إشراقات النقد / نقش معالم الهوية الكويتية المعاصرة في مجموعة باسمة العنزي «يغلق الباب على ضجر»
باسمة العنزي
| سعاد العنزي |
قضية الهوية الكويتية غدت من القضايا الشائكة التي لابد من تكثيف الجهود الإنسانية والمعرفية المختلفة عليها. ليس للانغلاق على ثوابتها التي تتزعزع بين حين وآخر مع رياح** التغيير العاتية والقادمة من الشمال بقوة، ولكن لابد من مواجهة القضية بجوانب متعددة. ومما لا شك فيه ان أول الجوانب سيكون هو الجزء الأصيل والثابت والموجود في ثقافتنا الإسلامية وعرفنا الاجتماعي، أما الجانب الآخر فهو مستجدات ومتطورات الحياة من حولنا التي لابد أن نعيها بعدة عيون مترقبة وحذرة وفي نفس الوقت متفاعلة مع الرياح القادمة. هذه القوادم التي ليس بالضرورة تكون سلبية، وليست في جلها إيجابية، إن تنقيحها يتطلب وعيا وإدراكا وافيا لماهيتها وسابرا لأغوارها وبناها العميقة، ومن ثم تبدأ عملية المعالجة المنطقية والعقلانية لها، فإصدار الحكم حولها إما بإبدال بعضا مما توارثناه إن كان سلبيا وإحلال لغة العقل والمنطق القويم، أو بالتمسك بالثوابت التي تكون أجدى طريقة لكبح جماح هذه الريح الهادمة لروح الهوية الكويتية الأصيلة. ولا يكون التمسك بالثوابت فقط لأنها ثوابت، ولكن ثمة ضرورة للحديث عن لغة علمية عقلانية سببية منطقية تقنع الآخر وترضي احتمالات الأسئلة لديه، لتكون قوة ثوابتنا محملة بعبق الماضي ومثبتة بوتد العقل والمنطق.
إن الهوية كضرورة ملحة في حياتنا المعاصرة تحتاج منا معالجتها وطرق أبواب ثيماتها في مختلف مجالات حياتنا، ولاسيما الإعلامية وما تلعبه المؤسسات الثقافية من دور فعال في ترسيخ فهم إيجابي للهوية الكويتية بطريقة إنسيابية تسود معالمها الفضاء الإبداعي المعروض إعلاميا، وبالتالي تنتقل إلى المتلقي الذي سيقوم هو بدوره بعملية القراءة والتلقي والتحليل لتلك الحمولات المصدرة إليه إعلاميا، فإما تحدث موافقة وانسجاما بينها وبين ماهو راسخ في مخزونه أو تضيء له بعض الجوانب التي انحرفت عن مكونات هويته فيتم تعويض ما نقص من مركب هويته، ولعله في أسوأ الحالات أن يكون هذا المتلقي ممن انحرفوا عن معالم هويتنا الكويتية العريقة بنية مبيتة في الضياع والتلاشي مع الاخر الذين هم كثر ويحيطون بنا من عدة منافذ.
والأدب في مجمله لم يكن في يوما ما ممن يغض الطرف عن قضايا أمته وهمومها بل إن اللغة الأدبية وما تحمله من كوامن وطاقات تنتظم لاإراديا في بناء نص يميط اللثام عن مواطن الخلل والدمار في عالما في سياق فكري ومعرفي يحيكها مبدع ملتزم بقضايا وهموم أمته، إلا أن يكون هذا المبدع يقع في انعزال عن طبيعته الإنسانية التي يفترض أن يكون عليها. ونحن اليوم، وتحت ظلال ذلك الراهن السياسي المريب جدا، يثلج صدورنا كأبناء لهذا الوطن أن نرى من مبدعيه من يمخر عباب الإبداع بسفينة شراعها الهيام في الوطن ومجاديفها هوية كويتية وثيقة الالتصاق بالجذور تعبر الآفاق باللغة الإبداعية الرشيقة والإنسيابية لتعبر عن هموم أبناء الكويت المعاصرة التي قلما يتم الالتفات إليها بهذه الحفاوة اللغوية والذكاء السردي القصصي مثلما قدمتها لنا مجموعة «يغلق الباب على ضجر» للقاصة باسمة العنزي، التي سبق لها الإطلالة علينا كقراء من خلال مجموعتها السابقة «حياة صغيرة خالية من الأحداث» التي وإن شهدت إبداعا متكاملا من ناحية عناصر القص و اللغة القصصية التي جاوزت طريق المألوف إلى طرق ابواب ابتكار اللغة الخاصة بها بكل تلك الممكنات التي تتيحها اللغة لاستحداث لغة مغايرة موانئ المألوف والإبحار بشاعرية النص، إلا إنها كانت في خضم الانهماك في الانشغال بالقص الحادي كانت تعاني، أي المجموعة، من طرح لعنصر الهوية الكويتية بتلك الصورة القوية، التي ننزع إلى رؤيتها ونحن نتجول في عوالم تلك القصص، التي استلبتنا آلية قصها، ولكننا افتقدنا صورة أرضنا وانتمائنا وحيواناتنا المتعددة على هذه الأرض، فكتبنا حول المجموعة ماتمنيناه من باسمة في نصوصها تحت عنوان فرعي هو:
«غياب طابع المحلية بعنصر المكان
لا يستطيع قارئ المجموعة أن يقول إن عنصر المكان قد غاب عنها، بما هو فضاء تدور به الأحداث، فكل قصة من قصص المجموعة، بها مواصفات وتجسيد للمكان، ولكن أي الأماكن، وفي أي البلاد يقع؟ ما الهوية التي يعرض لها المكان؟ هل الأحداث تدور في بلاد عربية أم غربية؟ مشارقية أم مغاربية؟ كل الذي يستطيع الاطلاع عليه القارئ إنها ملامح لمكان تكون فيه سيماء للعرب، بحيث تصف النساء الشرقيات، وبعض العوائد العربية من اشعال البخور، بالإضافة إلى وطأة العادات والتقاليد العربية.
فأين الهوية الكويتية، وملامح الكويت في مجموعة باسمة العنزي، هل غيبتها الكاتبة بوعي حداثي يعتمد على تغييب عنصر المكان الحسي المتحقق، من أجل كشف معاناة الإنسان أينما توجهت ركائبه، أم لأن المجموعة تدور حول شخصيات معدمة ومهمشة ليس لها دور في الحياة سوى العويل على انكسار الذات، فيكون غياب المكان متماشيا وسياق الأحداث؟!» (1)
وها نحن اليوم نكتب حول مجموعتها اللاحقة بدواع من النشوة واللذة في قراءة نص نتوق له منذ زمن نص يشبهنا ويشبه عوالمنا، يعانق آمالنا وطموحاتنا،، وينتفض لألمنا ووجعنا، يعالج قضايا الكويت المعاصرة، ويتزامن مع مستجدات وظواهر مجتمعنا، فيخترق رؤوس الأورام ويلتمس المشارط التي قد تزيلها. وهذا لا يعني بالضرورة إن نصنا السابق حول المجموعة السابقة هو من أضاء الطريق أمام المبدعة ولكن لباسمة حس إبداعي دوما ما يضيء وعيها ليجعلها تلتقط بكاميرتها اللغوية ما يمثل موضعا من مواضع الخراب التي تستدعي المعالجة.
* كاتبة وناقدة كويتية
- باسمة العنزي، «يغلق الباب على ضجر». دار الفراشة للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى 2010.
(1) جريدة «الراي»، العدد 10851 - 17/03/2009
قضية الهوية الكويتية غدت من القضايا الشائكة التي لابد من تكثيف الجهود الإنسانية والمعرفية المختلفة عليها. ليس للانغلاق على ثوابتها التي تتزعزع بين حين وآخر مع رياح** التغيير العاتية والقادمة من الشمال بقوة، ولكن لابد من مواجهة القضية بجوانب متعددة. ومما لا شك فيه ان أول الجوانب سيكون هو الجزء الأصيل والثابت والموجود في ثقافتنا الإسلامية وعرفنا الاجتماعي، أما الجانب الآخر فهو مستجدات ومتطورات الحياة من حولنا التي لابد أن نعيها بعدة عيون مترقبة وحذرة وفي نفس الوقت متفاعلة مع الرياح القادمة. هذه القوادم التي ليس بالضرورة تكون سلبية، وليست في جلها إيجابية، إن تنقيحها يتطلب وعيا وإدراكا وافيا لماهيتها وسابرا لأغوارها وبناها العميقة، ومن ثم تبدأ عملية المعالجة المنطقية والعقلانية لها، فإصدار الحكم حولها إما بإبدال بعضا مما توارثناه إن كان سلبيا وإحلال لغة العقل والمنطق القويم، أو بالتمسك بالثوابت التي تكون أجدى طريقة لكبح جماح هذه الريح الهادمة لروح الهوية الكويتية الأصيلة. ولا يكون التمسك بالثوابت فقط لأنها ثوابت، ولكن ثمة ضرورة للحديث عن لغة علمية عقلانية سببية منطقية تقنع الآخر وترضي احتمالات الأسئلة لديه، لتكون قوة ثوابتنا محملة بعبق الماضي ومثبتة بوتد العقل والمنطق.
إن الهوية كضرورة ملحة في حياتنا المعاصرة تحتاج منا معالجتها وطرق أبواب ثيماتها في مختلف مجالات حياتنا، ولاسيما الإعلامية وما تلعبه المؤسسات الثقافية من دور فعال في ترسيخ فهم إيجابي للهوية الكويتية بطريقة إنسيابية تسود معالمها الفضاء الإبداعي المعروض إعلاميا، وبالتالي تنتقل إلى المتلقي الذي سيقوم هو بدوره بعملية القراءة والتلقي والتحليل لتلك الحمولات المصدرة إليه إعلاميا، فإما تحدث موافقة وانسجاما بينها وبين ماهو راسخ في مخزونه أو تضيء له بعض الجوانب التي انحرفت عن مكونات هويته فيتم تعويض ما نقص من مركب هويته، ولعله في أسوأ الحالات أن يكون هذا المتلقي ممن انحرفوا عن معالم هويتنا الكويتية العريقة بنية مبيتة في الضياع والتلاشي مع الاخر الذين هم كثر ويحيطون بنا من عدة منافذ.
والأدب في مجمله لم يكن في يوما ما ممن يغض الطرف عن قضايا أمته وهمومها بل إن اللغة الأدبية وما تحمله من كوامن وطاقات تنتظم لاإراديا في بناء نص يميط اللثام عن مواطن الخلل والدمار في عالما في سياق فكري ومعرفي يحيكها مبدع ملتزم بقضايا وهموم أمته، إلا أن يكون هذا المبدع يقع في انعزال عن طبيعته الإنسانية التي يفترض أن يكون عليها. ونحن اليوم، وتحت ظلال ذلك الراهن السياسي المريب جدا، يثلج صدورنا كأبناء لهذا الوطن أن نرى من مبدعيه من يمخر عباب الإبداع بسفينة شراعها الهيام في الوطن ومجاديفها هوية كويتية وثيقة الالتصاق بالجذور تعبر الآفاق باللغة الإبداعية الرشيقة والإنسيابية لتعبر عن هموم أبناء الكويت المعاصرة التي قلما يتم الالتفات إليها بهذه الحفاوة اللغوية والذكاء السردي القصصي مثلما قدمتها لنا مجموعة «يغلق الباب على ضجر» للقاصة باسمة العنزي، التي سبق لها الإطلالة علينا كقراء من خلال مجموعتها السابقة «حياة صغيرة خالية من الأحداث» التي وإن شهدت إبداعا متكاملا من ناحية عناصر القص و اللغة القصصية التي جاوزت طريق المألوف إلى طرق ابواب ابتكار اللغة الخاصة بها بكل تلك الممكنات التي تتيحها اللغة لاستحداث لغة مغايرة موانئ المألوف والإبحار بشاعرية النص، إلا إنها كانت في خضم الانهماك في الانشغال بالقص الحادي كانت تعاني، أي المجموعة، من طرح لعنصر الهوية الكويتية بتلك الصورة القوية، التي ننزع إلى رؤيتها ونحن نتجول في عوالم تلك القصص، التي استلبتنا آلية قصها، ولكننا افتقدنا صورة أرضنا وانتمائنا وحيواناتنا المتعددة على هذه الأرض، فكتبنا حول المجموعة ماتمنيناه من باسمة في نصوصها تحت عنوان فرعي هو:
«غياب طابع المحلية بعنصر المكان
لا يستطيع قارئ المجموعة أن يقول إن عنصر المكان قد غاب عنها، بما هو فضاء تدور به الأحداث، فكل قصة من قصص المجموعة، بها مواصفات وتجسيد للمكان، ولكن أي الأماكن، وفي أي البلاد يقع؟ ما الهوية التي يعرض لها المكان؟ هل الأحداث تدور في بلاد عربية أم غربية؟ مشارقية أم مغاربية؟ كل الذي يستطيع الاطلاع عليه القارئ إنها ملامح لمكان تكون فيه سيماء للعرب، بحيث تصف النساء الشرقيات، وبعض العوائد العربية من اشعال البخور، بالإضافة إلى وطأة العادات والتقاليد العربية.
فأين الهوية الكويتية، وملامح الكويت في مجموعة باسمة العنزي، هل غيبتها الكاتبة بوعي حداثي يعتمد على تغييب عنصر المكان الحسي المتحقق، من أجل كشف معاناة الإنسان أينما توجهت ركائبه، أم لأن المجموعة تدور حول شخصيات معدمة ومهمشة ليس لها دور في الحياة سوى العويل على انكسار الذات، فيكون غياب المكان متماشيا وسياق الأحداث؟!» (1)
وها نحن اليوم نكتب حول مجموعتها اللاحقة بدواع من النشوة واللذة في قراءة نص نتوق له منذ زمن نص يشبهنا ويشبه عوالمنا، يعانق آمالنا وطموحاتنا،، وينتفض لألمنا ووجعنا، يعالج قضايا الكويت المعاصرة، ويتزامن مع مستجدات وظواهر مجتمعنا، فيخترق رؤوس الأورام ويلتمس المشارط التي قد تزيلها. وهذا لا يعني بالضرورة إن نصنا السابق حول المجموعة السابقة هو من أضاء الطريق أمام المبدعة ولكن لباسمة حس إبداعي دوما ما يضيء وعيها ليجعلها تلتقط بكاميرتها اللغوية ما يمثل موضعا من مواضع الخراب التي تستدعي المعالجة.
* كاتبة وناقدة كويتية
- باسمة العنزي، «يغلق الباب على ضجر». دار الفراشة للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى 2010.
(1) جريدة «الراي»، العدد 10851 - 17/03/2009