| كتب عمر العلاس |طالبت رئيسة قسم الطب النفسي في مستشفى الطب النفسي الدكتورة هيا المطيري «بانشاء هيئة عليا لمكافحة المخدرات تكون بمثابة المظلة وتتولى توحيد جهود المعنيين بالقضية وتوزيع** الأدوار والتنسيق بين الجهات المعنية لجهة التوعية، والاحصائيات، والدراسات، والعلاج»، مشددة على ان «تخضع هذه الهيئة لمسؤولية أهل الاختصاص»، مشيرة الى اننا «نعمل كجزر متفرقة وليس هناك تنسيق في ما بيننا والموارد مهدرة»، ومحذرة من ان «يصبح الاتجار في قضية المخدرات مضاهياً للاتجار بالمخدرات، كما ذكرت في وقت من الأوقات».وأشارت المطيري الى «ان الادمان مرض واضطراب، وان من يعانون من اضطراب في الشخصية هم أكثر عرضة للاصابة به لما لديهم من ناحية اندفاعية تشجع على الوقوع في براثن تلك الآفة»، مبينة ان «هناك عوامل كثيرة تقود الى الادمان، أهمها استعداد الشخص نفسه الى جانب وجود عوامل أخرى وراثية وبيولوجية وبيئية...»، ولافتة الى ان «التعافي من الادمان ممكن اذا توافرت العوامل المتكاملة لذلك»، محذرة «من خطورة بعض الأمراض الفتاكة التي يتسبب بها ومن بينها التليف الكبدي والايدز التي تصيب المدمنين، والتي تنتقل اليهم بمعظمها عن طريق العدوى».ودعت المطيري «لمراجعة بعض قوانين المخدرات»، مبينة «أهمية وجود تنسيق بين التأهيل في سجن المدمنين والطب النفسي، وأخذ رأي اللجنة الطبية وعدم الاكتفاء بالتقارير الطبية من قبل المحكمة قبل اصدار الحكم على أي مدمن».وأكدت ان «مركز بيت التمويل لعلاج الادمان يقبل كل الحالات، وان العلاج متوافر لجميع أنواع الادمان سواء المخدرات أو الخمور أو أي نوع من الكحول»، موضحة ان «العلاج ليس بالضرورة ان يكون داخل المركز كمريض مودع بل يمكن ان يتم في العيادة الخارجية».وفي ما يأتي تفاصيل الحوار مع الدكتورة هيا المطيري حول الادمان:• كيف يبدأ الطريق للادمان؟- ان الادمان مرض واضطراب، ومن يعانون من اضطراب في الشخصية هم أكثر عرضة للاصابة به لما لديهم من ناحية اندفاعية، الأمر الذي بدوره يشجع على الادمان. وما نود ان نشير اليه ان هناك عوامل كثيرة تؤدي الى الادمان أهمها استعداد الشخص نفسه، فضلاً عن عوامل وراثية وبيولوجية وبيئية، وكذلك اسلوب التربية ونضج الشخصية حيث ان المدمنين الأقل نضوجا في شخصياتهم وطموحاتهم هم أكثر استعداداً للوقوع في الادمان. وفي ما يتعلق بالعوامل الوراثية على سبيل المثال، فاننا نجد في أسر مدمني الكحول من يلجأون الى هذا النوع من الادمان.• هل الادمان يعد نهاية المطاف بالنسبة للمدمن؟- الادمان مرض مزمن ومن الصعب التعافي منه بل ان التعافي مكلف جدا على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، لكنه ليس نهاية المطاف حيث انه يمكن الشفاء منه في حال توافرت عوامل الشفاء متكاملة.• ما العلامات التى يمكن ملاحظتها على الشخص المدمن في بداية مراحل الادمان؟- ان مشكلة الادمان ليس فيها بداية أو نهاية أو وسط، كما ان طول مدة الادمان من دون علاج وتعقيد المواد التي يتعاطاها الفرد تجعله يعتاد على المادة المخدرة أو أي من المواد التي أدمن عليها اذ ان المدمن يحتاج مع مرور الوقت لزيادة الجرعة، واذا توقف عنها تصبح لديه أعراض انسحابية وهي مجموعة من الأعراض النفسية والجسدية أو العصبية الجسدية، بحيث يتمحور سلوكه حول المادة المخدرة والبحث عنها. كما انه يصبح غير قادر على التحكم في الكمية التي يتناولها، فعلى سبيل المثال اذا كان مدمن الخمور يتناول في البداية نصف زجاجة نجده بعد أسبوع يتناول زجاجة كاملة. وما نشير اليه في هذا الصدد ان أعراض الادمان تشمل أعراضا نفسية واجتماعية وسلوكية، كما ان من اعراضه التدهور في الوظائف واحيانا معاناة من تلف في بعض الأعضاء، حيث انه على سبيل المثال يمكن ان تحدث لديه اضطرابات كبداية، واضطرابات في الادراك والذاكرة، وذلك على حسب المادة التي يتعاطاها.• ان مشكلة الادمان يمكن ان تضع الأشخاص في مواجهة أمراض خطيرة، فما أبرز المشكلات الصحية التي يمكن ان تنتج عن ذلك؟- ان أكثر مرض فتاك يواجه مدمني الكحول والخمور هو التليف الكبدي، يمكن انهم قد يكونون مندفعين أو أكثر عرضة للحوادث لأن تلك المواد تغيب الادراك والوعي، ومدمنو الهيرويين تنتقل اليهم عدوى الكثير من الأمراض والفيروسات عن طريق استخدام الحقن المشتركة بين المتعاطين حيث يمكن ان يعانوا من التهابات جلدية ومرض الكبد الوبائي والايدز، كما يمكن ان يترتب على ذلك تلف الذاكرة والوظائف المعرفية. وقد يصاب مدمنو الحشيش باكتئاب مزمن يغير في سمات الشخصية.• هل من قصة يمكن ان تقدم العظة والحكمة للشباب لتفادي الوقوع في الادمان؟- ان الادمان مكلف بشكل كبير للانسان فهو يدمر حياة الفرد ويؤثر على أسرته، وكثير من الحالات التي مرت عليَّ وتدخلت فيها شخصيا، وأذكر حالات نساء تزوجن أشخاصا مدمنين فوقعن في الادمان وفشلن وفقدن وظائفهن ورفضهن المجتمع والأسرة. ومن الحالات التي تحضرني أيضا قصة شاب صغير حيث كنت في بداية عملي بمركز علاج الادمان وتعرفت عليه ودرست حالته واكتشفت انه لم يرَ منذ بداية عمره حياة خالية من المخدرات، حيث انه كان يتعاطى الحشيش منذ ان كان عمره 13 عاما وبعد ذلك أدمن الهيرويين ومن ثم مات بسبب تناول جرعة زائدة، حيث خرج في اجازة من المركز كي يذهب الى الشاليه وجلس مع رفيقه واخذ حقنة هيرويين وتوفي على أثرها، فأخذه رفيقه وألقى به أمام المستشفى وكان هو الولد الوحيد لأسرته، وكانت هذه الحالة مأساوية بالفعل.• كيف تقومين نظرة المجتمع للمدمن حالياً؟- لقد بدأ المجتمع أخيراً يعي أن الادمان ليس دليلاً على الجنوح وقلة التربية لكن الوعي بهذه المشكلة مازال قليلاً، حيث ان كثيرا من الناس يتعاملون مع الادمان وكأنه حالة عصيان وبالتالي فان التوبة كافية للتعافي، وهذا ليس صحيحاً فالتوبة وحدها ليست حلاً فهناك عوامل علاجية ودوافع ومهارات معينة لابد للانسان ان يتميز بها كي يتمكن من التعافي. كما ان التعامل مع المدمن مازال يتم على اساس اعتباره مجرماً، كما انه لا تترك له فرصة ليعود عن ادمانه ويعمل ويتزوج ويصبح عضوا فاعلا في المجتمع، ومازالت النظرة اليه تشوبها شوائب، وليس هناك فهم لطبيعة الاضطراب عند المدمن، وعلى سبيل المثال عندما يكون المدمن بحالة سيئة ويطلب اجازة مرضية فحتى الأطباء لا يتعاطفون معه، اذ انه حتى في الوسط الطبي هناك جهل وعدم ادراك بطبيعة الادمان والذي هو اضطراب ومرض خارج عن ارادة الانسان، ولابد ان نشفق على المدمن ونساعده ولا نعده مجرما وخارجا على الأعراف والتقاليد.• هل يقبل مركز بيت التمويل كل الراغبين في العلاج من الادمان؟- المركز يقبل كل الراغبين في العلاج لكن ليس بالضرورة ان يكون العلاج داخل المركز كمريض مودع وانما يمكن ان يتم العلاج من خلال العيادة الخارجية، فالطاقة الاستيعابية للمركز لا تتجاوز 200 سرير، وعندما عملت بشكل مباشر مع المدمنين كنت ضد ان يدخل للمركز لمدة 15 أو 20 يوما ثم يخرج حيث كانت هناك فلسفة انه طالما تخلص جسمه من السموم وبدأ يتمتع بقدر من الدافعية فانه يستطيع ان يخرج، لكني أعارض هذه المسألة لأن الشخص غالباً ما ينتكس ويعود للمركز.كما انني أود ان أشير الى ان التعامل مع المدمنين ليس سهلاً لما لديهم من اضطراب في بعض سمات الشخصية يسبب سلوكيات صعبة، حيث يحدث احيانا اعتقال للاطباء والممرضين وتهديد وطلبات معينة، واذا لم يكن هناك فريق علاجي يتفهم هذه الأمور ويمتصها فسيحدث اضطراب وظيفي وتعب وارهاق، حيث ان التعامل هنا يتم مع مريض غير عادي وانما هو مريض يضغط عليك ولديه جوانب صعبة في شخصيته.• ما أنواع العلاجات المتوفرة في مركز بيت التمويل، وهل يشمل الادمان من المخدرات والخمور؟- ان العلاج متوافر على مدار اليوم فيما كان من قبل يتم خلال الفترة الصباحية فقط، لكن الآن هناك مرضى يمكن علاجهم في الفترة المسائية حيث افتتحت عيادات مسائية في المركز على مدار الأسبوع. والعلاج متوافر لجميع أنواع الادمان سواء ادمان المخدرات أو الخمور أو أي نوع من الكحول، أو غير ذلك. وهناك من تحدث عن تصنيف المدمنين وعزلهم بحيث يتم حصر مدمني الهيروين وحدهم، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية المدمنين وذلك بحسب نوع المادة التي ادمنوا عليها لكن الادمان واحد وان تعددت مواده، وان كان هناك فريق مؤهل ولديه خبرات فلا يتم فصل المدمنين فهذا يعد نوعا من الرفاهية كما ان معظم المدمنين في المجتمع يتناولون كوكتيلا من تلك السموم ولا يقتصر ادمانهم على مادة واحدة.• هل لديكم احصائية بعدد الحالات التي تماثلت للشفاء من الادمان في مركز بيت التمويل؟- عندما نقول الشفاء ينبغي علينا ان نحدد ما الشفاء، فهل الشفاء هو عدم التعاطي، أم انه عدم مراجعة المركز نهائيا، أم ان الشخص المدمن أصبح انسانا فاعلا واستعاد حياته الطبيعية؟ ومن هذا المنطلق أرى ان من الأدق ان نغير كلمة الشفاء الى كلمة التعافي، حيث ان الانسان توقف عن التعاطي ومازال يحاول الامتناع عنه فحتى عندما يتوقف المدمن عن المخدرات تظل معه سمات في شخصيته، لكن النضج والوعي والاستمرار في الدعم النفسي والاجتماعي يخفف من حدة تلك السمات.• كيف تنظرين الى دور مؤسسات المجتمع المدني المعنية بقضية مكافحة المخدرات؟- لقد كان لمؤسسات المجتمع المدني ومشاريع المجتمع المدني من قبل دور توعوي على الأقل في ايقاظ الدولة نحو القضية والا لما كان بني مركز الادمان أو أقيمت مشاريع التائبين أو أنشئ مركز تأهيل المدمنين في السجن المركزي، ولما كان هناك تعديل على قوانين المخدرات، فهذه جهود الناس الفاعلين في هذا الميدان واللجان والمشاريع المختلفة، لكن المشكلة ان هذا الأمر حصل في وقت ما ومن ثم اختفت هذه الفعاليات واصبحت محصورة في نطاق ضيق وليس بالدرجة التي كانت عليها سابقاً. فمشكلة المخدرات لم تحل ومازالت موجودة برغم تلك الجهود، واعتقد ان السبب في ذلك انه لا توجد مظلة عليا كمظلة المعاقين أو هيئة عليا تنسق بين ادوار الجهات المعنية بهذه القضية، فنحن نحتاج الى هيئة عليا لمكافحة المخدرات تتولى توزيع الأدوار والتنسيق من ناحية الجانب التوعوي والاحصائيات والدراسات والعلاج، ولابد ان يكون لأهل الاختصاص دور في هذه الهيئة، حيث ان قضية المخدرات دخل فيها اشخاص من جميع جهات المجتمع وهناك من هم ليسوا من أهل الاختصاص، وعندما تكون الأمور كذلك يفقد الناس أدوراهم، فالهيئة المطلوبة تنسق بين الجزر المتفرقة التي تهتم الآن بموضوع المخدرات.كما ان من المطلوب أيضاً مراجعة قوانين المخدرات من جديد، وان كنت اعتقد انه قد حدثت نقلة فيها حيث انه على سبيل المثال أصبح بامكان القريب من الدرجة الأولى ان يشكو على قريبه من غير ان تكون هناك قضية ويذهب ليعالج، غير ان مشكلة حيازة المخدرات في المجتمع الكويتي تحتاج مراجعة، وكذلك قوانين العلاج، وأدعو بل وأطالب المحكمة ان تأخذ رأي اللجنة الطبية قبل اصدار الحكم على أي حالة في ما يخص طريقة العلاج وما اذا كان يصلح للشخص أم لا، وألا تكتفي بالتقارير المكتوبة. كما ينبغي ان يكون هناك تنسيق بين التأهيل في سجن المدمنين والطب النفسي، حيث ان هناك مشروع لأن يكون مركز تأهيل المدمنين في السجن المركزي تابعا للصحة وليس لادارة السجن والمؤسسات العقابية ليحدث التكامل بين اساليب العلاج، فنحن جزر متفرقة وليس هناك تنسيق بين كل هذه الجهات والموارد مهدرة، وصحيح ان المشكلة كبيرة لكن اعتقد ان الاهتمام الذي حدث بالمعاقين لابد ان يقابله اهتمام مرادف ومواز بالنسبة للمدمنين، وان تكون هناك هيئة تخضع لأهل الاختصاص تقوم بالتنسق بين جميع الجهات. ولا نقلل في هذا الشأن من دور الفاعلين ورجال القانون المهتمين بتلك القضية، لكن لابد ان يكون هناك توصيفات بجوارهم كي لا يحدث استغلال للقضية.• ولكن هل القضية استغلت؟- في وقت من الأوقات قلت ان الاتجار في قضية المخدرات أصبح يضاهي الاتجار بالمخدرات.