يخطئ من يظن أن ازاحة الشيخين عن موقعهما هو نهاية الفساد وبداية عهد الإصلاح. فاختزال موطن البلاء بهما فيه شيء من التبسيط للأزمة وهروب واضح إلى الأمام، حيث السلطة والقرار.
لعل مقولة (ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) هي المحرك لهذه الوثيقة... ولكن لنعد إلى الأمة ونتساءل:
أليس المجتمع هو من يلد الإصلاح وهو أيضا من يفرز الفساد؟ الإصلاح الاجتماعي بمؤسساته إذاً هو ما يحتاج إلى وثائق موقف أو مواقف، وما الشيخ ناصر والفهد إلا انعكاس حقيقي لنهج المجتمع والأمة، وكما تكونون يولى عليكم!
ترى هل سيتغير النهج السياسي بتغير الأشكال والأشخاص، أم أن مواجهة الخلل الهرموني في مؤسسات الدولة ومنها مؤسسة الشعب هو طريق الإصلاح الحقيقي، ألا تحتاج المؤسسات الإعلامية إلى وثيقة إصلاح من خلال تطبيق قانون المرئي والمسموع مثلاً بدلاً من قانون الوحدة الوطنية المكرر بقوانين موجودة أصلاً، عالقة لم تر النور؟
الإعلام المرتشي الذي يستغل غفلة الشعب لتعميته عن تجاوزات المال العام وإشغاله بسطحيات الخلاف السياسي اليوم. الإعلام المريض الذي يضلل الشارع فيروج لإنجازات شكلية وهمية للنواب والحكومة تاركاً العقل الجمعي للأمة تابعاً ذليلاً للأوهام المضللة، ومخدراً إرادة الأمة عن أولويات المرحلة. ألا نحتاج إلى وثيقة موقف تجاه الإعلام ليكون إعلاماً قوياً نشطاً محاسباً، يراقِب ويراقَب! يكشف حسابه ويعري من ليس له حساب، ألا نحتاج إلى وثيقة موقف تجاه تجار الأغذية الفاسدة من لحوم وخضراوات ومياه تهدد الصحة العامة للمواطنين، ومراقبة واعية للمنافذ الثلاثة وتدقيق حازم للواردات الغذائية كافة... بدلاً من تبادل اللوم بين البلدية والتجارة والصحة والجمارك، ألا نحتاج إلى وثيقة موقف تجاه حقوق أكثر من 13 ألف قضية مواطن ضد القرارات الإدارية الحكومية متعلقة بالترقيات والتعيينات والمكافآت غير القانونية، ألا نحتاج إلى وثيقة موقف تكشف التسيب التعليمي الذي خصص أكثر من 80 في المئة من الموارد المالية للمرتبات ثم نفاجأ بحصول الكويت على المركزين 31 و34 في اختبارات «تيمز» للعلوم والرياضيات... فيما حصلت على المركز 43 من بين 45 دولة في اختبارات «بيرلز» الخاصة بالقراءة، ألا نحتاج إلى وثائق مواقف كبيرة تفسر لنا حجم التناقض بين الواقع والمأمول لتحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري، حيث أشار المجلس الأعلى للتخطيط أن قوة العمل الوطنية في القطاع الحكومي تمثل 83 في المئة منها 13 في المئة تشتمل على المهن العلمية والفنية كالاطباء والمهندسين والمعلمين والقانونيين، وهي نسبة تتناقض وتطلعات المشروع التنموي الكبير؟
ان ما كشفته الصحف المحلية اخيرا من شبكات تجسس وتخريب، وغسيل أموال وفساد أخلاقي يكشف أيضاً حجم الاختراق الداخلي لوطننا الصغير والذي يحتاج بحق إلى ألف وثيقة ووثيقة!
وثيقة الموقف إذاً هي إفراز لحالات الاحتقان السياسي وانعكاس لضيق ونفاد صبر نواب الأمة لهروب الجناة عن تحمل مسؤولياتهم... لقد كان اللجوء إلى الشارع ونقل الهم له ومواجهة الأزمة من أعلى الهرم هو الحل من وجهة نظرهم. وفي رأيي أن ذهاب الشيخين أو مكوثهما لن يغير من الأمر شيئاً... والتغيير الحقيقي هو في إصلاح المجتمع ومؤسساته النابعة منه والتابعة له، قال تعالى «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخـذنــــاهم بما كــــانوا يكــسبون».
د. مبارك الذروة
أكاديمي كويتي
Maltherwa@yahoo.com