حين تعتمد الفلسفة الأميركية في علاقاتها مع العرب خطة عملية ستسير هذه الخطة على ضوء المستجدات على الأرض؛ بالتأكيد لا تستطيع أميركا ولا غيرها إيجاد مسرح متكامل من الأحداث بكل عناصره وإحداثياته وحيثياته، بل هي فقط تمارس الأداء المبني على استجلاب مصلحتها في المنطقة مستفيدةً مما يصدر عنا من أداء وهو للأسف أداءٌ سطحيّ وأحياناً أداؤنا هو أول عناصر إلحاق الضرر بأنفسنا، نعم من حقنا أن نلقي باللوم على أميركا بسبب تدخلاتها السافرة في الشرق، ويحق لنا إدانتها على انحيازها الواضح لإسرائيل، ولكنَّ أميركا تعتمد رؤيةً تربط بين الحدث وتداعياته وتسهيل استدعاء البدائل بعد ذلك؛ فرغم التجهيز المسبق لأحداث ليبيا بقيَ الأمرُ مرتبطاً منذ البداية بما يمكن أن يتم على الأرض، والنجاح في تشكيل مجلس انتقالي يتلقى الاعتراف أو الدعم المتكامل هو اعتراف مُعلَّق ودعم مشروط ليكون كلُّ ذلك أداةً فقط لإضعاف القذافي وليس خياراً أرادهُ الشعبُ الليبي، والقصة نفسها رأيناها من قبل بلون آخر في مصر؛ فقد أَعطتِ الموجةُ الأميركيةُ الرئيسَ السابق حسني مبارك فرصةً لحزم أمره على الأرض، وحتى لا تطول القصة وتفشل خطةُ نقلِ العدوى إلى بلاد عربية أخرى كانت الإجازة المفتوحة للرئيس مبارك في شرم الشيخ لاختصار الوقت والإسراع نحو خدمة قضية أميركا المركزية وهي أمن إسرائيل، بينما العرقلةُ اليمنية حالتْ دون الإطاحة السريعة بالرئيس اليمني علي عبدالله صالح، وحين جاء الدور إلى سورية كانت القصة مختلفةً على الأرض وأعادت خلط الأوراق من جديد؛ لذلك رأينا العودة إلى الوراء نحو مصر لإثارة النعرات الدينية هناك ومحاولة إشعال الفتيل بين المسلمين والأقباط للإبقاء على صورة ما أُطلق عليه ثورات عربية والاستمرار في مسلسل الفوضى الذي أطلقتْ عليه كوندوليزا رايس سابقاً (الفوضى الخلاّقة)!
ما زالت الموجة التي تحركها رياح التغيير الأميركية في المنطقة تضغط باتجاه سورية تحت تغطية إعلامية حثيثة، وإنه من المجحف الاستسلام لقنوات إخبارية عربية محددة لأخذ الخبر والتحليل منها فقط، إن كنّا داعمين لموقف سورية بالتأكيد سوف نطالع قنواتها الإخبارية وفي الوقت ذاته علينا أن نُطالع القنوات الأخرى لنجري المقارنة، وإن كنا خصوماً لسورية علينا أن نطالع أيضاً القنوات السورية والقنوات الأخرى لنجري أيضاً المقارنة؛ هذا هو الرأي والرأي الآخر؛ نعم للشعوب مَطالب وحريات ولنا جميعاً حق في ممارستها؛ لكن هذه المطالب المرتبطة بالإصلاح لا يمكن لنا في أي حال أن نستغلها أو نسكت على استغلالها لحمل السلاح داخل الوطن أو للنيل من الوحدة الوطنية ليس في سورية فحسب بل في أيّ بلد، أبداً ليس هناك عاقل يسعى للإصلاح بوسيلة فاسدة، فالغاية لا تبرر الوسيلة.
علي سويدان
كاتب وأكاديمي سوري
Swaidan9@hotmail.com