خليل: رجال الدين موظفون لدى السلطات ودورهم في الانتفاضات العربية هامشي
خليل احمد خليل
قدم الدكتور خليل احمد خليل قراءة سوسيولوجية للجامع والجمعة ورأى أن الاعتراض السياسي في تاريخ العرب وجد لنفسه حيزاً داخل الجامع، الذي أصبح في «الفورات العربية» قاعدة** لإسقاط الأنظمة، كما هي الحال في مصر وسورية. ولفت إلى أن السلطات الحاكمة كانت تراقب غالباً المساجد والجوامع، مشيراً إلى أن دور رجال الدين في «ربيع العرب» ما زال ضئيلاً.
• ما الدلالة التاريخية للجامع والجمعة، وكيف تفسر هذه الدلالة في الثورات العربية الراهنة؟
- لا بد من إرجاع هذه الفورات العربية المعاصرة إلى تاريخيتها الآتية من مراحل عدة في تاريخ العرب والمسلمين. يوم الجمعة عند العرب قبل الإسلام كان يُعرف باسم العَروبة، أي يوم العرب، وفي ذلك اليوم كان يحج الأعراب من البوادي إلى بكة، الاسم الأول لمكة، وكانت تلك الحركة التصوفية تقصد بأنها محجة، وهنا نجد معنى للتجارة عند العرب القدامى في قول عمر بن الخطاب «وهل كنا نذهب إلى الحج إلاّ للتجارة»، قاصداً بذلك أن الحج هو السوق، من سوق عكاظ وغيره، بل هو مهرجان ثقافي وتجاري، سيتحول مع الزمن وخصوصاً مع الإسلام من عادة اجتماعية إلى عبادة. في عهد الإسلام المكي، تحول يوم العرب أو العروبة، بحسب ما جاء في أسماء الأيام العربية في موسوعة جواد علي «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام» وفي كتابي الذي نشرته العام 1982 «مستقبل الفلسفة العربية - مفهوم الزمن»، تحول هذا اليوم يوم الجمع أي الجمعة، ونجد في القرآن الكريم تسميات كثيرة لهذا اليوم. المفيد أن هذا الإرث الاجتماعي تحول موروثاً دينياً وخصوصاً مع تبلور ظاهرة الصلاة المفردة والجامعة التي تقع حصراً في يوم الجمع أو الجمعة وتقع عادة في المسجد، مع العلم بأن كلمة جامع لم ترد في القرآن الكريم، فالجامع إذاً هو اسم المسجد في يوم الجمع، ولاحقاً صار يُقال مسجد أي مكان للسجود. يُقال جامع على المسجد الكبير الذي يقيم فيه المصلون صلاة الجمعة الجامعة، والتي صار يتخللها خطب فقهية ثم سياسية، كالدعاء للحاكم أو للخليفة، ثم تطورت لاحقاً عندما أخذ بعض علماء الإسلام ينتحون بعض مريديهم أو تلاميذهم، على غرار ما كان يفعل التلموديون في بَّيعهم. أما اليوم فنجد أنفسنا أمام حراك اجتماعي وديني وسياسي انطلاقاً من هذا الموروث، بحيث تنطلق التظاهرات من الجامع أو الجامعة أو من الاثنين معاً، وذلك لأن لهذه الأماكن العبادية، الطقسية والتعليمية، حروماتها أو حماها، أي الحدود التي تندرج إسلامياً في نطاق حدود الله الذي ينبغي احترامه. هذا في المعتقد، أما في السياسة وعبر التاريخ التغالبي بين العرب، نلاحظ أن السلطات كانت وما برحت عند الضرورات السياسية، تستبيح المحظورات أي المكان المقدس. أهمية الجامع في الفورات العربية أنه أصبح قاعدة لإسقاط الأنظمة، وهذا ما لاحظناه في مصر وسورية ولم نلحظه بوضوح كافٍ في تونس وليبيا واليمن ولكنه تفرد بالتمظهر في تجربة البحرين.
• تاريخياً شكل الجامع حالاً اعتراضية على قاعدة ولادة الأفكار من جهة والثورة على الأنظمة من جهة أخرى. إلى أي مدى ساعد الجامع في قيادة ما تسميه الفورات العربية الراهنة، وكيف يمكن مقاربة هذه المسألة من الناحية التاريخية؟
- لا شك أن المعارضات للحاكمين الموصوفين عموماً بالظالمين، كانت تتعمد الخفاء والخروج ليلاً، وكانت السلطات تواجه تلك الظاهرة بما تسميه العسس، أي جواسيس الليل، وكان نشوء المدارس أو المذاهب الفقهية في بعض المساجد سبباً من أسباب رقابة السلطات على الجوامع والمساجد. في الليل كان العسس، أي ما يسمى الآن الخلايا السرية أو النائمة، التي كانت تعبر عن آرائها ومواقفها بالكتابة الجدارية. وما دامت الصحافة النهارية ممنوعة، فإن الصحافة الجدارية الليلية ستأخذ مكانها على جدران الشوارع وهذا ما يظهر عادة في أزمنة الاضطرابات في غير عاصمة عربية كبيروت والقاهرة ومدن سورية عدة. الثابت أن العامة تتأثر باعتداء السلطات على أماكنها المقدسة، ولكن يبدو أن في الحروب يغدو كل شيء مباحاً إذ إن السلاح يقارع السلاح.
• ماذا عن دور رجال الدين في قيادة الانتفاضات العربية؟
- حتى الآن تبين أن دور رجال الدين العرب المسلمين هامشي وضئيل، رغم تكاثر القنوات الفضائية والفتاوى، إذ إن هؤلاء في أغلبهم موظفون لدى السلطات القائمة ومنقطعون عن الظاهرة الشبابية، التي تعتبر اليوم المحرك الأساسي للفورات الجماهيرية غير المسلحة. وبحسب مواقع رجال الدين نلاحظ أن بعضهم كما في البحرين يعطي للحراك الاعتراضي لوناً دينياً أو مذهبياً، ما دام الحاكم من مقلب آخر.
في مصر بدا الأزهر بعيداً جداً من حركة الشارع المصري، ولا معنى في رأينا لقيام الشيخ يوسف القرضاوي بالصلاة والخطابة في جماهير ميدان التحرير. في ليبيا ظلت ظاهرة رجال الدين في منأى عن الصراع المسلح بين القذافيين وخصومهم، أما في تونس فقد حقق الشباب ما يصبون إليه من الحرية التي نعِم بها الإسلامي راشد الغنوشي الذي عاد من منفاه. ويبقى أن نشير إلى أن الحركات الدينية الإسلامية في هذه البلدان قد تستفيد من الفورات الشبابية الراهنة، إذا ما جرى انتقال السلطة من العسكر إلى المدنيين. ويبقى السؤال للمستقبل: هل ستشهد هذه البلدان تشكل طبقة مؤلفة من العسكريين والمدنيين أم أن الفورات هذه ستتحول تدريجاً ثورات سياسية بكل معنى الكلمة.
• ما الدلالة التاريخية للجامع والجمعة، وكيف تفسر هذه الدلالة في الثورات العربية الراهنة؟
- لا بد من إرجاع هذه الفورات العربية المعاصرة إلى تاريخيتها الآتية من مراحل عدة في تاريخ العرب والمسلمين. يوم الجمعة عند العرب قبل الإسلام كان يُعرف باسم العَروبة، أي يوم العرب، وفي ذلك اليوم كان يحج الأعراب من البوادي إلى بكة، الاسم الأول لمكة، وكانت تلك الحركة التصوفية تقصد بأنها محجة، وهنا نجد معنى للتجارة عند العرب القدامى في قول عمر بن الخطاب «وهل كنا نذهب إلى الحج إلاّ للتجارة»، قاصداً بذلك أن الحج هو السوق، من سوق عكاظ وغيره، بل هو مهرجان ثقافي وتجاري، سيتحول مع الزمن وخصوصاً مع الإسلام من عادة اجتماعية إلى عبادة. في عهد الإسلام المكي، تحول يوم العرب أو العروبة، بحسب ما جاء في أسماء الأيام العربية في موسوعة جواد علي «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام» وفي كتابي الذي نشرته العام 1982 «مستقبل الفلسفة العربية - مفهوم الزمن»، تحول هذا اليوم يوم الجمع أي الجمعة، ونجد في القرآن الكريم تسميات كثيرة لهذا اليوم. المفيد أن هذا الإرث الاجتماعي تحول موروثاً دينياً وخصوصاً مع تبلور ظاهرة الصلاة المفردة والجامعة التي تقع حصراً في يوم الجمع أو الجمعة وتقع عادة في المسجد، مع العلم بأن كلمة جامع لم ترد في القرآن الكريم، فالجامع إذاً هو اسم المسجد في يوم الجمع، ولاحقاً صار يُقال مسجد أي مكان للسجود. يُقال جامع على المسجد الكبير الذي يقيم فيه المصلون صلاة الجمعة الجامعة، والتي صار يتخللها خطب فقهية ثم سياسية، كالدعاء للحاكم أو للخليفة، ثم تطورت لاحقاً عندما أخذ بعض علماء الإسلام ينتحون بعض مريديهم أو تلاميذهم، على غرار ما كان يفعل التلموديون في بَّيعهم. أما اليوم فنجد أنفسنا أمام حراك اجتماعي وديني وسياسي انطلاقاً من هذا الموروث، بحيث تنطلق التظاهرات من الجامع أو الجامعة أو من الاثنين معاً، وذلك لأن لهذه الأماكن العبادية، الطقسية والتعليمية، حروماتها أو حماها، أي الحدود التي تندرج إسلامياً في نطاق حدود الله الذي ينبغي احترامه. هذا في المعتقد، أما في السياسة وعبر التاريخ التغالبي بين العرب، نلاحظ أن السلطات كانت وما برحت عند الضرورات السياسية، تستبيح المحظورات أي المكان المقدس. أهمية الجامع في الفورات العربية أنه أصبح قاعدة لإسقاط الأنظمة، وهذا ما لاحظناه في مصر وسورية ولم نلحظه بوضوح كافٍ في تونس وليبيا واليمن ولكنه تفرد بالتمظهر في تجربة البحرين.
• تاريخياً شكل الجامع حالاً اعتراضية على قاعدة ولادة الأفكار من جهة والثورة على الأنظمة من جهة أخرى. إلى أي مدى ساعد الجامع في قيادة ما تسميه الفورات العربية الراهنة، وكيف يمكن مقاربة هذه المسألة من الناحية التاريخية؟
- لا شك أن المعارضات للحاكمين الموصوفين عموماً بالظالمين، كانت تتعمد الخفاء والخروج ليلاً، وكانت السلطات تواجه تلك الظاهرة بما تسميه العسس، أي جواسيس الليل، وكان نشوء المدارس أو المذاهب الفقهية في بعض المساجد سبباً من أسباب رقابة السلطات على الجوامع والمساجد. في الليل كان العسس، أي ما يسمى الآن الخلايا السرية أو النائمة، التي كانت تعبر عن آرائها ومواقفها بالكتابة الجدارية. وما دامت الصحافة النهارية ممنوعة، فإن الصحافة الجدارية الليلية ستأخذ مكانها على جدران الشوارع وهذا ما يظهر عادة في أزمنة الاضطرابات في غير عاصمة عربية كبيروت والقاهرة ومدن سورية عدة. الثابت أن العامة تتأثر باعتداء السلطات على أماكنها المقدسة، ولكن يبدو أن في الحروب يغدو كل شيء مباحاً إذ إن السلاح يقارع السلاح.
• ماذا عن دور رجال الدين في قيادة الانتفاضات العربية؟
- حتى الآن تبين أن دور رجال الدين العرب المسلمين هامشي وضئيل، رغم تكاثر القنوات الفضائية والفتاوى، إذ إن هؤلاء في أغلبهم موظفون لدى السلطات القائمة ومنقطعون عن الظاهرة الشبابية، التي تعتبر اليوم المحرك الأساسي للفورات الجماهيرية غير المسلحة. وبحسب مواقع رجال الدين نلاحظ أن بعضهم كما في البحرين يعطي للحراك الاعتراضي لوناً دينياً أو مذهبياً، ما دام الحاكم من مقلب آخر.
في مصر بدا الأزهر بعيداً جداً من حركة الشارع المصري، ولا معنى في رأينا لقيام الشيخ يوسف القرضاوي بالصلاة والخطابة في جماهير ميدان التحرير. في ليبيا ظلت ظاهرة رجال الدين في منأى عن الصراع المسلح بين القذافيين وخصومهم، أما في تونس فقد حقق الشباب ما يصبون إليه من الحرية التي نعِم بها الإسلامي راشد الغنوشي الذي عاد من منفاه. ويبقى أن نشير إلى أن الحركات الدينية الإسلامية في هذه البلدان قد تستفيد من الفورات الشبابية الراهنة، إذا ما جرى انتقال السلطة من العسكر إلى المدنيين. ويبقى السؤال للمستقبل: هل ستشهد هذه البلدان تشكل طبقة مؤلفة من العسكريين والمدنيين أم أن الفورات هذه ستتحول تدريجاً ثورات سياسية بكل معنى الكلمة.