وفخامتها، فهي شاملة أيضا جميع الأنشطة من ركوب الخيل و لعب تنس وملاهي أطفال وتزلج على الماء وغطس وغوص، حيث أصبحت الأخيرة تمثل نشاطا سياحيا يلقى رواجا كبيرا وبأعداد غير عادية تعكسه زيادة عدد هذه المراكز التي وصلت 346 مركزا.ربما تعتبر شرم من أولى المناطق التي تأثرت سياحيا بفعل أحداث الثورة، وكثيرا من مستثمريها الذين التقيناهم يربطون بين خروج مبارك من شرم وعودة السياحة لها مجددا.