لن أتحدث اليوم عن سمو رئيس مجلس الوزراء، الذي أشهد بأنه كان سبباً من أسباب ارتفاع سقف الحرية في المجتمع الكويتي، من حيث يعلم أو لا يعلم، والأحرى من حيث لا يعلم. والذي سوف يكون، أي سموه، سبباً بإذن الله أيضاً في المطالبة بإصلاحات دستورية مستحقة.
بالأمس كنت من أشد المدافعين عن شعار «إلا الدستور» شكلاً ومضموناً، واليوم أُشهدكم بأني أصبحت من المناضلين ضد هذا الشعار، وبالنقيض تماماً عن أمسي، بِتُّ من أشرس المطالبين بتغييره وتصحيحه إلى شعار آخر أُطلق عليه «إصلاح الدستور». وإذا كنت قد عدلت عن وجهة نظري التي سبق لي أن اعتنقتها، فتلك سنة العقل البشري، لا يستقيم على خطة واحدة من النظر، ولا يستوعب الحقائق مطلقة، وقد يُدرك اليوم ما لم يستطع إدراكه بالأمس.
نعم أقولها بالفم المليان، شعاري «إصلاح الدستور» شعارٌ استعضت به اليوم عن شعار الأمس «إلا الدستور» الذي شاخ وأصبح من عداد الماضي، في الأقل بالنسبة لي ولمجموعة لا بأس بها من غيري، فهو لم يعد يُواكب متطلبات كويت اليوم ولا كويت الغد. فإذا كان كهول السياسة مازالوا متمسكين بشعارهم هذا، فإن الشباب الحاذق أدركوا أن هذا الشعار لم يعد بمستوى الطموح. بل والأنكى من ذلك أنه صار يخدم السلطة العامة فقط، ويُستخدم في كثير من الأحيان، ضد الحريات وضد سلطات البرلمان التشريعية والرقابية.
فقد استخدم حكومياً لرفع الحصانة الموضوعية عن نائب أبدى رأياً تحت قبة البرلمان، وهي سابقة خطيرة لم تحدث من قبل في البرلمانات المحترمة، واستخدم حكومياً لتأجيل جلسات مجلس الأمة، واستخدم حكومياً لتأجيل الاستجوابات لمدة تزيد على الحد المعقول، واستخدم حكومياً لتسمية حكومة غير برلمانية، واستخدم حكومياً لمنع الاجتماعات والتجمعات والتظاهرات، واستخدم حكومياً لإبقاء نائب أُدين في جريمة مخلة بالشرف والأمانة البرلمان، واستخدم حكومياً في رد التشريعات، واستخدم... واستخدم!
مخطئ من يظن أن الدستور الذي في جيب رئيس مجلس الوزراء مختلف عن الدستور الذي نعرفه، فهو الدستور ذاته تماماً، ولكن سموه يستخدمه استخداماً حكومياً، ويستغل ثغراته وغموضه وإبهامه. ويركن إلى التفسير الذي يُناسبه حتى وان كان مرجوحاً، ويترك ما هو راجح. ونحن من منحناه هذه الفرصة بتمسكنا بشعار «إلا الدستور».
د. مرضي العياش
alayash@hotmail.fr