| بيروت - من محمد بركات |تتشابه آراء الاعلاميين اللبنانيين في مقاربة «الربيع العربي». ثمة فرح كبير بـ «صحوة متأخرة» لكنه الفرح الممزوج بالخشية من السقوط في منتصف الطريق، اعلاميون على تماس مباشر ويومي مع معارضي الأنظمة والموالين لها، هنا وهناك. بعضهم يخشى «خريفاً» مبكراً بعد «الربيع» مباشرة، وبعضهم يرى أنّ الديموقراطية قدر لا مناص منه رغم كثرة المعوقات. أما الاعلام العربي فافتقر في رأيهم الى الموضوعية في تعاطيه مع الثورات بحيث كان لكل محطة «أجندتها» المرتبطة بالسلطات بخلاف السلوك الذي طبع الاعلام الغربي.«الراي» سألت أربعة اعلاميين لبنانيين هم جيزيل خوري، مارسيل غانم، نديم قطيش وبولا يعقوبيان عن «ربيع العرب» وكيفية تعاطي وسائل الاعلام العربية معه، وفي ما يأتي أجوبتهم: «خفوت» بيروتجيزيل خوري قالت «ويا للأسف (الكاتب والصحافي) سمير قصير ليس هنا ليرى الربيع العربي. كان هذا الأمر محلّ نقاش دائم بينه وبين أصدقائه، خصوصاً عمر أميرالاي، وقد صدّقته وانتظرت الربيع العربي طويلاً ويئست، لكن الربيع جاء وفاجأنا. في رأيي أنّه كان يجب أن يحصل شيء في العالم العربي، لكن ما جرى يحتاج الى انتباه في الوقت الحالي، والا سننتقل من ديكتاتور الى آخر. أما اعلامياً، فهناك تمييز بين الاعلام العربي واللبناني. في الاعلام العربي، وتحديداً في القناتين الرئيسيتين («العربية» و«الجزيرة»)، كانت هناك تغطية في شكل وافر للثورات، ما عدا ما حصل في البحرين. هناك من لديه أجندة وهناك من لا أجندة لديه وغطى بموضوعية، لكن القناتين وقفتا الى جانب الشعوب العربية. وشخصيا لديّ انحياز الى «العربية» التي اعتقد أنّها غطت مصر وتونس وسورية بحذر وموضوعية، لكنها كانت الى جانب الشعوب.أما الاعلام اللبناني فأقول انّه منذ وقت طويل أضاع مكانته في المشهد العربي. على صعيد التلفزيونات كان لدينا حظّ أن نكون الأوائل وأن تكون بيروت مركز الثورة الفضائية، لكننا فقدنا هذا المركز بسبب اهمالنا وعدم ايماننا واتجاهنا الى التجارة، وفي الوقت نفسه لم يكن هناك حريّة بل تخوّف من الضغوط.في ما يتعلق بسورية مثلاً أقول انها ثورة ويجب أن ننتبه لئلا نضر بها من لبنان. لدينا خجل بالطبع من عدم مناصرتهم، لكن هذا الخجل لا يفيد في وجود التركيبة اللبنانية الطائفية. علينا ألا نؤذيهم، ولكن ألا ندعم النظام في المقابل. علينا أن نهتم بسورية لأنها جارتنا ولكن لا أعتقد أن التحرك هنا يفيد لأن بيروت فقدت مكانتها كمنارة الشرق، كونها بلا حرية. حين يهرب الناس من سورية الى لبنان ونعيدهم الى سورية، فهذا يعني أن لبنان ليس حاضراً وأن الاعلام العربي متقدم عليه في حقوق الانسان والاعلام. اعلامنا بات طائفياً، وبالتأكيد ما عادت بيروت واحة حرية. أين الحرية حين يعتقل لاجئ ويسلم الى سورية؟ نحن غير مؤهلين لمواكبة الثورات العربية». ربيع متوقع... خريف غير مستبعدمارسيل غانم قال «لن أخوض في مسألة وسائل الاعلام لأن لكل وسيلة ظروفها ولكل اعلامي ظروفه، من هنا لا يمكن أن أحكم على أداء الاعلامي أو المؤسسة وأفضل عدم التعليق لأنني لا أعرف الظروف التي حكمت المؤسسات الاعلامية. الربيع العربي كان متوقعاً نظراً الى ما عاشته الشعوب العربية من اهمال وفساد وغياب فرص العمل وحرية التعبير، ووجود شبكات التوصل الاجتماعي كان عاملاً جديداً سمح بالتعبير وبلورة الأفكار ونقل الآراء من مكان الى آخر، ولا أستبعد أنّه كانت هناك خطة في الغرب لنقل هذه الأفكار وقد صب ذلك في مصلحة الشعوب العربية.أخشى أن تكون هذه الثورات بدأت تدخل في الخريف بسبب العامل الطائفي والقبلي والعشائري والسلطوي، وأخاف أن تتخذ منحى آخر، ومسؤولية الشباب أن يكملوا وان يصوب الثوار جنوح بعض من هم في السلطة».إعلام انتقائي مخيفنديم قطيش قال «بصرف النظر عما قد ينتج من الربيع العربي فمجرّد حصول هذه التظاهرات تحت عنوان الكرامة الانسانية والحرية والديموقراطية يعني أن هذه البقعة من العالم دخلت مرحلة تاريخية تأخرت في دخولها منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. وبالتالي فالحراك الحاصل يكسر جموداً عمره ما يقارب نصف قرن ويحمل أفكار جيل جديد. أتحدث كابن ربيع بيروت المؤسّس لربيع العرب، لا يمكن الا أن أكون منحازاً الى هذه الثورات ومتوجساً بعض الشيء مما ستنتجه. في أي حال، لم يثبت التاريخ أنّ ثورات شعبية ضد الديكتاتوريات أنتجت ديكتاتوريات جديدة. ربما تنتج بعض الفوضى المرحلية، لكنّها ربما أيضاً فوضى ضرورية قبل الوصول الى استقرار ديموقراطي. أما بالنسبة الى الاعلام العربي فهو أحد القطاعات التي طرحت على نفسها أسئلة كبيرة في ظل هذه الثورات مثل: كيف نغطي الحدث ونحن مع من وضد من؟ هذه الأسئلة بدهية لكن ما ليس بدهياً هو بعض الاجابات التي أطلت علينا. الاعلام اللبناني مثلاً وبدلاً من أن يكون حاضنة جدية لاستضافة النقاش الذي تطرحه الثورات العربية، تعاطى بخوف شديد وانتقائية شديدة وتحزّب تافه اختلطت فيه النيات السيئة برداءة التحليل. سأعطي مثالاً محدداً أكثر: قناة «المنار» التابعة لـ «حزب الله» رأت في انتفاضة مصر خلال ايامها وأسابيعها الأولى امتداداً لخطّ الامام الخميني ونهاية لموقع مصر في السلام العربي - الاسرائيلي، مقابل تعاط بالغ الحذر من جانب تلفزيون «المستقبل» الذي يتبنى خطاً سياسياً متحالفاً مع الرئيس السابق حسني مبارك. كذلك، هناك من رأى في احداث البحرين ابادة جماعية بصرف النظر عن تأثيراتها على الأمن القومي البحريني، ومن رأى فيها امراً عابراً لا يستأهل حتى التغطية. وفي سورية هناك من يقارب الموضوع انطلاقاً من كونه شريكاً للنظام، لا يستهويه الدفاع عن مستضعفي سورية، وهناك من يتذاكى بالقول انّ ما يحصل في هذا البلد لا يعنيه. هذا الاعلام الحزبي لا يشبه بيروت التي مهّدت لربيع العرب في 14 مارس 2005 وبدا شديد الانتباه لمصالحه المباشرة من دون أن يقيم أيّ وزن للقيم التي ينبغي أن يعبر عنها أو يدعي أنّه يعبر عنها. في هذه المعمعة الاعلامية، أشعر أحياناً بأنني أقرب الى قاتل مأجور مني الى صحافي. وربما لهذا السبب أعمل على استعادة توازني الفكري والثقافي عبر الكتابة».شباب لا أيديولوجياتبولا يعقوبيان قالت «الربيع العربي حلم تحقق. منذ وعيت على هذه الدنيا أسمع أن الشعوب العربية خانعة ولا تثور ولا تنتفض، ولكن تبين أنه حين يتوافر حد أدنى من التنظيم وانتشار المعلومات فان الشعوب تتحرك. والرسالة الاهم خصوصا في الثورة المصرية، أنّ ما حرّك الشعوب ليس أيديولوجية ما أو شخصاً ما أو قائداً ملهماً، بل شباب مثقف استخدم الشبكات الاجتماعية وصنع الانجاز. لذا اقرت الاحصاءات بأن الفكر المتطرف لم يهز أيّ عرش ولم يتسبب أيّ ثورة، فمن صنع التغيير هم شباب الانترنت، وأرجو أن نحافظ على هذه الثورات ونستحقّ الدماء التي هدرت، بحيث لا يسيطر أي فكر توتاليتاري لاحقاً وتبقى الشعوب في الطليعة. أما الاعلام العربي فأجد أنه لا يزال امتداداً للنظام العربي الرسمي، خصوصاً في قناتي «الجزيرة» و«العربية». صحيح أنهما تقومان بعمل ممتاز على الأرض ولكن في مكان ما هناك استثناءات وسياسة وأجندة. هاتان القناتان ليستا حرتين وتتفوق عليهما القنوات الغربية حيث سلوك الصحافيين في انحيازهم الى قضية ما تحكمه اقتناعاتهم. «الجزيرة» مثلاً تتبنى أجندة أمير قطر ولا تحيد عن أولوياته. أما الاستقالات هنا وهناك فسببها الاختلاف مع السياسة التحريرية للادارة، وأتمنى أن يكون صدر المحطات رحباً وأن تحترم الرأي الحر».