للاطلاع من قبل «الفتوى والتشريع» والرد على ممثلي مجلس الأمة
«الدستورية» أرجأت إلى 19 يونيو تفسير استجواب رئيس الوزراء

عبدالله الرومي وحسين الحريتي (محاميا مجلس الأمة) امام قاعة الجلسات

فيصل المرشد








| كتب أحمد لازم |
أجلت المحكمة الدستورية امس برئاسة المستشار فيصل المرشد طلب مجلس الوزراء بتفسير المواد (100 و123 و127) من الدستور بشأن الاستجواب المقدم الى سموه الى 19 يونيو المقبل للاطلاع من قبل «الفتوى والتشريع» والرد على النائبين حسين الحريتي وعبد الله الرومي الممثلين عن مجلس الامة.
ودفع الحريتي والرومي بعدم اختصاص المحكمة الدستورية بنظر طلبات تفسير نصوص الدستور مجردة دون ان تكون مرتبطة بمنازعات قضائية للطعن بعدم دستورية نص في القانون او اللائحة مطالبين بإصدار قرار بعدم قبول طلب التفسير.
وحضر عن الحكومة من «الفتوى والتشريع» المحامون جمال الجلاوي وصلاح الماجد وعلي مناور والذين طالبوا بتفسير المواد (100 و123 و127) من الدستور وهو انه يجوز للمحكمة الدستورية بتفسيرها لوجود قيد الاختصاص ولإزالة الخلاف والتباين في الآراء حول تلك المواد من الدستور وما يرتبط بها من نصوص دستورية اخرى ولتلتزم به جميع السلطات العامة في الدولة ضمانا لوحدة التطبيق واستقراره، وتكون حقوق وواجبات كل من اعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية محددة وواضحة ما يجعل التعاون بينهما قائما على اساس متين من الشرعية الدستورية.
وأكد النائب عبد الله الرومي انه لا يجوز للمحكمة الدستورية التعرض او التصدي لاستجواب رئيس الوزراء وان هذا هروب من المواجهة والرقابة، ونطلب حجز استجواب رئيس الوزراء للحكم.
وأضاف ان الحكومة تحاول تهميش دور مجلس الامة بلجوئها الى المحكمة الدستورية، وشدد على عدم اختصاص المحكمة بنظر تفسير الاستجواب «هذا تنقيح لنصوص مواد الدستور».
وذكر النائبان الحريتي والرومي انه تقدم مجلس الوزراء بطلب الى المحكمة الدستورية لتفسير مواد الدستور المشار اليها بمناسبة الاستجواب المقدم الى المجلس بتاريخ 2011/5/10 من السيدين احمد عبد العزيز السعدون وعبد الرحمن فهد العنجري (نائبي مجلس الامة) ضد رئيس مجلس الوزراء، وذلك في ما يتعلق بما اذا كان يجوز دستوريا طرح هذا الاستجواب عن اعمال سابقة على تولي الاخير رئاسة مجلس الوزراء - في التشكيل الحالي بموجب المرسوم رقم (143) الصادر بتاريخ 2011/5/8 - قبل ان يُباشر اختصاصه، ام ان مسؤوليته لا تجوز الا عن الاعمال التي تلي رئاسته لمجلس الوزراء اعتبارا من تاريخ صدور مرسوم تشكيل الوزارة، وكذلك في ما يتعلق بنطاق وحدود مسؤولية كل من رئيس مجلس الوزراء ومسؤولية الوزراء بشأن الاختصاص المنوط بكل منهم، وهو الامر الذي يعني مسؤولية رئيس مجلس الوزراء امام مجلس الامة عن السياسة العامة للحكومة والاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة، ومسؤولية كل وزير عن اعمال وزارته دون رئيس مجلس الوزراء، وذلك تطبيقا للقاعدة الاصولية التي تُقرر بأن المسؤولية تدور مع السلطة والاختصاص وجودا وعدما.
ودفعا بعدم الاختصاص مستندين الى ان نص الدستور في المادة (173) منه على ان «يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، ويبين صلاحياتها والاجراءات التي تتبعها ويكفل القانون حق كل من الحكومة وذوي الشأن في الطعن لدى تلك الجهة في دستورية القوانين واللوائح. وفي حالة تقرير الجهة المذكورة عدم دستورية قانون او لائحة يعتبر كأن لم يكن». وهذه المادة هي التي استندت اليها المحكمة الدستورية باعتبارها المادة التي تمنحها حق تفسير نص الدستور والتي اثبتتها في نص قرارها الصادر في طلب التفسير المقدم لها والمقيد برقم (3) لسنة 1986 تفسير دستوري المقدم من وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء (والمؤيد بالقرار الصادر منها في طلب التفسير برقم (8) لسنة 2004) وانتهت فيه الى ان: «ولاية تفسير النصوص الدستورية قد اسندت الى المحكمة الدستورية وحدها، بأمر من المشرع الدستوري وإرادته في المادة 173 من الدستور، وما جاء في المذكرة التفسيرية الشارحة لها وليس من المشرع العادي ما لا يسوغ معه تعديل هذا الاختصاص او سلبه الا بنص دستوري معدل للنص الدستوري المقرر لذلك الاختصاص». وان ما انتهت اليه المحكمة في قرارها ليس حكما بل هو قرار صادر منها بموجب ما قررته لها المادة المذكورة من الحق في تفسير الطلبات المقدمة اليها الامر الذي لا يعتبر معه سابقة قضائية او حكما قضائيا استنفد طرق الطعن فيه، لا يجوز طرحه مرة اخرى، فالقرار يبنى على رأي من قرره وقد يتبدل بتغير مصدره. وبطرح نص المادة (173) التي استندت اليها المحكمة في اكتساب الاختصاص بتفسير النصوص الدستورية على بساط البحث نجد انها، اوردت ان القانون عين الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، وهذا يعني ان المشرع الدستوري عندما نص على ان القانون يعين الجهة التي تختص بالفصل يعني ان هناك دعوى ترفع للحكم في دستورية او عدم دستورية نص قانوني او لائحة.
وأشارا الى ان المشرع عندما نص في المذكرة التفسيرية على كلمة تفسير النصوص الدستورية كان يعني تفسيرها عند الطعن بعدم دستورية نص تشريعي... وبالرجوع الى ما اوردته المحكمة الدستورية في قرارها سالف البيان والذي ذهبت فيه الى انه «اذا كان الاختصاص بالفصل في الدستورية يقتضي ابتداء تفسير الدستور في الحالة المعروضة على المحكمة لبيان ما اذا كان النص التشريعي قد خالف الدستور ام لا» الا ان ذلك الاختصاص كما اوردته المادة (173) من الدستور لا يكون الا عند صدور قضائها بدستورية النصوص من عدمه فالتوسع الذي ذهبت اليه المحكمة في قرارها بذلك والذي جاء في اسباب قرارها ونصت عليه بالنص على انه «من باب اولى يكون للمحكمة الحق بالتفسير» يعني ان الحق الممنوح في تفسير النصوص التشريعية لم يرد فيه نص صريح، وانما ورد بخصوص الفصل في حالة واحدة هي عندما تنظر المحكمة الدستورية في طعن مقدم اليها تقضي فيه بمطابقته للدستور او عدم مطابقته له. فالقضاء بدستورية النص يقتضي ابتداء تفسير النص التشريعي ومطابقة للنص الدستوري وهذا ما ذهب اليه المشرع الدستوري في نص المادة (173) من الدستور وكذلك المذكرة التفسيرية لها.
فضلاً عما تقوم به المحكمة الدستورية في تفسير لنصوص الدستور دون ان يكون ذلك مطروحاً في طعن دستوري مقدم اليها يتيح لها فرصة تنقيح هذه النصوص الدستورية وهي نصوص جامدة لايمكن ان تمتد اليها يد التنقيح سواء بالتعديل او الحذف او الاضافة حتى يمكن معه تفسيرها الا وفق ما نصت عليه المادة (174) من الدستور، والتي اعطت هذا الحق للأمير ولثلث اعضاء مجلس الامة وذلك حتى لايكون الدستور عرضة للعبث به ويكون وفق ما قصده المشروع الدستوري، الامر الذي يعني معه ان ما ذهبت اليه المحكمة الدستورية، في طلب التفسير سالف البيان من انها قد اكتسبت حقاً في اصدار قرارات في ما يقدم اليها من طلبات التفسير تبعاً لاختصاصها الاصيل بالرقابة على دستورية التشريعات يخالف نص المادتين (173، 174) من الدستور كما انه يخالف نص المادة (50) من الدستور والتي نصت على ان يقوم «نظام الحكم على اساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لاحكامه، ولايجوز لاي سلطة منها النزول عن كل او بعض اختصاصها المنصوص عليه فيه»، ونص المادة (51) من الدستور على ان السلطة التشريعية يتولاها الامير ومجلس الامة، وكما سبق ان اوضحنا فان ما تقوم به المحكمة الدستورية من اصدار قرارات في طلبات التفسير يتيح لها تنقيح نصوص الدستور بمعنى سلب اختصاص الامير واعضاء مجلس الامة وهم اصحاب الصفة بالقيام بما يحتاجه الدستور من تنقيح لازالة اي غموض او لبس قد يعتريه النص الدستوري الامر الذي قد يؤدي الى النيل من مبدأ الفصل بين السلطات وهو ما يتعارض ونصوص الدستور.
وأكد انه مما تقدم يبين ان المحكمة الدستورية لا اختصاص لها - في صحيح الدستور - بنظر طلبات تفسير نصوص الدستور مجردة دون ان تكون مرتبطة بمنازعة قضائية للطعن بعدم دستورية نص في القانون او اللائحة.
وتساءلا هل يجوز طرح استجواب ضد رئيس مجلس الوزراء عن اعمال سابقة على توليه رئاسة مجلس الوزراء في التشكيل الحالي للوزارة بموجب مرسوم تشكيل الوزارة؟ ام ان مسؤولية رئيس مجلس الوزراء عن تلك الأعمال لا تبدأ الا عن الأعمال التي تلي رئاسته لمجلس الوزراء اعتباراً من تاريخ صدور مرسوم تشكيل الوزارة.
وقد اجاب القرار التفسيري الصادر بجلسة 9/ 10/ 2006، عن هذا السؤال بالقول بأنه «لايجوز استجواب الوزير عن الاعمال السابقة التي صدرت منه قبل توليه الوزارة التي يحمل حقيبتها اياً كانت صفته وقت صدورها، ويضيف القرار في حيثياته ان (الاختصاص في المجال الدستوري كشأن الاختصاص في المجال الاداري يقوم على اربعة عناصر والعنصر الزمني مقتضاه ان تكون الاعمال والتصرفات المراد استجواب الوزير عنها قد صدرت منه او من احد الاشخاص التابعين له بصفته هذه خلال فترة ولايته للوزارة التي يحمل حقيبتها والتي تبدأ منذ تعيينه وزيراً لها وتستمر حتى تنتهي بانتهاء عمله بها لاي سبب كان يفضي الى زوال صفته الوزارية).
وما انتهت اليه المحكمة الدستورية في هذا الشأن يسري على الوزير وعلى رئيس مجلس الوزراء على حد سواء: تفسير المواد (100، 123، 127) من الدستور، وهل تعني توجيه الاسئلة البرلمانية وطرح الاستجوابات ضد رئيس مجلس الوزراء عن كل او بعض الاعمال والتصرفات الداخلة في نطاق الاختصاصات المحددة لكل من وزارات الدولة المبينة في الدستور والقوانين واللوائح وفي مرسوم انشاء كل منها حتى لو تعلق السؤال البرلماني او الاستجواب في شأنها بمحور واحد او عدة محاور قد تدخل في نطاق اختصاص وزارة واحدة او عدة وزارات لا يتصل اي منها او جميعها بالسياسة العامة للحكومة او تدخل في نطاق الاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة».
واشار الى القرار التفسيري الصادر بجلسة 9/ 10/ 2006، على هذا السؤال بوضوح عندما قرر ما يلي: «لما كان اختصاص رئيس مجلس الوزراء يقتصر نطاقه على رئاسة مجلس الوزراء والاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة دون ان يتولى اي وزارة، كما لا يطرح في مجلس الامة موضوع الثقة به وفقاً لما نصت عليه الفقرة الاولى من المادة (102) من الدستور، فان المسؤولية السياسية انما تقع بصفة اساسية على عاتق الوزراء فرادى بخلاف المسؤولية التضامنية لرئيس مجلس الوزراء والوزراء جميعاً عن المسائل المتعلقة بالسياسة العامة للدولة، وهي تلك المسائل التي لاهميتها كانت موضوع بحث مجلس الوزراء او ان من المفروض فيها ان تكون موضوع بحثه».
و«يحق لعضو مجلس الامة توجيه الاستجواب الى الوزير عن الامور الداخلة في اختصاصاته واعمال وزارته وتنفيذه للسياسة العامة فيها واتجاهات الوزارة والاشراف على تنفيذها حسبما دل على ذلك صريح عبارة الفقرة الاولى لكل من المادتين (100، 101) من الدستور، بالترابط مع ما تقرره المادة (130) من الدستور».
وهكذا حددت المحكمة الدستورية نطاق مسؤولية كل من رئيس مجلس الوزراء والوزير.
ولايقر القرار التفسيري التفرقة التي ذهب اليها طلب التفسير من التفرقة بين (السياسة العامة للدولة) و(السياسة العامة للحكومة)، بل قرر بعبارة واضحة وحاسمة ان المسائل المتعلقة بالسياسة العامة للدولة هي (تلك المسائل التي لاهميتها كانت موضوع بحث مجلس الوزراء او ان من المفروض فيها ان تكون موضوع بحثه).
واشار الى ان الطلب يستهدف تفسير المواد (100، 123، 127، 130) من الدستور.
وهذه المواد جميعاً سبق للمحكمة الدستورية تفسيرها في القرار الصادر بجلسة 9/ 10/ 2006، في الطلب رقم (8) لسنة 2004، وهو ما يظهر من مراجعة الحيثيات التي انبنى عليها هذا القرار.
ولامجال للقول كما ذهب طلب التفسير بأنه ليس من شأن قيام المحكمة بتفسير نص دستوري ما يحول دون قيامها بتفسير ذات النص في اطار نصوص اخرى تتصل به في تطبيقات مختلفة ومتنوعة، ذلك ان تفسير النص من المفروض ان يكون واحداً اياً كانت التطبيقات التي يرد عليها، فالتفسير الذي انتهت اليه المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري السابق من المفروض ان يسري على مختلف الاستجوابات التي توجه الى الوزراء والى رئيس مجلس الوزراء، ذلك ان الاسئلة التي سبق ان طرحت على المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم (8) لسنة 2004، هي ذاتها التي يطرحها طلب التفسير الحالي رقم (10) لسنة 2011، والنصوص الدستورية التي تطلب الحكومة تفسيرها الآن هي ذاتها التي سبق ان طلبت تفسيرها.
وعلى ضوء التفسير الذي تضمنه القرار السالف ذكره انتهت المحكمة الدستورية، في ما يختص بالامور المطروحة في طلب التفسير الماثل إلى انه لما كان اختصاص رئيس مجلس الوزراء يقتصر نطاقه على رئاسة جلسات مجلس الوزراء والاشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة دون ان يتولى اي وزارة، كما لا يطرح في مجلس الامة موضوع الثقة به (المادة 102 من الدستور)، فان المسؤولية السياسية انما تقع بصفة اساسية على عاتق الوزراء فرادجي، كل عن اعمال وزارته، بخلاف مسؤولية السياسة العامة للحكومة والاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة فتقع على عاتق رئيس مجلس الوزراء.
والمحكمة الدستورية تؤكد في اكثر من موضع انها تضع التفسير الصحيح للنص الدستوري كما تنتهي اليه، ولا تتطرق لتطبيقه على الوقائع محل البحث، ففي القرار التفسيري رقم 2002/10 الصادر بجلسة 2003/2/2، تذكر المحكمة في نهايته ان (ولاية هذه المحكمة في تفسير النصوص الدستورية لا تنبسط إلا على ما كان منصرفا الى النصوص المطلوب تفسيرها دون ان يتعدى ذلك الى الخوض في تطبيق تلك النصوص على الواقع الماثل المنوط بالسلطة المختصة اعماله وإنفاذ حكم الدستور عليه في ضوء ما استظهرته هذه المحكمة من صحيح الامر في تفسيره)، كما جاء في القرار التفسيري رقم 8 لسنة 2004 انه (إذا كانت هذه المحكمة قد اعملت دلالتها وباشرت اختصاصها بنظر طلب تفسير النصوص الدستورية سالفة الذكر وبينت ولايتها وحقيقة المقصود منها فانها تقف عند هذا الحد دون التطرق الى بيان الحكم الدستوري لتلك النصوص بالنسبة الى الوقائع والموضوعات التي كانت محلا للاستجواب في شأنها لا نحسار هذا الامر عن ولايتها).
ولما كان ما تقدم وكان البين منه ان الحكم الدستوري السابق قد تكفل بتفسير مواد الدستور المطلوب تفسيرها بطلب التفسير المطروح في ضوء المواد المرتبطة بها في الدستور وفي اللائحة الداخلية لمجلس الامة، وارسى بشأنها المبادئ السالف ذكرها وهي ذاتها التي كانت محلا لاستفسارات مجلس الوزراء من المحكمة الدستورية والغرض من تقديم طلب التفسير الراهن، ومن ثم فان هذا الطلب يكون غير مقبول، ولا ينال من ذلك ان المحكمة الدستورية يجوز لها تفسير نص دستوري سبق لها تفسيره اذ ان ذلك مشروط بان يكون طلب التفسير الجديد على ضوء مواد لم يسبق للحكم السابق ان تعرض لها في قضائه، وهو الامر المفتقد في طلب التفسير الراهن، ذلك ان البين من هذا الطلب انه ذاته الذي سبق ان تعرض له الحكم السابق في بعض قضائه واجاب فيه عن استفسارات مجلس الوزراء في طلب التفسير المطروح وبالتالي يكون هذا الطلب غير مقبول، لذلك يطلب المجلس اصدار قرار المحكمة بعدم قبول طلب التفسير.
وتقدمت الحكومة بمذكرة ذكرت فيها مبررات طلب التفسير وجاء فيها انه بتاريخ 2011/5/10 تقدم كل من نائبي مجلس الامة احمد عبدالعزيز السعدون وعبدالرحمن فهد العنجري باستجواب ضد سمو رئيس مجلس الوزراء، يتكون من اربعة محاور هي:
1- الادعاء بالفشل في تأسيس الشركات المساهمة العامة التي تضمنتها الخطة الانمائية للسنوات 2011/2010 - 2014/2013 لتنفيذ المشروعات التنموية الاستراتيجية والقائدة للخطة.
2- الادعاء بالتفريط في املاك الدولة العقارية والتنازل عنها وتمليكها بشروط واجراءات لا تتفق واحكام الدستور والقوانين المعمول بها وعدم اتخاذ الاجراءات الكفيلة باسترداد حقوق الدولة.
3- الادعاء بتهاون الحكومة في القيام بمسؤوليتها بحماية مصالح الدولة وتفريطها في المال العام في شركة (زين) باعتبار الدولة المساهم الاكبر بنسبة بلغت 27.618 في المئة.
4- الادعاء بفشل الحكومة في الالتزام باشتراطات التصرف بالتعويضات عن خسائر العدوان العراقي بشأن اعادة تأهيل البيئة علاوة على فشلها باتخاذ الاجراءات اللازمة للتصدي للعديد من قضايا التلوث البيئي.
ونظرا لانه بدراسة الاستجواب المشار اليه يبين انه يخالف احكام الدستور وذلك لتضمنه موضوعات تخرج عن الاختصاص الدستوري لسمو رئيس مجلس الوزراء فضلا عن ان موضوعات الاستجواب جميعها سابقة على تشكيل الحكومة الحالية والتي صدر بتشكيلها المرسوم رقم 143 لسنة 2011 بتاريخ 2011/5/8 وقدم الاستجواب بتاريخ 2011/5/10 وقبل ان يباشر سمو رئيس مجلس الوزراء اختصاصاته.
وحرصا من مجلس الوزراء على ايجاد تفسير واضح لاحكام الدستور يزيل الخلاف حول تفسير مواد الدستور المشار اليها في ما بعد والعمل على تطبيقها تطبيقا سليمان، وان تكون ممارسات الاستجواب منضبطة باحكام الدستور واللائحة لاداخلية لمجلس الام.
فقد اصدر المجلس قراره رقم 600 التالي:
تكليف ادارة الفتوى والتشريع باعداد طلب الى المحكمة الدستورية لتفسير المواد (100، 123، 127) من الدستور والمواد المرتبطة بها.
ونتناول في ما يلي المبادئ العامة في تفسير النصوص الدستورية ثم نعرض للمسائل التي يثيرها هذا الاستجواب ورأي مجلس الوزراء بشأنها وأسانيدة في ذلك المبادئ العامة للتفسير
أولا: تفسير النص الدستوري في نطاق بقية النصوص الدستورية:
جرى قضاء المحكمة الدستورية على أن:
من المسلم به - كأصل عام - انه وان كان لكل نص مضمون مستقل إلا ان ذلك لا يعزله عن بقية النصوص الاخرى، بل يتعين ان يكون تفسيره متساندا معها، وذلك بفهم مدلوله على نحو يقيم بينها التوافق، وينأى بها عن التعارض، وبالنظر تاليها بوصفها وحدة واحدة، متآلفة في ما بينها، متجانسة معانيها، متضافرة مراميها، يكمل بعضها بعضا، بما لا ينفلت معها متطلبات تطبيقها، او يحيد بها عن الغاية المقصودة منها، فالنصوص لا تفهم معزولة بعضها عن بعض، انما تتأتى دلالة اي منها في ضوء ما تفيده دلالة النصوص الاخرى من معان شاملة.
ثانيا: جواز قيام المحكمة الدستورية بتفسير نص دستوري سبق لها تفسيره:
جرى قضاء المحكمة الدستورية على أنه:
ليس من شأن قيام المحكمة بتفسير نص دستوري على ضوء نصوص معينة وردت بالدستور ما يحول دون قيامها بتفسير ذات النص في اطار نصوص اخرى تتصل به في تطبيقات مختلفة ومتنوعة، اذ لا يعدو ذلك تفسيرا مكملا لتفسيرها السابق، فيعتبر جزءا منه لا ينفك عنه، وفي اتصال مفاده ما يحمله النص من معان في اطار النصوص التي جرى تفسيره على ضوئها، بمراعاة موضع النص من سياق تلك النصوص التي تتكامل معه محددة معانيه ومراميه.
(راجع قرارها في طلب التفسير رقم 3 لسنة 2004 تفسير دستوري الصادر بجلسة 2005/4/11)
وعرض المحامون للمسائل التي يثيرها الاستجواب المشار اليه ورأى مجلس الوزراء بشأنها
المسألة الاولى
والاسانيد الدستورية والقانونية المؤيدة لرأي مجلس الوزراء
هل يجوز طرح استجواب ضد رئيس مجلس الوزراء عن اعمال سابقة على توليه رئاسة مجلس الوزراء في التشكيل الحالي للوزارة بموجب مرسوم تشكيل الوزارة؟ ام ان مسؤولية رئيس مجلس الوزراء عن تلك الاعمال لا تبدأ إلا عن الاعمال التي تلي رئاسته لمجلس الوزراء اعتبارا من تاريخ صدور مرسوم تشكيل الوزارة؟
رأي الحكومة
انه التزاما بقيد الاختصاص الزمني ومؤداه عدم جواز مساءلة سمو رئيس مجلس الوزراء بتقديم استجواب إلا عن الاعمال اللاحقة لتاريخ صدور مرسوم تشكيل الوزارة المنوه عنه.
اسانيد الحكومة
استقر قضاء المحكمة الدستورية على انه (لا يجوز استجواب الوزير عن الاعمال السابقة التي صدرت منه قبل توليه الوزارة التي يحمل حقيبتها ايا كانت صفته وقت صدورها، كما لا يجوز استجواب الوزير عن الاعمال السابقة التي صدرت من وزير اخر او من الوزراء السابقين الذين تولوا الوزارة قبل تعيين الوزير المراد استجوابه وزيرا لها، متى كانت هذه الاعمال السابقة قد تمت ولم تستمر في عهده (راجع قرار المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم 8 لسنة 2004 تفسير دستورية بجلسة 2006/10/9).
واذ كان ذلك بصدد مسؤولية الوزراء عن اعمالهم الوزارية فإنه يسري ومن باب اولى على مسؤولية سمو رئيس مجلس الوزراء امام مجلس الامة لعدم وجود اي سبب للمغايرة في هذا الحكم بينهم.
المسألة الثانية
والأسانيد الدستورية والقانونية المؤيدة لهذا الرأي
تفسير عبارة (الامور الداخلة في اختصاصاتهم) الواردة في صلب المادة 100 من الدستور، مع بيان قصد المشرع الدستوري بالعبارات التالية الواردة في المادة 123 من الدستور: (هيمنة مجلس الوزراء على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها ويشرف على سير العمل في الادارات الحكومية).
والعبارات التالية الواردة في المادة 127 من الدستور، (يتولى رئيس مجلس الوزراء رئاسة جلسات المجلس، والاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة).
فهل تعني هاتان العبارتان جواز تحريك وسائل الرقابة البرلمانية، بما فيها توجيه الاسئلة البرلمانية وطرح الاستجوابات ضد رئيس مجلس الوزراء عن كل او بعض الاعمال والتصرفات الداخلة في نطاق الاختصاصات المحددة لكل من وزارات الدولة المبينة في الدستور والقوانين واللوائح وفي مرسوم انشاء كل منها، حتى لو تعلق السؤال البرلماني او الاستجواب في شأنها بمحور واحد او عدة محاور تدخل في نطاق اختصاص وزارة واحدة او عدة وزارات، لا يتصل اي منها او جميعها بالسياسة العامة للحكومة او تدخل في نطاق الاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة.
ام انه طالما ان المشرع الدستوري قد حمل كل وزير المسؤولية امام مجلس الامة عن اعمال وزارته كصريح نص المادة 1،101 من الدستور، وناط به الاشراف على شؤون وزارته والقيام بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها بناء على نص المادة 130 من الدستور، وحظر على رئيس مجلس الوزراء تولي اي وزارة طبقا لحكم المادة 102 من الدستور، فإن العبارتين المشار اليهما في المادتين 123 و127 من الدستور تعنيان قصر مسؤولية رئيس مجلس الوزراء امام مجلس الامة على السياسة العامة للحكومة والاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة، نزولا على صراحة النصوص الدستورية السابقة المتعلقة بالنظام العام وتطبيقا للقاعدة الاصولية بأن لا مسؤولية من دون سلطة او اختصاص، ومن ثم تنحصر المسؤولية عن اعمال كل وزارة امام المجلس التشريعي في الوزير الذي يحمل حقيبتها، دون رئيس مجلس الوزراء، باعتبار ان الدستور قد اعتبر ان المسؤولية الفردية للوزراء، كل عن اعمال وزارته امام مجلس الامة هو الاصل العام، وان مساءلة رئيس مجلس الوزراء امام هذا المجلس استثناء لا يجوز التوسع فيه، وبالتالي لايجوز تحريك كافة وسائل الرقابة البرلمانية المنوه عنها ضد رئيس مجلس الوزراء عن كل أو بعض الأعمال والتصرفات التي تدخل في نطاق الاختصاصات المحددة للوزارات المختلفة. سواء تعددت تلك الأعمال والتصرفات أو لم تتعدد، مادامت الوسيلة الرقابية الموجهة ضد رئيس مجلس الوزراء قد اقتصرت على ادراج محور واحد أو جمعت محاور عدة تعلق كل منها بأمر يدخل في نطاق اختصاص محدد لوزارة معينة طبقاً لأحكام الدستور أو القوانين أو مرسوم إنشائها، ولا يتصل بالسياسة العامة للحكومة أو بالاشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة، إذ تعتبر تلك المحاور بأوصافها السابقة خارجة جميعا عن نطاق الاختصاص الدستوري لرئيس مجلس الوزراء، وداخلة في نطاق الاختصاص الدستوري للوزير ذي الشأن بها. بما لا يجوز مساءلة رئيس مجلس الوزراء عنها أمام المجلس النيابي. ويضحى تحريك الوسائل الرقابية المطروحة، خصوصا الاستجواب، بشأن أي من هذه المحاور أو جميعها تصرفا مخالفا لأحكام الدستور، لتعارضه مع قواعد الاختصاص الدستورية المتعلقة بالنظام العام، وخروجا على أحكام الدستور، وتنقيحا له بغير الإجراءات والقواعد والضوابط المحددة في المادة (174) من الدستور، الأمر الذي يجعل تحريك الوسيلة الرقابية في تلك الأحوال تصرفا باطلا ومعدوم الآثار والنتائج من الناحية الواقعية والقانونية.
رأي مجلس الوزراء في المسألة الثانية
يرى مجلس الوزراء أنه طالما أن المشرع الدستوري قد حمل كل وزير المسؤولية أمام مجلس الأمة عن أعمال وزارته كصريح نص المادة (1/101) من الدستور، وناط به الاشراف على شؤون وزارته والقيام بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها بناء على نص المادة (130) من الدستور، وحظر على رئيس مجلس الوزراء تولي أي وزارة طبقاً لحكم المادة (102) من الدستور، فإن العبارتين المشار اليهما في المادتين (123 و127) من الدستور تعنيان قصر مسؤولية رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الأمة على الاشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة، نزولا على صراحة النصوص الدستورية السابقة المتعلقة بالنظام العام، وتطبيقا للقاعدة الأصولية بألا مسؤولية من دون سلطة أو اختصاص.
ومن ثم تنحصر المسؤولية عن أعمال كل وزارة أمام المجلس التشريعي في الوزير المختص الذي يحمل حقيبتها، دون سمو رئيس مجلس الوزراء. باعتبار ان الدستور قد اعتبر المسؤولية الفردية للوزراء كل عن أعمال وزارته أمام مجلس الأمة هو الأصل العام، وان مساءلة سمو رئيس مجلس الوزراء أمام هذا المجلس هو استثناء لا يجوز التوسع فيه، وبالتالي لا يجوز تحريك جميع وسائل الرقابة البرلمانية بما فيها الأسئلة البرلمانية والاستجوابات ضده عن كل أو بعض الأعمال أو التصرفات التي تدخل في نطاق الاختصاصات المحددة للوزارات المختلفة، سواء تعددت تلك الأعمال والتصرفات أو لم تتعدد، مادامت الوسيلة الرقابية الموجهة ضد سمو رئيس مجلس الوزراء قد اقتصرت على ادراج محور واحد أو جمعت محاور عدة تعلق كل منها بأمر يدخل في نطاق اختصاص محدد لوزارة معينة طبقا لأحكام الدستور والقوانين ومرسوم إنشائها ولا يتصل بالسياسة العامة للحكومة أو بالاشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة، ولم يكن محلا لقرار إداري نهائي من مجلس الوزراء، واقتصر الحال فيه على مجرد عرضه على هذا المجلس حتى يحاط بكل ما يجري في الدولة من جانب لوزير أو الوزراء المختصين بالأمر المعروض. إذ تعتبر تلك المحاور بأوصافها السابقة خارجة جميعا عن نطاق الاختصاص الدستوري لسمو رئيس مجلس الوزراء، وداخلة في نطاق الاختصاص الدستوري للوزير ذي الشأن بها. بما لا يجوز مساءلة سمو رئيس مجلس الوزراء عنها أمام المجلس النيابي، ويضحى تحريك الوسائل الرقابية المطروحة، خصوصا الاستجواب، بشأن أي من هذه المحاور أو جميعها تصرفا مخالفا لأحكام الدستور: لتعارضه مع قواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام، وخروجا على أحكام الدستور وتنقيحا له بغير الاجراءات والقواعد والضوابط المحددة في المادة (174) من الدستور، الأمر الذي يجعل تحريك الوسيلة الرقابية في تلك الأحوال تصرفا باطلا ومعدوم الآثار والنتائج من الناحية الواقعية والقانونية.
أسانيد مجلس الوزراء
أولاً: وجود قيد الاختصاص والالتزام بنطاقه:
أ - صراحة نصوص الدستور:
فالثابت أن المادة (1/100) من الدستور قد قصرت حق عضو مجلس الأمة في توجيه الاستجواب صراحة على الأمور الداخلة في اختصاصات كل من رئيس مجلس الوزراء والوزراء.
كما وان المادة (1/101) من الدستور قد نصت بدورها صراحة على أن مسؤولية الوزير أمام مجلس الأمة تكون عن أعمال وزارته، أي تلك التي نص المشرع على اعتبارها داخلة في اختصاصات الوزارة التي يحمل الوزير المستجوب حقيبتها.
فضلا عن ان المادة (130) من الدستور قد نصت صراحة هي الأخرى على أن اشراف الوزير وتنفيذه لسياسة الحكومة، ورسم الاتجاهات فيها إنما يكون قاصرا على الوزارة التي يحمل حقيبتها.
متى كان ذلك وكان المقرر في قضاء محكمة التمييز - وطبقا لأصول تفسير النصوص - انه متى كان النص واضحا جلي المعنى فلا يجوز الخروج عليه أو الانحراف عنه بدعوى الاستهداء بالحكمة التي أملته لأن ذلك لا يكون إلا عند غموض النص أو وجود لبس فيه.
كما وقضت ذات المحكمة بأن:
من المقرر أن القاضي مطالب أساسا بالرجوع إلى نص القانون ذاته وإعماله على واقعة الدعوى في حدود عبارة النص، فإذا كانت واضحة الدلالة فلا يجوز الأخذ بما يخالفها أو تقييدها، لما في ذلك من استحداث لحكم مغاير لمراد المشرع عن طريق التأويل.
من ثم يتعين الأخذ بصراحة عبارات النصوص الدستورية الثلاثة السابقة والتقرير باطمئنان كامل بوجود قيد الاختصاص. ومن ثم يجب على عضو مجلس الأمة مراعاة هذا القيد لدى طرح استجوابه، بأن يكون عن وقائع تدخل في نطاق الاختصاصات التي حددها وأناطها المشرع برئيس مجلس الوزراء أو بالوزير المستجوب دون غيرها.
ب- اجماع الفقه الدستوري على مبدأ التلازم بين الاختصاص والمسؤولية:
1- يقول الدكتور رمزي طه الشاعر:
تعد المسؤولية الوزارية حجر الزاوية في النظام البرلماني، ويقصد بها ذلك الحق الذي يخول البرلمان سحب الثقة من أحد الوزراء أو من هيئة الوزارة كلها، متى كان التصرف الصادر من الوزير أو من الحكومة مستوجباً للمساءلة.
وقد تكون هذه المسؤولية تضامنية، وذلك في حالة ما إذا كان التصرف الموجب للمسؤولية خاصاً بالسياسة العامة للوزارة، كما قد تكون مسؤولية فردية لا تمس إلا وزيراً معيناً، وذلك في حالة ما يكون التصرف الموجب للمسؤولية خاصاً بأمر يتعلق بوزارة معينة أو بمصلحة من مصالحها.
2- ويقول الدكتور سعد عصفور:
فمن المسلم أن التلازم بين السلطة والمسؤولية يمثل ضمانة جدية لممارسة السلطة في إطار ديموقراطي. فالسلطة بلا مسؤولية تشكل استبداداً محققاً، والمسؤولية بلا سلطة تشكل ظلماً محققاً أيضاً.
3- ويقول الدكتور محمد باهي أبويونس:
فطالما لا يوجد اختصاص ولا سلطة فلا تكون ثمة مسؤولية، وما دامت المسؤولية منتفية فلا يكون هناك محل لإثارة الاستجواب.
4- ويقول الدكتور جابر جاد نصار:
فالاستجواب مساءلة واتهام بسوء التصرف أو مخالفة الدستور والقانون، ومن ثم يبقى من المنطقي حتى يقبل هذا الاستجواب ان يقع في دائرة اختصاص الحكومة زمانياً وإمكانياً. فمناط مساءلة الحكومة جميعها أو أحد افرادها عن عمل معين هو اختصاصها بهذا العمل.
ج- السوابق البرلمانية المؤكدة لوجود قيد الاختصاص:
فقد سبق لأحد أعضاء مجلس الأمة في الكويت أن قدم استجواباً لوزير العدل عن أمور تدخل في اختصاص النيابة العامة وتخرج بالتالي عن اختصاص الوزير المذكور.
فتمسكت الحكومة بعدم دستورية الاستجواب لمساسه باستقلال القضاء ولخروجه عن نطاق اختصاص وزير العدل، وأيد مجلس الأمة وجهة نظر الحكومة السابقة، وقرر استبعاد الاستجواب على أساس ان المسؤولية مناطها السلطة (الاختصاص).
وفي مصر: قدم أحد أعضاء مجلس الشعب استجواباً للحكومة حول ما أحاط انتخابات مجلس الشعب من سلبيات وضغوط بقصد التأثير على نتيجة الانتخابات، وما أسفرت عنه من حصول الحزب الوطني المنحل على أغلبية 82 في المئة من مقاعد مجلس الشعب. وأشار في استجوابه الى ان الحكومة قد تمكنت من بلوغ تلك النتيجة عن طريق استصدار القانون رقم 114 لسنة 1983 وضعت فيه ضوابط تحقق أغلبية صورية لا تمثل حقيقة الواقع. وقد وافق مجلس الشعب على استبعاد الاستجواب لاسباب من ضمنها مخالفته لأحكام المادة (125) من الدستور والمادة (159) من اللائحة الداخلية للمجلس، باعتبار أن صدور قانون من مجلس الشعب يخرج عن نطاق اختصاص الحكومة وبالتالي لا تسأل عنه أمام المجلس.
د- اعتناق القضاء الدستوري للمبدأ:
قضت المحكمة الدستورية بأنه:
وطبقاً للنظم الدستورية فإن السلطة توجب المسؤولية وتنتجها لزوماً فهي كالظل الظليل لا تبعد عنها ولا تفارقها، فالذي يباشر السلطة يجب أن يكون مسؤولاً عن مباشرتها، والذي يسأل يجب أن يكون صاحب سلطة واختصاص بما يخوله قانوناً القدرة على القيام بإجراء أو اتخاذ تصرف معين، وعلى خلاف ذلك فإن عدم الاختصاص يؤدي الى انعدام القدرة قانوناً على الاتيان بهذا الاجراء أو التصرف، وبالتالي فلا مسؤولية بلا سلطة أو اختصاص، والاختصاصات في المجال الدستوري وان كانت تفترق عن الاختصاصات في المجال الاداري بالنظر الى أن مصدر الأولى هو الدستور، بينما يتردد مصدر الأخيرة بين القانون واللوائح، إلا أنه يجمعهما أنهما ينتسبان معاً الى مبادئ القانون العام الذي شرع الاختصاص لوضع قواعد آمره ملزمة للادارة تحقيقاً للمصلحة العامة.
ومن كل ما سبق يتضح أن وجود قيد الاختصاص ثابت من صراحة نصوص الدستور وإجماع الفقه الدستوري والسوابق البرلمانية وقضاء المحكمة الدستورية.
ثانياً: المذكرة التفسيرية للدستور حصرت اختصاصات رئيس مجلس الوزراء بقولها:
وفي مقابل الضمانات المقررة لرئيس مجلس الوزراء على النحو السابق وجب النص على ألا يتولى مع الرئاسة أي وزارة، وهو أمر له أهميته من ناحية سير العمل الحكومي، وبمراعاة ضخامة أعباء رياسة الوزارة في التوجيه العام للحكم، والتنسيق بين الوزارات واتجاهاتها وتحقيق رقابة ذاتية يمارسها رئيس مجلس الوزراء على الوزارات المختلفة، ما يضاعف أسباب الحرص على الصالح العام والتزام هذه الوزارات للحدود الدستورية والقانونية المقررة.
ثالثاً: ركز المشرع الدستوري وعوّل على المسؤولية الفردية للوزراء دون المسؤولية التضامنية للوزارة حتى يتفادى المناورات الحزبية للوصول الى الحكم، فقد ورد على لسان الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل عثمان، في محضر جلسة 20/ 62 يوم الثلاثاء 18 ربيع الثاني سنة 1382 هـ الموافق 18 سبتمبر سنة 1962 ميلادية للمجلس التأسيسي ما يأتي:
رأت اللجنة أن الكويت يجب أن تجمع في نظامها بين النظامين الرئاسي والبرلماني.
وفعلاً الدول الأخرى التي سبقت الكويت في هذا الشأن نظرت لتجارب العالم لتختار كل ما يناسبها قدر المستطاع. ووجدت اللجنة ان تأخذ بنظام وسط يأخذ من البرلمانية مزاياها وأفضل ما فيها ويأخذ من النظام الرئاسي أفضل ما فيه.. وأفضل ما في النظام البرلماني هو الشعبية التي تظهر فيما يسمونه بالمسؤولية الوزارية أمام البرلمان ومقابل هذا يكون رئيس الدولة رمزاً للاحترام والتقدير ويترفع عن المسؤوليات. ولذلك نصت المادة (54) على أن «الأمير رئيس الدولة وذاته مصونة لا تمس». ونصت المادة (55) على أن يتولى «الأمير سلطاته بواسطة وزرائه... وكذلك أخذنا بالقاعدة البرلمانية التي تقول ان رئيس الدولة فوق المسؤوليات ومن ثم نسبت المسؤولية الى الوزارة تسأل عنها أمام رئيس الدولة وامام مجلس الأمة مع مظاهر الرقابة البرلمانية المتعددة في حق اعضاء المجلس النيابي في توجيه الأسئلة والاستجوابات الى الوزراء ورئيس مجلس الوزراء، وحق المناقشة وغيره من مظاهر الشعبية البرلمانية. ولكن رغبة في تفادي عيوب الاسراف في استعمال هذه الحقوق البرلمانية، ورغبة كذلك في تحقيق قدر من الاستقرار الذي يمتاز به النظام الرئاسي والمحافظة على وحدة الأمة وهي مقدمة على أول تجربة دستورية، لذلك كله رأت اللجنة أن تضع بعض القيود على هذه الأسس أو الأصول البرلمانية فوضعت بعض البنود على المسؤولية الوزارة من حيث الأغلبية اللازمة والاجراءات الخاصة بإسقاط الوزير أو عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء. كما فضلت الالتقاء بمسؤولية الوزراء الفردية دون مسؤولية الوزارة التضامنية التي يتولد عنها التكتل للحزب للوصول إلى الحكم، كما جعل الوزراء المعينين من خارج المجلس أعضاء فيه، وفي هذه القيود وأمثالها ما سترونه حضراتكم في المواد المتفرقة من الدستور أرادت بها اللجنة المحافظة على وحدة الأمة والاستقرار الوزاري وكفالة التعاون بين الحكومة ومجلس الأمة. وهذا مزيج بنيت حكمته الدستورية من حيث تجارب الدول الأخرى الدستورية ومن حيث تخير أفضل صور الحكم في جملتها للكويت.
رابعاً: قضاء المحكمة الدستورية بقصر تحريك الاستجواب ضد رئيس مجلس الوزراء عن السياسة العامة للحكومة، وتحريك المسؤولية الفردية للوزراء كل عن أعمال وزارته وأن المسؤولية السياسية تقع بصفة أساسية على الوزراء فرادى، حيث قررت بالآتي:
والاستجواب يتضمن تحريك المسؤولية الوزارية بشأن السياسة العامة للحكومة أو سياسة الوزير الخاصة بوزارته، وأساس هذه المسؤولية تلك السلطات الواسعة والاختصاصات الكبيرة التي تجد أصلها في الدستور في ما يخوله للوزير لمباشرة أعمال وزارته وتصريف شؤونها، فقد نصت المادة (55) من الدستور على أن: «يتولى الأمير سلطاته بواسطة وزرائه) والقاعدة الواردة بهذا النص مستمدة من مبادئ النظام البرلماني، ومؤداها أن السلطات التي ترد في الدستور والمقررة لرئيس الدولة، إنما تمارس بواسطة الحكومة نظرا لعدم مسؤولية رئيس الدولة سياسيا عن أعماله، ما أصبح لزاما معه أن تلقى تبعة هذه الأعمال على الوزراء فيسألون سياسيا عنها، ولما كان اختصاص رئيس مجلس الوزراء يقتصر نطاقه على رئاسة جلسات مجلس الوزراء والاشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة دون أن يتولى أي وزارة، كما لا يطرح في مجلس الأمة موضوع الثقة به وفقاً لما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (102) من الدستور، فإن المسؤولية السياسية إنما تقع بصفة أساسية على عاتق الوزراء فرادى.
وإعمالاً لأحكام المسؤولية السياسية الفردية للوزراء فإنه يحق لعضو مجلس الأمة توجيه الاستجواب إلى الوزير عن الأمور الداخلة في اختصاصاته، وأعمال وزارته، وتنفيذه للسياسة العامة فيها واتجاهات الوزارة والاشراف على تنفيذها حسبما دل على ذلك صريح عبارة الفقرة الأولى لكل من المادتين (100 و101) من الدستور بالترابط مع ما تقرره المادة (130) من الدستور التي تقضي بأن يتولى كل وزير الاشراف على شؤون وزارته ويقوم بتنفيذ السياسة العامة فيها، وهذه الأحكام إنما تتسق في المقام الأول مع مبادئ النظام الديموقراطي الذي تبناه الدستور نظاماً وسطاً بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما حسبما هو مستفاد من نص المادة (6) من الدستور، وما جاء بمذكرته التفسيرية، وسلطة الوزير ذات طبيعة مزدوجة فهي سلطة حكم لكون الوزراء جميعا اعضاء في مجلس الوزراء الذي يهيمن على مصالح الدولة ويرسم السياسة العامة ويتابع تنفيذها ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية طبقا لما تنص عليه المادة (123) من الدستور، فهم مشاركون في مسؤولية الحكم، كما انها سلطة إدارة لأن الوزير يعتبر هو الرئيس الإداري الأعلى لوزارته، وبهذه الصفة يتمتع بجميع مظاهر السلطة الرئاسية عليها وما يتبعها من موظفين وإدارات و أجهزة ومرافق، ومن ثم فمن الطبيعي أن يتحمل تبعة الأخطاء الناشئة عن ادارته، وعن أعماله وتصرفاته المتعلقة بشؤون وزارته الداخلة في اختصاصاته، فيُسأل سياسيا أمام المجلس النيابي عن جميع الأعمال والتصرفات المخالفة للدستور أو القانون، الايجابية منها والسلبية، العمدية وغير العمدية، بوسائل الرقابة البرلمانية المقررة للسلطة التشريعية على أعمال السلطة التنفيذية بموجب أحكام الدستور وعمادها الاستجواب.
ولما كان ذلك، وكان الوزير لا يستمد سلطته القانونية، ولا يشغل مركزه إلا بناء على المرسوم الصادر بتعيينه، كما انه يستمد اختصاصاته الوزارية في الأصل من المرسوم المتعلق بتنظيم وزارته... إلخ.
(راجع قرار المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم 8 لسنة 2004 الصادر بجلسة 2006/10/9).
خامساً: تحديد المقصود بالسياسة العامة للحكومة:
(من المستقر عليه لدى كل من الفقه والقضاء الدستوريين أن رئيس الوزراء لا يسأل أمام المجلس النيابي إلا عن السياسة العامة للحكومة المشار اليها في المادتين (127 و130) من الدستور).
ومن ثم يتعين تحديد هذا الاصطلاح حتى يمكن تحديد الاختصاصات التي يُسأل عنها رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الأمة.
وقد أورد المشرع الدستوري عبارات متقاربة مع المصطلح السابق في المادة (58) من الدستور حين نص على أن: (رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولون بالتضامن أمام الأمير عن السياسة العامة للدولة، كما يسأل كل وزير أمامه عن أعمال وزارته).
بما قد يثير اللبس مع مصطلح السياسة العامة للحكومة الواردة في المادتين (127 و130) من الدستور المشار اليهما. والاتجاهات العامة للوزارة المنصوص عليها في المادة (130) من الدستور.
أما السياسة العامة للدولة: فهي تلك البرامج والخطط والاتجاهات والأهداف والغايات التي ينبغي على جميع سلطات الدولة العمل على تحقيقها والتي يتضمنها ويكشف عنها ويضعها الخطاب الأميري لحضرة صاحب السمو أمير البلاد في خطابه الأميري المشار اليه في المادة (104) من الدستور والذي يكشف فيه سموه للشعب وجميع سلطات الدولة أحوال البلاد وأهم الشؤون العامة التي جرت خلال العام المنقضي، وما تعتزم الحكومة اجراءه من مشروعات واصلاحات خلال العام الجديد، أما مشروع الجواب على الخطاب الأميري، فهو يتضمن تطلعات مجلس الأمة وأمانيه التي يرغب في رفعها لحضرة صاحب السمو لأخذها في الاعتبار - طبقاً للسلطة التقديرية لسمو الأمير - عند إعداد السياسة العامة الجديدة للدولة.
ويعتبر الخطاب الأميري وجواب الرد من مجلس الأمة بمثابة عمل متكامل يعبر بصدق عن تلاحم الحاكم متجسدا في سمو الأمير والمحكوم الذي يمثله مجلس الأمة في التعبير عن السياسة العامة للدولة والتي تشكل تطلعات الأمة ورأيها في جميع القضايا الداخلية والخارجية والذي تلتزم به جميع سلطات الدولة وتعمل على تنفيذها.
وأما السياسة العامة للحكومة: فهي في حقيقة الواقع تمثل الأهداف والقواعد العامة التي وضعها مجلس الوزراء ويسير على هديها الوزراء كل في مجال اختصاصه الدستوري والقانوني.
وترتيبا على ما تقدم فإنه إذا كان الخلل قد شاب عملا تنفيذيا من أعمال وزارة معينة فإن المسؤولية عنه تكون مسؤولية فردية للوزير المختص وحده دون غيره.
أما إذا كان العوار يتمثل في المبادئ والأهداف والقواعد التي وضعها مجلس الوزراء لكل الوزارات، ففي هذه الحالة تقع المسؤولية على رئيس مجلس الوزراء والوزراء لأنهم جميعا قد شاركوا في صنعها أو الموافقة عليها.
لذلك كله
كان تقديم مجلس الوزراء لطلب التفسير الماثل إلى المحكمة الموقرة لإزالة هذا الخلاف والتباين في الآراء حول تفسير المواد (100، 123، 127) من الدستور وما يرتبط بها من نصوص دستورية أخرى وبقانون اللائحة الداخلية لمجلس الأمة لتصدر قرارها الفاصل فيها حتى تلتزم به جميع السلطات العامة في الدولة، ضمانا لوحدة التطبيق واستقراره، سواء داخل كل سلطة فيها أو فيما بينها، وحتى تكون حقوق وواجبات كل من أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية محددة وواضحة، ما يجعل التعاون بينهما قائما على أساس متين من الشرعية الدستورية.
أجلت المحكمة الدستورية امس برئاسة المستشار فيصل المرشد طلب مجلس الوزراء بتفسير المواد (100 و123 و127) من الدستور بشأن الاستجواب المقدم الى سموه الى 19 يونيو المقبل للاطلاع من قبل «الفتوى والتشريع» والرد على النائبين حسين الحريتي وعبد الله الرومي الممثلين عن مجلس الامة.
ودفع الحريتي والرومي بعدم اختصاص المحكمة الدستورية بنظر طلبات تفسير نصوص الدستور مجردة دون ان تكون مرتبطة بمنازعات قضائية للطعن بعدم دستورية نص في القانون او اللائحة مطالبين بإصدار قرار بعدم قبول طلب التفسير.
وحضر عن الحكومة من «الفتوى والتشريع» المحامون جمال الجلاوي وصلاح الماجد وعلي مناور والذين طالبوا بتفسير المواد (100 و123 و127) من الدستور وهو انه يجوز للمحكمة الدستورية بتفسيرها لوجود قيد الاختصاص ولإزالة الخلاف والتباين في الآراء حول تلك المواد من الدستور وما يرتبط بها من نصوص دستورية اخرى ولتلتزم به جميع السلطات العامة في الدولة ضمانا لوحدة التطبيق واستقراره، وتكون حقوق وواجبات كل من اعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية محددة وواضحة ما يجعل التعاون بينهما قائما على اساس متين من الشرعية الدستورية.
وأكد النائب عبد الله الرومي انه لا يجوز للمحكمة الدستورية التعرض او التصدي لاستجواب رئيس الوزراء وان هذا هروب من المواجهة والرقابة، ونطلب حجز استجواب رئيس الوزراء للحكم.
وأضاف ان الحكومة تحاول تهميش دور مجلس الامة بلجوئها الى المحكمة الدستورية، وشدد على عدم اختصاص المحكمة بنظر تفسير الاستجواب «هذا تنقيح لنصوص مواد الدستور».
وذكر النائبان الحريتي والرومي انه تقدم مجلس الوزراء بطلب الى المحكمة الدستورية لتفسير مواد الدستور المشار اليها بمناسبة الاستجواب المقدم الى المجلس بتاريخ 2011/5/10 من السيدين احمد عبد العزيز السعدون وعبد الرحمن فهد العنجري (نائبي مجلس الامة) ضد رئيس مجلس الوزراء، وذلك في ما يتعلق بما اذا كان يجوز دستوريا طرح هذا الاستجواب عن اعمال سابقة على تولي الاخير رئاسة مجلس الوزراء - في التشكيل الحالي بموجب المرسوم رقم (143) الصادر بتاريخ 2011/5/8 - قبل ان يُباشر اختصاصه، ام ان مسؤوليته لا تجوز الا عن الاعمال التي تلي رئاسته لمجلس الوزراء اعتبارا من تاريخ صدور مرسوم تشكيل الوزارة، وكذلك في ما يتعلق بنطاق وحدود مسؤولية كل من رئيس مجلس الوزراء ومسؤولية الوزراء بشأن الاختصاص المنوط بكل منهم، وهو الامر الذي يعني مسؤولية رئيس مجلس الوزراء امام مجلس الامة عن السياسة العامة للحكومة والاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة، ومسؤولية كل وزير عن اعمال وزارته دون رئيس مجلس الوزراء، وذلك تطبيقا للقاعدة الاصولية التي تُقرر بأن المسؤولية تدور مع السلطة والاختصاص وجودا وعدما.
ودفعا بعدم الاختصاص مستندين الى ان نص الدستور في المادة (173) منه على ان «يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، ويبين صلاحياتها والاجراءات التي تتبعها ويكفل القانون حق كل من الحكومة وذوي الشأن في الطعن لدى تلك الجهة في دستورية القوانين واللوائح. وفي حالة تقرير الجهة المذكورة عدم دستورية قانون او لائحة يعتبر كأن لم يكن». وهذه المادة هي التي استندت اليها المحكمة الدستورية باعتبارها المادة التي تمنحها حق تفسير نص الدستور والتي اثبتتها في نص قرارها الصادر في طلب التفسير المقدم لها والمقيد برقم (3) لسنة 1986 تفسير دستوري المقدم من وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء (والمؤيد بالقرار الصادر منها في طلب التفسير برقم (8) لسنة 2004) وانتهت فيه الى ان: «ولاية تفسير النصوص الدستورية قد اسندت الى المحكمة الدستورية وحدها، بأمر من المشرع الدستوري وإرادته في المادة 173 من الدستور، وما جاء في المذكرة التفسيرية الشارحة لها وليس من المشرع العادي ما لا يسوغ معه تعديل هذا الاختصاص او سلبه الا بنص دستوري معدل للنص الدستوري المقرر لذلك الاختصاص». وان ما انتهت اليه المحكمة في قرارها ليس حكما بل هو قرار صادر منها بموجب ما قررته لها المادة المذكورة من الحق في تفسير الطلبات المقدمة اليها الامر الذي لا يعتبر معه سابقة قضائية او حكما قضائيا استنفد طرق الطعن فيه، لا يجوز طرحه مرة اخرى، فالقرار يبنى على رأي من قرره وقد يتبدل بتغير مصدره. وبطرح نص المادة (173) التي استندت اليها المحكمة في اكتساب الاختصاص بتفسير النصوص الدستورية على بساط البحث نجد انها، اوردت ان القانون عين الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، وهذا يعني ان المشرع الدستوري عندما نص على ان القانون يعين الجهة التي تختص بالفصل يعني ان هناك دعوى ترفع للحكم في دستورية او عدم دستورية نص قانوني او لائحة.
وأشارا الى ان المشرع عندما نص في المذكرة التفسيرية على كلمة تفسير النصوص الدستورية كان يعني تفسيرها عند الطعن بعدم دستورية نص تشريعي... وبالرجوع الى ما اوردته المحكمة الدستورية في قرارها سالف البيان والذي ذهبت فيه الى انه «اذا كان الاختصاص بالفصل في الدستورية يقتضي ابتداء تفسير الدستور في الحالة المعروضة على المحكمة لبيان ما اذا كان النص التشريعي قد خالف الدستور ام لا» الا ان ذلك الاختصاص كما اوردته المادة (173) من الدستور لا يكون الا عند صدور قضائها بدستورية النصوص من عدمه فالتوسع الذي ذهبت اليه المحكمة في قرارها بذلك والذي جاء في اسباب قرارها ونصت عليه بالنص على انه «من باب اولى يكون للمحكمة الحق بالتفسير» يعني ان الحق الممنوح في تفسير النصوص التشريعية لم يرد فيه نص صريح، وانما ورد بخصوص الفصل في حالة واحدة هي عندما تنظر المحكمة الدستورية في طعن مقدم اليها تقضي فيه بمطابقته للدستور او عدم مطابقته له. فالقضاء بدستورية النص يقتضي ابتداء تفسير النص التشريعي ومطابقة للنص الدستوري وهذا ما ذهب اليه المشرع الدستوري في نص المادة (173) من الدستور وكذلك المذكرة التفسيرية لها.
فضلاً عما تقوم به المحكمة الدستورية في تفسير لنصوص الدستور دون ان يكون ذلك مطروحاً في طعن دستوري مقدم اليها يتيح لها فرصة تنقيح هذه النصوص الدستورية وهي نصوص جامدة لايمكن ان تمتد اليها يد التنقيح سواء بالتعديل او الحذف او الاضافة حتى يمكن معه تفسيرها الا وفق ما نصت عليه المادة (174) من الدستور، والتي اعطت هذا الحق للأمير ولثلث اعضاء مجلس الامة وذلك حتى لايكون الدستور عرضة للعبث به ويكون وفق ما قصده المشروع الدستوري، الامر الذي يعني معه ان ما ذهبت اليه المحكمة الدستورية، في طلب التفسير سالف البيان من انها قد اكتسبت حقاً في اصدار قرارات في ما يقدم اليها من طلبات التفسير تبعاً لاختصاصها الاصيل بالرقابة على دستورية التشريعات يخالف نص المادتين (173، 174) من الدستور كما انه يخالف نص المادة (50) من الدستور والتي نصت على ان يقوم «نظام الحكم على اساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لاحكامه، ولايجوز لاي سلطة منها النزول عن كل او بعض اختصاصها المنصوص عليه فيه»، ونص المادة (51) من الدستور على ان السلطة التشريعية يتولاها الامير ومجلس الامة، وكما سبق ان اوضحنا فان ما تقوم به المحكمة الدستورية من اصدار قرارات في طلبات التفسير يتيح لها تنقيح نصوص الدستور بمعنى سلب اختصاص الامير واعضاء مجلس الامة وهم اصحاب الصفة بالقيام بما يحتاجه الدستور من تنقيح لازالة اي غموض او لبس قد يعتريه النص الدستوري الامر الذي قد يؤدي الى النيل من مبدأ الفصل بين السلطات وهو ما يتعارض ونصوص الدستور.
وأكد انه مما تقدم يبين ان المحكمة الدستورية لا اختصاص لها - في صحيح الدستور - بنظر طلبات تفسير نصوص الدستور مجردة دون ان تكون مرتبطة بمنازعة قضائية للطعن بعدم دستورية نص في القانون او اللائحة.
وتساءلا هل يجوز طرح استجواب ضد رئيس مجلس الوزراء عن اعمال سابقة على توليه رئاسة مجلس الوزراء في التشكيل الحالي للوزارة بموجب مرسوم تشكيل الوزارة؟ ام ان مسؤولية رئيس مجلس الوزراء عن تلك الأعمال لا تبدأ الا عن الأعمال التي تلي رئاسته لمجلس الوزراء اعتباراً من تاريخ صدور مرسوم تشكيل الوزارة.
وقد اجاب القرار التفسيري الصادر بجلسة 9/ 10/ 2006، عن هذا السؤال بالقول بأنه «لايجوز استجواب الوزير عن الاعمال السابقة التي صدرت منه قبل توليه الوزارة التي يحمل حقيبتها اياً كانت صفته وقت صدورها، ويضيف القرار في حيثياته ان (الاختصاص في المجال الدستوري كشأن الاختصاص في المجال الاداري يقوم على اربعة عناصر والعنصر الزمني مقتضاه ان تكون الاعمال والتصرفات المراد استجواب الوزير عنها قد صدرت منه او من احد الاشخاص التابعين له بصفته هذه خلال فترة ولايته للوزارة التي يحمل حقيبتها والتي تبدأ منذ تعيينه وزيراً لها وتستمر حتى تنتهي بانتهاء عمله بها لاي سبب كان يفضي الى زوال صفته الوزارية).
وما انتهت اليه المحكمة الدستورية في هذا الشأن يسري على الوزير وعلى رئيس مجلس الوزراء على حد سواء: تفسير المواد (100، 123، 127) من الدستور، وهل تعني توجيه الاسئلة البرلمانية وطرح الاستجوابات ضد رئيس مجلس الوزراء عن كل او بعض الاعمال والتصرفات الداخلة في نطاق الاختصاصات المحددة لكل من وزارات الدولة المبينة في الدستور والقوانين واللوائح وفي مرسوم انشاء كل منها حتى لو تعلق السؤال البرلماني او الاستجواب في شأنها بمحور واحد او عدة محاور قد تدخل في نطاق اختصاص وزارة واحدة او عدة وزارات لا يتصل اي منها او جميعها بالسياسة العامة للحكومة او تدخل في نطاق الاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة».
واشار الى القرار التفسيري الصادر بجلسة 9/ 10/ 2006، على هذا السؤال بوضوح عندما قرر ما يلي: «لما كان اختصاص رئيس مجلس الوزراء يقتصر نطاقه على رئاسة مجلس الوزراء والاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة دون ان يتولى اي وزارة، كما لا يطرح في مجلس الامة موضوع الثقة به وفقاً لما نصت عليه الفقرة الاولى من المادة (102) من الدستور، فان المسؤولية السياسية انما تقع بصفة اساسية على عاتق الوزراء فرادى بخلاف المسؤولية التضامنية لرئيس مجلس الوزراء والوزراء جميعاً عن المسائل المتعلقة بالسياسة العامة للدولة، وهي تلك المسائل التي لاهميتها كانت موضوع بحث مجلس الوزراء او ان من المفروض فيها ان تكون موضوع بحثه».
و«يحق لعضو مجلس الامة توجيه الاستجواب الى الوزير عن الامور الداخلة في اختصاصاته واعمال وزارته وتنفيذه للسياسة العامة فيها واتجاهات الوزارة والاشراف على تنفيذها حسبما دل على ذلك صريح عبارة الفقرة الاولى لكل من المادتين (100، 101) من الدستور، بالترابط مع ما تقرره المادة (130) من الدستور».
وهكذا حددت المحكمة الدستورية نطاق مسؤولية كل من رئيس مجلس الوزراء والوزير.
ولايقر القرار التفسيري التفرقة التي ذهب اليها طلب التفسير من التفرقة بين (السياسة العامة للدولة) و(السياسة العامة للحكومة)، بل قرر بعبارة واضحة وحاسمة ان المسائل المتعلقة بالسياسة العامة للدولة هي (تلك المسائل التي لاهميتها كانت موضوع بحث مجلس الوزراء او ان من المفروض فيها ان تكون موضوع بحثه).
واشار الى ان الطلب يستهدف تفسير المواد (100، 123، 127، 130) من الدستور.
وهذه المواد جميعاً سبق للمحكمة الدستورية تفسيرها في القرار الصادر بجلسة 9/ 10/ 2006، في الطلب رقم (8) لسنة 2004، وهو ما يظهر من مراجعة الحيثيات التي انبنى عليها هذا القرار.
ولامجال للقول كما ذهب طلب التفسير بأنه ليس من شأن قيام المحكمة بتفسير نص دستوري ما يحول دون قيامها بتفسير ذات النص في اطار نصوص اخرى تتصل به في تطبيقات مختلفة ومتنوعة، ذلك ان تفسير النص من المفروض ان يكون واحداً اياً كانت التطبيقات التي يرد عليها، فالتفسير الذي انتهت اليه المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري السابق من المفروض ان يسري على مختلف الاستجوابات التي توجه الى الوزراء والى رئيس مجلس الوزراء، ذلك ان الاسئلة التي سبق ان طرحت على المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم (8) لسنة 2004، هي ذاتها التي يطرحها طلب التفسير الحالي رقم (10) لسنة 2011، والنصوص الدستورية التي تطلب الحكومة تفسيرها الآن هي ذاتها التي سبق ان طلبت تفسيرها.
وعلى ضوء التفسير الذي تضمنه القرار السالف ذكره انتهت المحكمة الدستورية، في ما يختص بالامور المطروحة في طلب التفسير الماثل إلى انه لما كان اختصاص رئيس مجلس الوزراء يقتصر نطاقه على رئاسة جلسات مجلس الوزراء والاشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة دون ان يتولى اي وزارة، كما لا يطرح في مجلس الامة موضوع الثقة به (المادة 102 من الدستور)، فان المسؤولية السياسية انما تقع بصفة اساسية على عاتق الوزراء فرادجي، كل عن اعمال وزارته، بخلاف مسؤولية السياسة العامة للحكومة والاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة فتقع على عاتق رئيس مجلس الوزراء.
والمحكمة الدستورية تؤكد في اكثر من موضع انها تضع التفسير الصحيح للنص الدستوري كما تنتهي اليه، ولا تتطرق لتطبيقه على الوقائع محل البحث، ففي القرار التفسيري رقم 2002/10 الصادر بجلسة 2003/2/2، تذكر المحكمة في نهايته ان (ولاية هذه المحكمة في تفسير النصوص الدستورية لا تنبسط إلا على ما كان منصرفا الى النصوص المطلوب تفسيرها دون ان يتعدى ذلك الى الخوض في تطبيق تلك النصوص على الواقع الماثل المنوط بالسلطة المختصة اعماله وإنفاذ حكم الدستور عليه في ضوء ما استظهرته هذه المحكمة من صحيح الامر في تفسيره)، كما جاء في القرار التفسيري رقم 8 لسنة 2004 انه (إذا كانت هذه المحكمة قد اعملت دلالتها وباشرت اختصاصها بنظر طلب تفسير النصوص الدستورية سالفة الذكر وبينت ولايتها وحقيقة المقصود منها فانها تقف عند هذا الحد دون التطرق الى بيان الحكم الدستوري لتلك النصوص بالنسبة الى الوقائع والموضوعات التي كانت محلا للاستجواب في شأنها لا نحسار هذا الامر عن ولايتها).
ولما كان ما تقدم وكان البين منه ان الحكم الدستوري السابق قد تكفل بتفسير مواد الدستور المطلوب تفسيرها بطلب التفسير المطروح في ضوء المواد المرتبطة بها في الدستور وفي اللائحة الداخلية لمجلس الامة، وارسى بشأنها المبادئ السالف ذكرها وهي ذاتها التي كانت محلا لاستفسارات مجلس الوزراء من المحكمة الدستورية والغرض من تقديم طلب التفسير الراهن، ومن ثم فان هذا الطلب يكون غير مقبول، ولا ينال من ذلك ان المحكمة الدستورية يجوز لها تفسير نص دستوري سبق لها تفسيره اذ ان ذلك مشروط بان يكون طلب التفسير الجديد على ضوء مواد لم يسبق للحكم السابق ان تعرض لها في قضائه، وهو الامر المفتقد في طلب التفسير الراهن، ذلك ان البين من هذا الطلب انه ذاته الذي سبق ان تعرض له الحكم السابق في بعض قضائه واجاب فيه عن استفسارات مجلس الوزراء في طلب التفسير المطروح وبالتالي يكون هذا الطلب غير مقبول، لذلك يطلب المجلس اصدار قرار المحكمة بعدم قبول طلب التفسير.
وتقدمت الحكومة بمذكرة ذكرت فيها مبررات طلب التفسير وجاء فيها انه بتاريخ 2011/5/10 تقدم كل من نائبي مجلس الامة احمد عبدالعزيز السعدون وعبدالرحمن فهد العنجري باستجواب ضد سمو رئيس مجلس الوزراء، يتكون من اربعة محاور هي:
1- الادعاء بالفشل في تأسيس الشركات المساهمة العامة التي تضمنتها الخطة الانمائية للسنوات 2011/2010 - 2014/2013 لتنفيذ المشروعات التنموية الاستراتيجية والقائدة للخطة.
2- الادعاء بالتفريط في املاك الدولة العقارية والتنازل عنها وتمليكها بشروط واجراءات لا تتفق واحكام الدستور والقوانين المعمول بها وعدم اتخاذ الاجراءات الكفيلة باسترداد حقوق الدولة.
3- الادعاء بتهاون الحكومة في القيام بمسؤوليتها بحماية مصالح الدولة وتفريطها في المال العام في شركة (زين) باعتبار الدولة المساهم الاكبر بنسبة بلغت 27.618 في المئة.
4- الادعاء بفشل الحكومة في الالتزام باشتراطات التصرف بالتعويضات عن خسائر العدوان العراقي بشأن اعادة تأهيل البيئة علاوة على فشلها باتخاذ الاجراءات اللازمة للتصدي للعديد من قضايا التلوث البيئي.
ونظرا لانه بدراسة الاستجواب المشار اليه يبين انه يخالف احكام الدستور وذلك لتضمنه موضوعات تخرج عن الاختصاص الدستوري لسمو رئيس مجلس الوزراء فضلا عن ان موضوعات الاستجواب جميعها سابقة على تشكيل الحكومة الحالية والتي صدر بتشكيلها المرسوم رقم 143 لسنة 2011 بتاريخ 2011/5/8 وقدم الاستجواب بتاريخ 2011/5/10 وقبل ان يباشر سمو رئيس مجلس الوزراء اختصاصاته.
وحرصا من مجلس الوزراء على ايجاد تفسير واضح لاحكام الدستور يزيل الخلاف حول تفسير مواد الدستور المشار اليها في ما بعد والعمل على تطبيقها تطبيقا سليمان، وان تكون ممارسات الاستجواب منضبطة باحكام الدستور واللائحة لاداخلية لمجلس الام.
فقد اصدر المجلس قراره رقم 600 التالي:
تكليف ادارة الفتوى والتشريع باعداد طلب الى المحكمة الدستورية لتفسير المواد (100، 123، 127) من الدستور والمواد المرتبطة بها.
ونتناول في ما يلي المبادئ العامة في تفسير النصوص الدستورية ثم نعرض للمسائل التي يثيرها هذا الاستجواب ورأي مجلس الوزراء بشأنها وأسانيدة في ذلك المبادئ العامة للتفسير
أولا: تفسير النص الدستوري في نطاق بقية النصوص الدستورية:
جرى قضاء المحكمة الدستورية على أن:
من المسلم به - كأصل عام - انه وان كان لكل نص مضمون مستقل إلا ان ذلك لا يعزله عن بقية النصوص الاخرى، بل يتعين ان يكون تفسيره متساندا معها، وذلك بفهم مدلوله على نحو يقيم بينها التوافق، وينأى بها عن التعارض، وبالنظر تاليها بوصفها وحدة واحدة، متآلفة في ما بينها، متجانسة معانيها، متضافرة مراميها، يكمل بعضها بعضا، بما لا ينفلت معها متطلبات تطبيقها، او يحيد بها عن الغاية المقصودة منها، فالنصوص لا تفهم معزولة بعضها عن بعض، انما تتأتى دلالة اي منها في ضوء ما تفيده دلالة النصوص الاخرى من معان شاملة.
ثانيا: جواز قيام المحكمة الدستورية بتفسير نص دستوري سبق لها تفسيره:
جرى قضاء المحكمة الدستورية على أنه:
ليس من شأن قيام المحكمة بتفسير نص دستوري على ضوء نصوص معينة وردت بالدستور ما يحول دون قيامها بتفسير ذات النص في اطار نصوص اخرى تتصل به في تطبيقات مختلفة ومتنوعة، اذ لا يعدو ذلك تفسيرا مكملا لتفسيرها السابق، فيعتبر جزءا منه لا ينفك عنه، وفي اتصال مفاده ما يحمله النص من معان في اطار النصوص التي جرى تفسيره على ضوئها، بمراعاة موضع النص من سياق تلك النصوص التي تتكامل معه محددة معانيه ومراميه.
(راجع قرارها في طلب التفسير رقم 3 لسنة 2004 تفسير دستوري الصادر بجلسة 2005/4/11)
وعرض المحامون للمسائل التي يثيرها الاستجواب المشار اليه ورأى مجلس الوزراء بشأنها
المسألة الاولى
والاسانيد الدستورية والقانونية المؤيدة لرأي مجلس الوزراء
هل يجوز طرح استجواب ضد رئيس مجلس الوزراء عن اعمال سابقة على توليه رئاسة مجلس الوزراء في التشكيل الحالي للوزارة بموجب مرسوم تشكيل الوزارة؟ ام ان مسؤولية رئيس مجلس الوزراء عن تلك الاعمال لا تبدأ إلا عن الاعمال التي تلي رئاسته لمجلس الوزراء اعتبارا من تاريخ صدور مرسوم تشكيل الوزارة؟
رأي الحكومة
انه التزاما بقيد الاختصاص الزمني ومؤداه عدم جواز مساءلة سمو رئيس مجلس الوزراء بتقديم استجواب إلا عن الاعمال اللاحقة لتاريخ صدور مرسوم تشكيل الوزارة المنوه عنه.
اسانيد الحكومة
استقر قضاء المحكمة الدستورية على انه (لا يجوز استجواب الوزير عن الاعمال السابقة التي صدرت منه قبل توليه الوزارة التي يحمل حقيبتها ايا كانت صفته وقت صدورها، كما لا يجوز استجواب الوزير عن الاعمال السابقة التي صدرت من وزير اخر او من الوزراء السابقين الذين تولوا الوزارة قبل تعيين الوزير المراد استجوابه وزيرا لها، متى كانت هذه الاعمال السابقة قد تمت ولم تستمر في عهده (راجع قرار المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم 8 لسنة 2004 تفسير دستورية بجلسة 2006/10/9).
واذ كان ذلك بصدد مسؤولية الوزراء عن اعمالهم الوزارية فإنه يسري ومن باب اولى على مسؤولية سمو رئيس مجلس الوزراء امام مجلس الامة لعدم وجود اي سبب للمغايرة في هذا الحكم بينهم.
المسألة الثانية
والأسانيد الدستورية والقانونية المؤيدة لهذا الرأي
تفسير عبارة (الامور الداخلة في اختصاصاتهم) الواردة في صلب المادة 100 من الدستور، مع بيان قصد المشرع الدستوري بالعبارات التالية الواردة في المادة 123 من الدستور: (هيمنة مجلس الوزراء على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها ويشرف على سير العمل في الادارات الحكومية).
والعبارات التالية الواردة في المادة 127 من الدستور، (يتولى رئيس مجلس الوزراء رئاسة جلسات المجلس، والاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة).
فهل تعني هاتان العبارتان جواز تحريك وسائل الرقابة البرلمانية، بما فيها توجيه الاسئلة البرلمانية وطرح الاستجوابات ضد رئيس مجلس الوزراء عن كل او بعض الاعمال والتصرفات الداخلة في نطاق الاختصاصات المحددة لكل من وزارات الدولة المبينة في الدستور والقوانين واللوائح وفي مرسوم انشاء كل منها، حتى لو تعلق السؤال البرلماني او الاستجواب في شأنها بمحور واحد او عدة محاور تدخل في نطاق اختصاص وزارة واحدة او عدة وزارات، لا يتصل اي منها او جميعها بالسياسة العامة للحكومة او تدخل في نطاق الاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة.
ام انه طالما ان المشرع الدستوري قد حمل كل وزير المسؤولية امام مجلس الامة عن اعمال وزارته كصريح نص المادة 1،101 من الدستور، وناط به الاشراف على شؤون وزارته والقيام بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها بناء على نص المادة 130 من الدستور، وحظر على رئيس مجلس الوزراء تولي اي وزارة طبقا لحكم المادة 102 من الدستور، فإن العبارتين المشار اليهما في المادتين 123 و127 من الدستور تعنيان قصر مسؤولية رئيس مجلس الوزراء امام مجلس الامة على السياسة العامة للحكومة والاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة، نزولا على صراحة النصوص الدستورية السابقة المتعلقة بالنظام العام وتطبيقا للقاعدة الاصولية بأن لا مسؤولية من دون سلطة او اختصاص، ومن ثم تنحصر المسؤولية عن اعمال كل وزارة امام المجلس التشريعي في الوزير الذي يحمل حقيبتها، دون رئيس مجلس الوزراء، باعتبار ان الدستور قد اعتبر ان المسؤولية الفردية للوزراء، كل عن اعمال وزارته امام مجلس الامة هو الاصل العام، وان مساءلة رئيس مجلس الوزراء امام هذا المجلس استثناء لا يجوز التوسع فيه، وبالتالي لايجوز تحريك كافة وسائل الرقابة البرلمانية المنوه عنها ضد رئيس مجلس الوزراء عن كل أو بعض الأعمال والتصرفات التي تدخل في نطاق الاختصاصات المحددة للوزارات المختلفة. سواء تعددت تلك الأعمال والتصرفات أو لم تتعدد، مادامت الوسيلة الرقابية الموجهة ضد رئيس مجلس الوزراء قد اقتصرت على ادراج محور واحد أو جمعت محاور عدة تعلق كل منها بأمر يدخل في نطاق اختصاص محدد لوزارة معينة طبقاً لأحكام الدستور أو القوانين أو مرسوم إنشائها، ولا يتصل بالسياسة العامة للحكومة أو بالاشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة، إذ تعتبر تلك المحاور بأوصافها السابقة خارجة جميعا عن نطاق الاختصاص الدستوري لرئيس مجلس الوزراء، وداخلة في نطاق الاختصاص الدستوري للوزير ذي الشأن بها. بما لا يجوز مساءلة رئيس مجلس الوزراء عنها أمام المجلس النيابي. ويضحى تحريك الوسائل الرقابية المطروحة، خصوصا الاستجواب، بشأن أي من هذه المحاور أو جميعها تصرفا مخالفا لأحكام الدستور، لتعارضه مع قواعد الاختصاص الدستورية المتعلقة بالنظام العام، وخروجا على أحكام الدستور، وتنقيحا له بغير الإجراءات والقواعد والضوابط المحددة في المادة (174) من الدستور، الأمر الذي يجعل تحريك الوسيلة الرقابية في تلك الأحوال تصرفا باطلا ومعدوم الآثار والنتائج من الناحية الواقعية والقانونية.
رأي مجلس الوزراء في المسألة الثانية
يرى مجلس الوزراء أنه طالما أن المشرع الدستوري قد حمل كل وزير المسؤولية أمام مجلس الأمة عن أعمال وزارته كصريح نص المادة (1/101) من الدستور، وناط به الاشراف على شؤون وزارته والقيام بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها بناء على نص المادة (130) من الدستور، وحظر على رئيس مجلس الوزراء تولي أي وزارة طبقاً لحكم المادة (102) من الدستور، فإن العبارتين المشار اليهما في المادتين (123 و127) من الدستور تعنيان قصر مسؤولية رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الأمة على الاشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة، نزولا على صراحة النصوص الدستورية السابقة المتعلقة بالنظام العام، وتطبيقا للقاعدة الأصولية بألا مسؤولية من دون سلطة أو اختصاص.
ومن ثم تنحصر المسؤولية عن أعمال كل وزارة أمام المجلس التشريعي في الوزير المختص الذي يحمل حقيبتها، دون سمو رئيس مجلس الوزراء. باعتبار ان الدستور قد اعتبر المسؤولية الفردية للوزراء كل عن أعمال وزارته أمام مجلس الأمة هو الأصل العام، وان مساءلة سمو رئيس مجلس الوزراء أمام هذا المجلس هو استثناء لا يجوز التوسع فيه، وبالتالي لا يجوز تحريك جميع وسائل الرقابة البرلمانية بما فيها الأسئلة البرلمانية والاستجوابات ضده عن كل أو بعض الأعمال أو التصرفات التي تدخل في نطاق الاختصاصات المحددة للوزارات المختلفة، سواء تعددت تلك الأعمال والتصرفات أو لم تتعدد، مادامت الوسيلة الرقابية الموجهة ضد سمو رئيس مجلس الوزراء قد اقتصرت على ادراج محور واحد أو جمعت محاور عدة تعلق كل منها بأمر يدخل في نطاق اختصاص محدد لوزارة معينة طبقا لأحكام الدستور والقوانين ومرسوم إنشائها ولا يتصل بالسياسة العامة للحكومة أو بالاشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة، ولم يكن محلا لقرار إداري نهائي من مجلس الوزراء، واقتصر الحال فيه على مجرد عرضه على هذا المجلس حتى يحاط بكل ما يجري في الدولة من جانب لوزير أو الوزراء المختصين بالأمر المعروض. إذ تعتبر تلك المحاور بأوصافها السابقة خارجة جميعا عن نطاق الاختصاص الدستوري لسمو رئيس مجلس الوزراء، وداخلة في نطاق الاختصاص الدستوري للوزير ذي الشأن بها. بما لا يجوز مساءلة سمو رئيس مجلس الوزراء عنها أمام المجلس النيابي، ويضحى تحريك الوسائل الرقابية المطروحة، خصوصا الاستجواب، بشأن أي من هذه المحاور أو جميعها تصرفا مخالفا لأحكام الدستور: لتعارضه مع قواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام، وخروجا على أحكام الدستور وتنقيحا له بغير الاجراءات والقواعد والضوابط المحددة في المادة (174) من الدستور، الأمر الذي يجعل تحريك الوسيلة الرقابية في تلك الأحوال تصرفا باطلا ومعدوم الآثار والنتائج من الناحية الواقعية والقانونية.
أسانيد مجلس الوزراء
أولاً: وجود قيد الاختصاص والالتزام بنطاقه:
أ - صراحة نصوص الدستور:
فالثابت أن المادة (1/100) من الدستور قد قصرت حق عضو مجلس الأمة في توجيه الاستجواب صراحة على الأمور الداخلة في اختصاصات كل من رئيس مجلس الوزراء والوزراء.
كما وان المادة (1/101) من الدستور قد نصت بدورها صراحة على أن مسؤولية الوزير أمام مجلس الأمة تكون عن أعمال وزارته، أي تلك التي نص المشرع على اعتبارها داخلة في اختصاصات الوزارة التي يحمل الوزير المستجوب حقيبتها.
فضلا عن ان المادة (130) من الدستور قد نصت صراحة هي الأخرى على أن اشراف الوزير وتنفيذه لسياسة الحكومة، ورسم الاتجاهات فيها إنما يكون قاصرا على الوزارة التي يحمل حقيبتها.
متى كان ذلك وكان المقرر في قضاء محكمة التمييز - وطبقا لأصول تفسير النصوص - انه متى كان النص واضحا جلي المعنى فلا يجوز الخروج عليه أو الانحراف عنه بدعوى الاستهداء بالحكمة التي أملته لأن ذلك لا يكون إلا عند غموض النص أو وجود لبس فيه.
كما وقضت ذات المحكمة بأن:
من المقرر أن القاضي مطالب أساسا بالرجوع إلى نص القانون ذاته وإعماله على واقعة الدعوى في حدود عبارة النص، فإذا كانت واضحة الدلالة فلا يجوز الأخذ بما يخالفها أو تقييدها، لما في ذلك من استحداث لحكم مغاير لمراد المشرع عن طريق التأويل.
من ثم يتعين الأخذ بصراحة عبارات النصوص الدستورية الثلاثة السابقة والتقرير باطمئنان كامل بوجود قيد الاختصاص. ومن ثم يجب على عضو مجلس الأمة مراعاة هذا القيد لدى طرح استجوابه، بأن يكون عن وقائع تدخل في نطاق الاختصاصات التي حددها وأناطها المشرع برئيس مجلس الوزراء أو بالوزير المستجوب دون غيرها.
ب- اجماع الفقه الدستوري على مبدأ التلازم بين الاختصاص والمسؤولية:
1- يقول الدكتور رمزي طه الشاعر:
تعد المسؤولية الوزارية حجر الزاوية في النظام البرلماني، ويقصد بها ذلك الحق الذي يخول البرلمان سحب الثقة من أحد الوزراء أو من هيئة الوزارة كلها، متى كان التصرف الصادر من الوزير أو من الحكومة مستوجباً للمساءلة.
وقد تكون هذه المسؤولية تضامنية، وذلك في حالة ما إذا كان التصرف الموجب للمسؤولية خاصاً بالسياسة العامة للوزارة، كما قد تكون مسؤولية فردية لا تمس إلا وزيراً معيناً، وذلك في حالة ما يكون التصرف الموجب للمسؤولية خاصاً بأمر يتعلق بوزارة معينة أو بمصلحة من مصالحها.
2- ويقول الدكتور سعد عصفور:
فمن المسلم أن التلازم بين السلطة والمسؤولية يمثل ضمانة جدية لممارسة السلطة في إطار ديموقراطي. فالسلطة بلا مسؤولية تشكل استبداداً محققاً، والمسؤولية بلا سلطة تشكل ظلماً محققاً أيضاً.
3- ويقول الدكتور محمد باهي أبويونس:
فطالما لا يوجد اختصاص ولا سلطة فلا تكون ثمة مسؤولية، وما دامت المسؤولية منتفية فلا يكون هناك محل لإثارة الاستجواب.
4- ويقول الدكتور جابر جاد نصار:
فالاستجواب مساءلة واتهام بسوء التصرف أو مخالفة الدستور والقانون، ومن ثم يبقى من المنطقي حتى يقبل هذا الاستجواب ان يقع في دائرة اختصاص الحكومة زمانياً وإمكانياً. فمناط مساءلة الحكومة جميعها أو أحد افرادها عن عمل معين هو اختصاصها بهذا العمل.
ج- السوابق البرلمانية المؤكدة لوجود قيد الاختصاص:
فقد سبق لأحد أعضاء مجلس الأمة في الكويت أن قدم استجواباً لوزير العدل عن أمور تدخل في اختصاص النيابة العامة وتخرج بالتالي عن اختصاص الوزير المذكور.
فتمسكت الحكومة بعدم دستورية الاستجواب لمساسه باستقلال القضاء ولخروجه عن نطاق اختصاص وزير العدل، وأيد مجلس الأمة وجهة نظر الحكومة السابقة، وقرر استبعاد الاستجواب على أساس ان المسؤولية مناطها السلطة (الاختصاص).
وفي مصر: قدم أحد أعضاء مجلس الشعب استجواباً للحكومة حول ما أحاط انتخابات مجلس الشعب من سلبيات وضغوط بقصد التأثير على نتيجة الانتخابات، وما أسفرت عنه من حصول الحزب الوطني المنحل على أغلبية 82 في المئة من مقاعد مجلس الشعب. وأشار في استجوابه الى ان الحكومة قد تمكنت من بلوغ تلك النتيجة عن طريق استصدار القانون رقم 114 لسنة 1983 وضعت فيه ضوابط تحقق أغلبية صورية لا تمثل حقيقة الواقع. وقد وافق مجلس الشعب على استبعاد الاستجواب لاسباب من ضمنها مخالفته لأحكام المادة (125) من الدستور والمادة (159) من اللائحة الداخلية للمجلس، باعتبار أن صدور قانون من مجلس الشعب يخرج عن نطاق اختصاص الحكومة وبالتالي لا تسأل عنه أمام المجلس.
د- اعتناق القضاء الدستوري للمبدأ:
قضت المحكمة الدستورية بأنه:
وطبقاً للنظم الدستورية فإن السلطة توجب المسؤولية وتنتجها لزوماً فهي كالظل الظليل لا تبعد عنها ولا تفارقها، فالذي يباشر السلطة يجب أن يكون مسؤولاً عن مباشرتها، والذي يسأل يجب أن يكون صاحب سلطة واختصاص بما يخوله قانوناً القدرة على القيام بإجراء أو اتخاذ تصرف معين، وعلى خلاف ذلك فإن عدم الاختصاص يؤدي الى انعدام القدرة قانوناً على الاتيان بهذا الاجراء أو التصرف، وبالتالي فلا مسؤولية بلا سلطة أو اختصاص، والاختصاصات في المجال الدستوري وان كانت تفترق عن الاختصاصات في المجال الاداري بالنظر الى أن مصدر الأولى هو الدستور، بينما يتردد مصدر الأخيرة بين القانون واللوائح، إلا أنه يجمعهما أنهما ينتسبان معاً الى مبادئ القانون العام الذي شرع الاختصاص لوضع قواعد آمره ملزمة للادارة تحقيقاً للمصلحة العامة.
ومن كل ما سبق يتضح أن وجود قيد الاختصاص ثابت من صراحة نصوص الدستور وإجماع الفقه الدستوري والسوابق البرلمانية وقضاء المحكمة الدستورية.
ثانياً: المذكرة التفسيرية للدستور حصرت اختصاصات رئيس مجلس الوزراء بقولها:
وفي مقابل الضمانات المقررة لرئيس مجلس الوزراء على النحو السابق وجب النص على ألا يتولى مع الرئاسة أي وزارة، وهو أمر له أهميته من ناحية سير العمل الحكومي، وبمراعاة ضخامة أعباء رياسة الوزارة في التوجيه العام للحكم، والتنسيق بين الوزارات واتجاهاتها وتحقيق رقابة ذاتية يمارسها رئيس مجلس الوزراء على الوزارات المختلفة، ما يضاعف أسباب الحرص على الصالح العام والتزام هذه الوزارات للحدود الدستورية والقانونية المقررة.
ثالثاً: ركز المشرع الدستوري وعوّل على المسؤولية الفردية للوزراء دون المسؤولية التضامنية للوزارة حتى يتفادى المناورات الحزبية للوصول الى الحكم، فقد ورد على لسان الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل عثمان، في محضر جلسة 20/ 62 يوم الثلاثاء 18 ربيع الثاني سنة 1382 هـ الموافق 18 سبتمبر سنة 1962 ميلادية للمجلس التأسيسي ما يأتي:
رأت اللجنة أن الكويت يجب أن تجمع في نظامها بين النظامين الرئاسي والبرلماني.
وفعلاً الدول الأخرى التي سبقت الكويت في هذا الشأن نظرت لتجارب العالم لتختار كل ما يناسبها قدر المستطاع. ووجدت اللجنة ان تأخذ بنظام وسط يأخذ من البرلمانية مزاياها وأفضل ما فيها ويأخذ من النظام الرئاسي أفضل ما فيه.. وأفضل ما في النظام البرلماني هو الشعبية التي تظهر فيما يسمونه بالمسؤولية الوزارية أمام البرلمان ومقابل هذا يكون رئيس الدولة رمزاً للاحترام والتقدير ويترفع عن المسؤوليات. ولذلك نصت المادة (54) على أن «الأمير رئيس الدولة وذاته مصونة لا تمس». ونصت المادة (55) على أن يتولى «الأمير سلطاته بواسطة وزرائه... وكذلك أخذنا بالقاعدة البرلمانية التي تقول ان رئيس الدولة فوق المسؤوليات ومن ثم نسبت المسؤولية الى الوزارة تسأل عنها أمام رئيس الدولة وامام مجلس الأمة مع مظاهر الرقابة البرلمانية المتعددة في حق اعضاء المجلس النيابي في توجيه الأسئلة والاستجوابات الى الوزراء ورئيس مجلس الوزراء، وحق المناقشة وغيره من مظاهر الشعبية البرلمانية. ولكن رغبة في تفادي عيوب الاسراف في استعمال هذه الحقوق البرلمانية، ورغبة كذلك في تحقيق قدر من الاستقرار الذي يمتاز به النظام الرئاسي والمحافظة على وحدة الأمة وهي مقدمة على أول تجربة دستورية، لذلك كله رأت اللجنة أن تضع بعض القيود على هذه الأسس أو الأصول البرلمانية فوضعت بعض البنود على المسؤولية الوزارة من حيث الأغلبية اللازمة والاجراءات الخاصة بإسقاط الوزير أو عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء. كما فضلت الالتقاء بمسؤولية الوزراء الفردية دون مسؤولية الوزارة التضامنية التي يتولد عنها التكتل للحزب للوصول إلى الحكم، كما جعل الوزراء المعينين من خارج المجلس أعضاء فيه، وفي هذه القيود وأمثالها ما سترونه حضراتكم في المواد المتفرقة من الدستور أرادت بها اللجنة المحافظة على وحدة الأمة والاستقرار الوزاري وكفالة التعاون بين الحكومة ومجلس الأمة. وهذا مزيج بنيت حكمته الدستورية من حيث تجارب الدول الأخرى الدستورية ومن حيث تخير أفضل صور الحكم في جملتها للكويت.
رابعاً: قضاء المحكمة الدستورية بقصر تحريك الاستجواب ضد رئيس مجلس الوزراء عن السياسة العامة للحكومة، وتحريك المسؤولية الفردية للوزراء كل عن أعمال وزارته وأن المسؤولية السياسية تقع بصفة أساسية على الوزراء فرادى، حيث قررت بالآتي:
والاستجواب يتضمن تحريك المسؤولية الوزارية بشأن السياسة العامة للحكومة أو سياسة الوزير الخاصة بوزارته، وأساس هذه المسؤولية تلك السلطات الواسعة والاختصاصات الكبيرة التي تجد أصلها في الدستور في ما يخوله للوزير لمباشرة أعمال وزارته وتصريف شؤونها، فقد نصت المادة (55) من الدستور على أن: «يتولى الأمير سلطاته بواسطة وزرائه) والقاعدة الواردة بهذا النص مستمدة من مبادئ النظام البرلماني، ومؤداها أن السلطات التي ترد في الدستور والمقررة لرئيس الدولة، إنما تمارس بواسطة الحكومة نظرا لعدم مسؤولية رئيس الدولة سياسيا عن أعماله، ما أصبح لزاما معه أن تلقى تبعة هذه الأعمال على الوزراء فيسألون سياسيا عنها، ولما كان اختصاص رئيس مجلس الوزراء يقتصر نطاقه على رئاسة جلسات مجلس الوزراء والاشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة دون أن يتولى أي وزارة، كما لا يطرح في مجلس الأمة موضوع الثقة به وفقاً لما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (102) من الدستور، فإن المسؤولية السياسية إنما تقع بصفة أساسية على عاتق الوزراء فرادى.
وإعمالاً لأحكام المسؤولية السياسية الفردية للوزراء فإنه يحق لعضو مجلس الأمة توجيه الاستجواب إلى الوزير عن الأمور الداخلة في اختصاصاته، وأعمال وزارته، وتنفيذه للسياسة العامة فيها واتجاهات الوزارة والاشراف على تنفيذها حسبما دل على ذلك صريح عبارة الفقرة الأولى لكل من المادتين (100 و101) من الدستور بالترابط مع ما تقرره المادة (130) من الدستور التي تقضي بأن يتولى كل وزير الاشراف على شؤون وزارته ويقوم بتنفيذ السياسة العامة فيها، وهذه الأحكام إنما تتسق في المقام الأول مع مبادئ النظام الديموقراطي الذي تبناه الدستور نظاماً وسطاً بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما حسبما هو مستفاد من نص المادة (6) من الدستور، وما جاء بمذكرته التفسيرية، وسلطة الوزير ذات طبيعة مزدوجة فهي سلطة حكم لكون الوزراء جميعا اعضاء في مجلس الوزراء الذي يهيمن على مصالح الدولة ويرسم السياسة العامة ويتابع تنفيذها ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية طبقا لما تنص عليه المادة (123) من الدستور، فهم مشاركون في مسؤولية الحكم، كما انها سلطة إدارة لأن الوزير يعتبر هو الرئيس الإداري الأعلى لوزارته، وبهذه الصفة يتمتع بجميع مظاهر السلطة الرئاسية عليها وما يتبعها من موظفين وإدارات و أجهزة ومرافق، ومن ثم فمن الطبيعي أن يتحمل تبعة الأخطاء الناشئة عن ادارته، وعن أعماله وتصرفاته المتعلقة بشؤون وزارته الداخلة في اختصاصاته، فيُسأل سياسيا أمام المجلس النيابي عن جميع الأعمال والتصرفات المخالفة للدستور أو القانون، الايجابية منها والسلبية، العمدية وغير العمدية، بوسائل الرقابة البرلمانية المقررة للسلطة التشريعية على أعمال السلطة التنفيذية بموجب أحكام الدستور وعمادها الاستجواب.
ولما كان ذلك، وكان الوزير لا يستمد سلطته القانونية، ولا يشغل مركزه إلا بناء على المرسوم الصادر بتعيينه، كما انه يستمد اختصاصاته الوزارية في الأصل من المرسوم المتعلق بتنظيم وزارته... إلخ.
(راجع قرار المحكمة الدستورية في طلب التفسير رقم 8 لسنة 2004 الصادر بجلسة 2006/10/9).
خامساً: تحديد المقصود بالسياسة العامة للحكومة:
(من المستقر عليه لدى كل من الفقه والقضاء الدستوريين أن رئيس الوزراء لا يسأل أمام المجلس النيابي إلا عن السياسة العامة للحكومة المشار اليها في المادتين (127 و130) من الدستور).
ومن ثم يتعين تحديد هذا الاصطلاح حتى يمكن تحديد الاختصاصات التي يُسأل عنها رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الأمة.
وقد أورد المشرع الدستوري عبارات متقاربة مع المصطلح السابق في المادة (58) من الدستور حين نص على أن: (رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولون بالتضامن أمام الأمير عن السياسة العامة للدولة، كما يسأل كل وزير أمامه عن أعمال وزارته).
بما قد يثير اللبس مع مصطلح السياسة العامة للحكومة الواردة في المادتين (127 و130) من الدستور المشار اليهما. والاتجاهات العامة للوزارة المنصوص عليها في المادة (130) من الدستور.
أما السياسة العامة للدولة: فهي تلك البرامج والخطط والاتجاهات والأهداف والغايات التي ينبغي على جميع سلطات الدولة العمل على تحقيقها والتي يتضمنها ويكشف عنها ويضعها الخطاب الأميري لحضرة صاحب السمو أمير البلاد في خطابه الأميري المشار اليه في المادة (104) من الدستور والذي يكشف فيه سموه للشعب وجميع سلطات الدولة أحوال البلاد وأهم الشؤون العامة التي جرت خلال العام المنقضي، وما تعتزم الحكومة اجراءه من مشروعات واصلاحات خلال العام الجديد، أما مشروع الجواب على الخطاب الأميري، فهو يتضمن تطلعات مجلس الأمة وأمانيه التي يرغب في رفعها لحضرة صاحب السمو لأخذها في الاعتبار - طبقاً للسلطة التقديرية لسمو الأمير - عند إعداد السياسة العامة الجديدة للدولة.
ويعتبر الخطاب الأميري وجواب الرد من مجلس الأمة بمثابة عمل متكامل يعبر بصدق عن تلاحم الحاكم متجسدا في سمو الأمير والمحكوم الذي يمثله مجلس الأمة في التعبير عن السياسة العامة للدولة والتي تشكل تطلعات الأمة ورأيها في جميع القضايا الداخلية والخارجية والذي تلتزم به جميع سلطات الدولة وتعمل على تنفيذها.
وأما السياسة العامة للحكومة: فهي في حقيقة الواقع تمثل الأهداف والقواعد العامة التي وضعها مجلس الوزراء ويسير على هديها الوزراء كل في مجال اختصاصه الدستوري والقانوني.
وترتيبا على ما تقدم فإنه إذا كان الخلل قد شاب عملا تنفيذيا من أعمال وزارة معينة فإن المسؤولية عنه تكون مسؤولية فردية للوزير المختص وحده دون غيره.
أما إذا كان العوار يتمثل في المبادئ والأهداف والقواعد التي وضعها مجلس الوزراء لكل الوزارات، ففي هذه الحالة تقع المسؤولية على رئيس مجلس الوزراء والوزراء لأنهم جميعا قد شاركوا في صنعها أو الموافقة عليها.
لذلك كله
كان تقديم مجلس الوزراء لطلب التفسير الماثل إلى المحكمة الموقرة لإزالة هذا الخلاف والتباين في الآراء حول تفسير المواد (100، 123، 127) من الدستور وما يرتبط بها من نصوص دستورية أخرى وبقانون اللائحة الداخلية لمجلس الأمة لتصدر قرارها الفاصل فيها حتى تلتزم به جميع السلطات العامة في الدولة، ضمانا لوحدة التطبيق واستقراره، سواء داخل كل سلطة فيها أو فيما بينها، وحتى تكون حقوق وواجبات كل من أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية محددة وواضحة، ما يجعل التعاون بينهما قائما على أساس متين من الشرعية الدستورية.