عائشة عبدالمجيد العوضي / في العمق / تأمّلٌ بالنفس البشرية!

تصغير
تكبير
إن من الأمور المُسلَّم بها أن النقص يكتنف كل الموجودات، فلا يوجد شخصٌ أوشيءٌ كامل، وعند التأمل بالنفس البشرية نجد أنها قد طالها من ذلك النقص نصيب، هي حقيقة... لكنها لا تبرر الاستسلام لما يعترينا من نقصٍ وخلل، بل هي تلزمنا بمعاهدتها وإصلاحها وتطويرها، وخلاف ذلك من إهمالٍ واستسلام يجعل الإنسان متهالكاً وإن بدا للناظرين عكس ذلك، بل ان مقاومته من الداخل لن تطول وستبدأ مثالبه بالطفو على سطح حياته ومجتمعه، بعد أن كان من المفترض أن يكون عضواً فعالاً في حياته الخاصة والمجتمعية أصبح غير فعّال ومن ثم مؤثر سلباً.

لا يخفى على أحد سواء كان ممن يتعاهد نفسه بإصلاحات مستمرة، أو ممن يغضض الطرف عن مثالب نفسه وعيوبها، لا يخفى عليهم أن مراعاة صلاح تلك العيوب والنقائص ستعود على النفس بالارتقاء والنماء والراحة والاستقرار، وأن الركون لتلك الطبيعة والتعويل على أن النقص سنّة الله في خلقه هو الداء العياء الذي يستفحل بمرور الوقت ولن يبرأ صاحبه إلا بطلبه الاستشفاء.

وقد تتفق معي قارئي العزيز أنه من الأجدى لكل صاحب طموح راغب في النماء والارتقاء أن يتعاهد نفسه باستمرار بخلوةٍ معها تقصيّاً لحاجاتها وتجميلاً لعيوبها فيزداد بصيرة بنواقصه وأوجه القصور في نفسه، فيستحدث موجات من التجديد الروحي والقلبي والنفسي والعقلي، وفقاً لمعايير قيمية توازنية شمولية بما يتوافق مع الدين والمجتمع والإنسانية، فتسمو نفسه وتزهو روحه ويستنير عقله.

وهنا تطوف في ذهني أصناف ممن قابلتهم في حياتي وتعجّبت منهم ومازلت أتعجّب من مثلهم، الذين يسلكون مسلك الطبع يغلب التطبّع! وهذا الاعتقاد بدوره يسهم بغزارة في إيقاف الحركة التطويرية الذاتية للشخص، فهؤلاء قد عملوا على سد الآفاق أمامهم فلا يرون في أنفسهم إلا أنهم خُلقوا هكذا، وطبيعتهم هكذا، وبيئتهم وتربيتهم وقدواتهم هكذا، بل إنهم يُدخلون تأثير الوراثة ويسنّدون عليه في جميع مناقصهم، وإن أردنا تشخيص حالتهم بدقة نستطيع أن نقول، هم في حالة استسلام تام لتلك الأغلال التي تكبّل حركة التغيير للأفضل!

أَعلم، ولتعلم قارئي أن ما أعرضه هنا ليس بالأمر اليسير فهو يحتاج صبراً لا يعرف النفاد، وعزماً لا تغلبه الشداد، وإخلاصاً واحتساباً للأجر، واتكالاً على الله في جُلِّ الأمر، وبعد ذلك هو يحتاج كركن ركين وكأساس متين إلى رغبة وعلمٍ ومهارة، كثلاثة أركان أساسية لإحداث التغيير، فلن تغني الرغبة بمفردها لإحداث التغيير دون علم بموضوع التغيير الذي بدوره يولّد تلك المهارة الداعمة لعملية التغيير، والتي تعززها الممارسة و المران الدائمين.

ويبقى أن أقول ان منظومة التغيير الذاتي، تتطلب شيئين حدوث أحدهما يتطلب حدوث الآخر بالضرورة، وهما التخلية والتحلية، فبذل جهدا جهيداً لتخلية النفس من خصلةٍ سلبية ثم ترك مكانها فارغاً قد يجعلها عرضةً لسرعة عودتها إلى ما كانت عليه، وهنا تبرز أهمية التحلية، فدائماً وأبداً أَتْبِع تخلّصك من خصلة لامرغوبة بإحلال خصلة مرغوبة محلها، وذلك يقلل من احتمالية عودتك لعادتك اللامرغوبة، مع التأكيد على أهمية تعاهدك لها في البداية ثم سيغلب التطبّع المرغوب ذلك الطبع اللامرغوب... وتصبح المقولة التطبّع يغلب الطبع بالعزيمة والإصرار.



عائشة عبدالمجيد العوضي

A.alawadi-85@hotmail.com

Twitter: 3ysha_85
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي