ما من وزير شيخ أثار جدلا في حركته السياسية والشعبية داخل الحكومة وخارجها أكثر من الشيخ أحمد الفهد...
وما من وزير شيخ فاجأ الإعلام وغيّر التوقعات وخلط الأوراق ولخبط الحسابات أكثر من الشيخ أحمد الفهد...
وما من وزير شيخ ملك القدرة على كسب الخصوم قبل الأصدقاء وعلى التسامح والتصالح حتى مع أكثر مخالفيه في الرأي والموقف أكثر من الشيخ أحمد الفهد...
وما من وزير شيخ استطاع في يوم واحد أن يشارك في اجتماع حكومي ثم يجري سلسلة لقاءات مع مسؤولين عرب وأجانب ثم يعقد اجتماعات متواصلة مع أركان وزارته ثم يتناول الغداء عند أعيان قبيلة في المنطقة الرابعة ثم يعزي في المقبرة ثم يزور عشر ديوانيات في المناطق الداخلية ثم يتناول العشاء عند مجموعة نواب في المنطقة الخامسة ثم «يتقهوى» في أحد المخيمات مع مئات من المواطنين ويعود إلى منزله قبل صلاة الفجر... إلا الشيخ أحمد الفهد.
لطيف المعشر، عاشق للحديث، حافظ للود، يحفر الجبل بإبرة ولا يمل وصولا إلى أهدافه... ورث عن والده صفتي التواضع والإقدام، وتعلم منه أن الحضور يفرض فرضا من خلال الحركة الدائمة والمواقف الاستثنائية التي تحمل عناصر المفاجأة والصدمة والدهشة. ألم يملأ الدنيا ويشغل الناس حين أعلن قبل أكثر من 15 عاما نيته خوض الانتخابات البرلمانية؟ ألم يحوّل الرياضة ملفا سياسيا ملتهبا فرض نفسه في الملعب السياسي؟ ألم يجعل الإعلام الكويتي إعلاما محاربا في فترة التحولات العسكرية في المنطقة؟ ألم يكن طاقة في «الطاقة»؟ ثم عندما وجّه تيار سياسي حملته ضده متهما إياه بأنه «الضلع الأقوى» في ما سُمي «مثلث الفساد» بعد حملة «نبيها خمس» ألم يُعد وصل ما انقطع ويعود «سوبر وزير»؟
السياسة عنده فن التواصل أكثر من كونها فن الممكن. يختلف عن أقرانه من الصف الثاني أو الثالث في الأسرة إنه أكثرهم وضوحا بالنسبة إلى مشروع الحكم ويملك شجاعة يفتقدونها في الاعلان عن رغبته ونيته وحركته بينما غيره يمارس ذلك في الغرف المغلقة.
ومع ذلك، ومع كل ما سبق، نقول للشيخ أحمد إن صديقك من صدقك لا من صدقك. اسمعها واضحة مباشرة تماما كما أنت واضح ومباشر، واسمعها مخلصة تماما... بعكس بعض المحيطين بك الذين أوصلوك إلى ما أنت عليه اليوم وهي كبوة تتبعها صحوات بإذن الله.
السرعة غير التسرع، والتأني دواء للاستعجال. حركتك السريعة الصادقة التي لا يشك أحد في مقاصدها نما على جانبيها شوك التسرع وهو شوك يجرح أصحابه كما يجرح آخرين، خصوصا ان المشاريع الكبيرة والمهمات الكبيرة تحتاج إلى فريق عمل يضم قامات كبيرة ومستشارين حكماء وتنفيذيين مجردين عن الهوى الشخصي وأصحاب رؤى بحجم التطلعات. فهل امتلكت هذا الفريق يا شيخ أحمد؟ أم أن كثيرين من أعضاء بطانتك كانوا عبئا على مشروعك وثقلا أنهك ظهرك؟
التسرع مصدر أساسي للمخالفات، وجلّ من لا يخطئ، لكن الاسلوب الذي نجح مرات كثيرة وفي مواقع معينة وأدى إلى اعلاء صوت الإنجاز على صوت الاخفاق لا يمكن أن ينجح كل الوقت خصوصا في الكويت حيث الحراك السياسي متنوع متغير لا يتوقف. لم تملك الوقت للتوقف عند ضرورة تغيير الاسلوب، ولا بأس من الاعتقاد بأنك لم تقتنع بان الوقت حان لتغيير الاسلوب؟ ولا مانع من الجزم بأن المحيطين بك كانوا يرون في بعض الاساليب الخاطئة مكسبا لهم ولك ويطالبون بالمزيد منها من خلال التمادي في سياسات يدرك الصغير قبل الكبير كم اساءت اليك وإلى مشروعك تحديدا قبل ان تسيء إلى غيرك.
وبين سلامة المقصد وصدق النية تتقدم الرؤية والممارسة، وهنا ايضاً اصدقك القول بأن الرؤية شابها غبار كثير والممارسة شابتها اخطاء ارتقت أحيانا إلى درجة الخطايا. الرؤية مبدأ لا يتزحزح. عنوان واضح. كتاب مفتوح. أدخلتها وادخلها فريقك في مساومات صغيرة وحصد ولاءات وتنفيعات. التزامك بالرؤية العامة لمشروعك الوطني مهما كانت الخسائر انما هو ربح خالص لك لان المبدئية دستور... وادخال هذه الرؤية في سوق المزايدات السياسية انما هو خسارة استراتيجية مهما كانت الارباح ظرفية.
أما بالنسبة إلى الممارسة، فهنا اسمح لي ايضاً بان أكون أكثر من صريح معك وهو كلام تناقشنا به مرارا وتكرارا ولكن الاثقال على كتفيك منعتك من السير في الاتجاه المعاكس. قلنا كثيرا ان ممارسات اقرب الناس اليك لا يمكن إلا ان تصيبك من سوادها ودخانها. ممارسات اقرب الناس اليك في الرياضة والسياسة والتجارة والأمن والعلاقة بين السلطتين أحرقت اجزاء كثيرة من مشروعك الذي تآكلت أوراقه يوما بعد يوم حتى لم تبق فيه إلا ورقة الاستقالة. لا أريد ان ادخل في التفاصيل سواء تعلق الامر بمخالفة رغبة صاحب السمو على الارض و«التلسيب» على الهواء وانتهاء باجتماعات الاسطبل وتوظيف الأمن في خدمة الولاءات وادخالك في صراع كيدي حاقد وغير مبرر مع شرائح كريمة في المجتمع الكويتي بينهم التجار والاقتصاديون... ناهيك عن اقطاب في الاسرة.
اصحاب المشاريع الكبيرة يدركون ان الولاء الذي يشترى يباع عند أول «زنقة» أو أعلى سعر، وان استعجال المراحل يحرقها، وان خلط الاولويات يضيعها، وان تسليم المفاتيح لمن يتباهى بالقفز فوق اسوار البيوت... يقفل الابواب السياسية ولا يفتحها.
وأصحاب المشاريع الكبيرة يؤمنون بأن وجهة نظرهم ليست بالضرورة حقيقة ثابتة، ويكفي ان اتمنى عليك سؤال نفسك: لماذا اصبح من كنت تعتبرهم اكثر الحلفاء قربا اليك ألدُّ اعدائك... كما تقول للمقربين منك؟ هل كل الناس على خطأ ووجهة نظرك وحدها الصحيحة؟
مرة أخرى، رب ضارة نافعة، فإن تأتي متأخرا خير ألف مرة من ألا تأتي أبدا. اجعل الأيام المقبلة وقفة مع النفس. وقفة متحررة من خطاب الماضي متجردة من ممارساته. وقفة منفتحة على كل المشهد السياسي بصورته الكاملة وبعينيك الاثنتين لا بعين واحدة ولا بعيون آخرين. وفي ختام المراجعة أعد صياغة ما تؤمن به في إطار منزهٍ عن ممارسات الماضي التي كانت حصة غيرك فيها أكثر بكثير من حصتك. أعد رسم خريطة طريق جديدة بالتعاون مع المخلصين المحبين وهم كثر بعكس ما تصور لك البطانة... أعد ذلك كله لأنك ستعود، بل ما غادرت حتى تعود، فمن كان ابن رجل قدم أغلى ما يملك لتبقى الكويت لن تكسره مرحلة ولن يتعبه انكفاء.
الضربة التي لا تكسر ظهرك تقويك، والمراجعة الصادقة كفيلة بتخفيف الحمل عن ظهرك وكفيلة أكثر... بحماية ظهرك.
جاسم بودي