تراث شعري / جميلٌ وبثينة... عذرية خالدة
| محمد سعود الجبلي |
إن لقبيلة عذرة التي خلدها التاريخ بأنها تلك القبيلة التي اقترنت بذاك الحب العذري، الذي يخلو من الوصف الماجن لجسد المرأة، بل أكرمها ورفعها وعلا من مكانتها الاجتماعية، عكس ما كانت تتداوله العرب سابقاً من بخس المرأة من أبسط حقوقها التي منحها الإسلام، فما كان من تلك الفئة من العرب إلا ارتفعت بالمرأة وعلت من شأنها، وهو ما جاء الإسلام بشريعته السمحة الخالدة. فانتشار الفكر العذري والذي ينأى بالجسد والذي يعمق فكر الروح ما جعل أصحابه ممن يهتمون بالروح وبوحيه الخالد الذي هو الباقي والمستمر، ما جعل لهذا الفكر تأثيره على واقع الحياة الشعرية، فالنداء الدائم للروح جعل من قصائد شعراء قبيلة عذرة مما أفقد نداء الجسد الحي لقيمته من قصائدهم. فالطريق ازدحم من هؤلاء الذين ساروا على ما سار مجنون ليلى، فأصبح الطريق يكاد أن يلفظ أنفاسه ممن ساروا على هذا الفكر العذري الخالد، فأصبحت العذرية التي يتغنى بها شعراء كُثر، بل أنهم جعلوا من الروح هي القيمة التي لابد من الغناء على أوتارها حتى أصبحوا يخلدون أنفسهم بأن حبهم عذري بعيدا عن المجون والوصف الفاحش لجسد المرأة بل وتعريتها في كثير من الأحيان. ولعل من اشتهر بهذا الفكر جميل بن عبدالله بن معمر العذري القضاعي وهام بحبيبته بثينة بنت حيان بن ثعلبة، وقد سنّ جميل بسنة قد تبعه الكثيرون من شعراء العصور التالية، فاقترنت أسماؤهم بأسماء من أحبهن وهام القلب بهنّ.
ولظهور تلك الفئة التي إن عشقت فإنها لا تعشق إلا واحدة من النساء، وإن أنشدت فإنها تنشد ألم الفراق والشكوى وطول البعد، فتلك حياتهم سخروها من أجل حبهم وعشقهم الأبدي الذي لا يخالجه عشق غيره، فكانت الحياة هي حياة شقاء بالنسبة لهم دونما الفوز بالقرب مما عشقت قلوبهم.
هو ذلك الهائم بحبها وعشقها هو الذي سخّر شعره لها فقط، دونما الخوض في أغراض الشعر المتعددة، فعلى الرغم من تعدد أغراضه واختلافها، وانتشار الشعراء على أبواب الخلفاء والولاة من أجل درهم من هذا وذلك، فهم لا يريدون مالاً أو منصباً، وإنما قرب من عشقها وبقاء الحبيبة دائمة لهم.
لقد ذَرَفَتْ عيني وطال سُفُوحُها،
وأصبحَ، من نفسي سقيماً، صحيحها
ألا ليتَنا نَحْيا جميعاً، وإن نَمُتْ،
يُجاوِرُ، في الموتى، ضريحي ضريحُها
فما أنا، في طولِ الحياة ِ، براغبٍ
إذا قيلَ قد سويّ عليها صفيحها
أظلُّ، نهاري، مُستَهاماً، ويلتقي،
مع الليل، روحي، في المَنام، وروحُها
أليس هناك أرق من تلك الأبيات التي أصابت من عمقها القلوب، أليس أشد وقعة من تلك الكلمات التي أصابت من عشق وتلذذ بعشقه وهيامه وغاص من عمقه من كان فؤاده معلقا.
وقال:
ديـار ليـلى إذ نحلّ بهـا معـا
وإذ نحن منها بالمودّة نطمـع
إلى الله أشكو لا إلى الناس حبها
ولا بد من شكوى حبيب يروّع
ألا تتقيـن الله فيمـن قتلـتـه
فأمسى إليكم خاشعـا يتضـرّع
فالشكوى لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى، واللجوء لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى جل جلاله وارتفعت أسماؤه وتعددت صفاته سبحانه عما يصفون، فتلك هم المؤمنون بالله الذين لا يشركون به أحدا، فهو كحال المؤمن الراغب برجاء الله سبحانه وتعالى، وهو الذي اشتكى لله دونما أحد سواه.
فشاعرنا الجميل كحال من عشق ولم يكن زوجاً فأصبح كمن تراوده أحلام واهية يجري خلفها، ولا يجد ذاته فيسقط كورق الشجر بعد أن ذبل، وانقطعت سبل الحياة، فالمعشوقة ذهبت بعيداً، وهو يترأي بأحلامه بعيداً عما رسمه من أحلام، سقط وهو لم يظفر بأقل الأحلام التي منى النفس بها.
سقط وقالها مدوية لعلها أن تعود ولو لبرهة من الوقت
لقد ذَرَفَتْ عيني وطال سُفُوحُها،
وأصبحَ، من نفسي سقيماً، صحيحها
ألا ليتَنا نَحْيا جميعاً، وإن نَمُتْ،
يُجاوِرُ، في الموتى، ضريحي ضريحُها
فما أنا، في طولِ الحياة ِ، براغبٍ
إذا قيلَ قد سويّ عليها صفيحها
أظلُّ، نهاري، مُستَهاماً، ويلتقي،
مع الليل، روحي، في المَنام، وروحُها
لأجل ذلك مات لأجل حب انتهى ولكن ما بقي منه إلا ذاك الأثر وهو ما بين أيدينا انتهى الحب بموته، وبقيت لنا قصائد تتحدث عن تجربة انتهت بكل أهاتها وأوجاعها، وبقيت لنا قصائد رائعة كتبت بماء الذهب لجميل ننهل منها تلك القيم الخالدة والتي لم تنته.
إن لقبيلة عذرة التي خلدها التاريخ بأنها تلك القبيلة التي اقترنت بذاك الحب العذري، الذي يخلو من الوصف الماجن لجسد المرأة، بل أكرمها ورفعها وعلا من مكانتها الاجتماعية، عكس ما كانت تتداوله العرب سابقاً من بخس المرأة من أبسط حقوقها التي منحها الإسلام، فما كان من تلك الفئة من العرب إلا ارتفعت بالمرأة وعلت من شأنها، وهو ما جاء الإسلام بشريعته السمحة الخالدة. فانتشار الفكر العذري والذي ينأى بالجسد والذي يعمق فكر الروح ما جعل أصحابه ممن يهتمون بالروح وبوحيه الخالد الذي هو الباقي والمستمر، ما جعل لهذا الفكر تأثيره على واقع الحياة الشعرية، فالنداء الدائم للروح جعل من قصائد شعراء قبيلة عذرة مما أفقد نداء الجسد الحي لقيمته من قصائدهم. فالطريق ازدحم من هؤلاء الذين ساروا على ما سار مجنون ليلى، فأصبح الطريق يكاد أن يلفظ أنفاسه ممن ساروا على هذا الفكر العذري الخالد، فأصبحت العذرية التي يتغنى بها شعراء كُثر، بل أنهم جعلوا من الروح هي القيمة التي لابد من الغناء على أوتارها حتى أصبحوا يخلدون أنفسهم بأن حبهم عذري بعيدا عن المجون والوصف الفاحش لجسد المرأة بل وتعريتها في كثير من الأحيان. ولعل من اشتهر بهذا الفكر جميل بن عبدالله بن معمر العذري القضاعي وهام بحبيبته بثينة بنت حيان بن ثعلبة، وقد سنّ جميل بسنة قد تبعه الكثيرون من شعراء العصور التالية، فاقترنت أسماؤهم بأسماء من أحبهن وهام القلب بهنّ.
ولظهور تلك الفئة التي إن عشقت فإنها لا تعشق إلا واحدة من النساء، وإن أنشدت فإنها تنشد ألم الفراق والشكوى وطول البعد، فتلك حياتهم سخروها من أجل حبهم وعشقهم الأبدي الذي لا يخالجه عشق غيره، فكانت الحياة هي حياة شقاء بالنسبة لهم دونما الفوز بالقرب مما عشقت قلوبهم.
هو ذلك الهائم بحبها وعشقها هو الذي سخّر شعره لها فقط، دونما الخوض في أغراض الشعر المتعددة، فعلى الرغم من تعدد أغراضه واختلافها، وانتشار الشعراء على أبواب الخلفاء والولاة من أجل درهم من هذا وذلك، فهم لا يريدون مالاً أو منصباً، وإنما قرب من عشقها وبقاء الحبيبة دائمة لهم.
لقد ذَرَفَتْ عيني وطال سُفُوحُها،
وأصبحَ، من نفسي سقيماً، صحيحها
ألا ليتَنا نَحْيا جميعاً، وإن نَمُتْ،
يُجاوِرُ، في الموتى، ضريحي ضريحُها
فما أنا، في طولِ الحياة ِ، براغبٍ
إذا قيلَ قد سويّ عليها صفيحها
أظلُّ، نهاري، مُستَهاماً، ويلتقي،
مع الليل، روحي، في المَنام، وروحُها
أليس هناك أرق من تلك الأبيات التي أصابت من عمقها القلوب، أليس أشد وقعة من تلك الكلمات التي أصابت من عشق وتلذذ بعشقه وهيامه وغاص من عمقه من كان فؤاده معلقا.
وقال:
ديـار ليـلى إذ نحلّ بهـا معـا
وإذ نحن منها بالمودّة نطمـع
إلى الله أشكو لا إلى الناس حبها
ولا بد من شكوى حبيب يروّع
ألا تتقيـن الله فيمـن قتلـتـه
فأمسى إليكم خاشعـا يتضـرّع
فالشكوى لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى، واللجوء لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى جل جلاله وارتفعت أسماؤه وتعددت صفاته سبحانه عما يصفون، فتلك هم المؤمنون بالله الذين لا يشركون به أحدا، فهو كحال المؤمن الراغب برجاء الله سبحانه وتعالى، وهو الذي اشتكى لله دونما أحد سواه.
فشاعرنا الجميل كحال من عشق ولم يكن زوجاً فأصبح كمن تراوده أحلام واهية يجري خلفها، ولا يجد ذاته فيسقط كورق الشجر بعد أن ذبل، وانقطعت سبل الحياة، فالمعشوقة ذهبت بعيداً، وهو يترأي بأحلامه بعيداً عما رسمه من أحلام، سقط وهو لم يظفر بأقل الأحلام التي منى النفس بها.
سقط وقالها مدوية لعلها أن تعود ولو لبرهة من الوقت
لقد ذَرَفَتْ عيني وطال سُفُوحُها،
وأصبحَ، من نفسي سقيماً، صحيحها
ألا ليتَنا نَحْيا جميعاً، وإن نَمُتْ،
يُجاوِرُ، في الموتى، ضريحي ضريحُها
فما أنا، في طولِ الحياة ِ، براغبٍ
إذا قيلَ قد سويّ عليها صفيحها
أظلُّ، نهاري، مُستَهاماً، ويلتقي،
مع الليل، روحي، في المَنام، وروحُها
لأجل ذلك مات لأجل حب انتهى ولكن ما بقي منه إلا ذاك الأثر وهو ما بين أيدينا انتهى الحب بموته، وبقيت لنا قصائد تتحدث عن تجربة انتهت بكل أهاتها وأوجاعها، وبقيت لنا قصائد رائعة كتبت بماء الذهب لجميل ننهل منها تلك القيم الخالدة والتي لم تنته.