هناك نقد من البعض خصوصاً في مجلس الأمة من أداء الحكومة الكويتية في سياساتها الخارجية خصوصا مع إيران، فهذا البعض يرى أن الكويت تتقارب بشكل غير صحيح مع دولة يعتبرونها تهديداً للأمن القومي.
حقيقة الأمر أن هناك مأخذاً واضحاً على الحكومة الكويتية بما يحيط أحياناً سياستها الخارجية من ضبابية غير مبررة، لا تحدد العدو فتهاجمه ولا تميز الصديق فتدافع عنه وعن علاقتها معه، وهذه الضبابية وإن كانت تعبر عن إفراط مقصود بالديبلوماسية إلا انها ضارة لإمكانية جعل الحكومة بموقع المدافع والمبرر الضعيف عن سياساتها وعن علاقاتها الخارجية.
هذه الضبابية سوغت للبعض طرح فكرة إيران كعدوة للكويت، وجعل العلاقة الطبيعية معها تهمة لا يمكن درؤها إلا باتباع سياسات عدوانية تقود البلاد والمنطقة نحو التصادم والصراع بدل التآخي والوئام. إن فكرة العداء لإيران فكرة لا تقف على ميزان عادل وبالتالي هي غير متوازنة واتباعها يطيش بعلاقات الكويت الخارجية لمزالق كثيرة. فواقع الحال انه ليس هناك تقارب واضح بين حكومة رئيس الوزراء الحالي وإيران، ولكن ما هو موجود عبارة عن علاقات طبيعية تعكس العلاقات التاريخية الكويتية - الإيرانية والتي امتازت عبر العصور بقوتها ومتانتها، كان ذلك في العهود السابقة واستمر مع النظام الملكي في إيران ثم الجمهوري، ولم تكن هناك من غصة بالعلاقات إلا فترة الحرب العراقية - الإيرانية التي كانت نتاج عدوان نظام صدام على جارته الشرقية ومحاولاته إشعال نيران الفتن بين عدوته إيران وجيرانها العرب. وبعدما غزا العراق الكويت كان لإيران وشعبها وحتى عمالتها المستهدفة حالياً بالكويت مواقف مشرفة في نصرة الكويت ومساندتها في محنتها، فجرت المياه بعد ذلك في مجاريها.
هناك حقائق جغرافية وتاريخية وثقافية وروابط دم تحيط بالكويت، فهي تقع شمال الجزيرة العربية أي أن جارتها الجنوبية المملكة العربية السعودية وتقع الكويت جنوب بلاد الرافدين حيث تحدها شمالاً جمهورية العراق، وشرقها الخليج فجوارها البحري من الشرق الجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذه حقيقة جغرافية لا يمكن تغيرها. وهناك الروابط الاقتصادية والتاريخية التي ربطت الكويت وتربطها بمحيطها العربي وغيره، وهناك الحقائق الثقافية التي ميزت الكويت بسبب موقعها الجغرافي، ثم إن هناك روابط الدم والوشائج الاجتماعية بين الكويت ومحيطها.
هذه الحقائق تعتبر عنصراً ايجابياً للكويت جعلها تستوعب عبر حقب زمنية مختلفة محيطها فيها، وجعلها محط الأنظار والمدللة التي يود الكل التقرب إليها ونيل نظرة رضا منها. خصوصية الكويت بعلاقاتها المتميزة مع محيطها العربي والمسلم جعل منها عنصر التقاء وتقارباً بين أطراف محيطها، هذا أفضل للكويت وأكثر ذكاء من تحويلها لرأس ثقاب يشتعل ليحرق المحيط الذي هو أحوج ما يكون للتهدئة والاستقرار.
ثم أن هناك حقيقة لا يمكن حرف الأنظار عنها وان كان بحسن نية، إنها إسرائيل ذلك العدو الحقيقي المتأبط شراً بالعرب والمسلمين التي كلما هدأت فتنة في ديارهم أشعلت أخرى، وهي تعلن جهاراً نهاراً ان من أهدافها بث الفرقة وزرع الخصومات والعداوات في الدول العربية والإسلامية. وهي التي تقفز فرحاً وتزيد تمرداً وتبجحاً كلما زادت الفرقة بين المسلمين، فها هو بنيامين نتنياهو يرفض دون مواربة مطلب اوباما بقيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67 بحجة تغير الظروف. نعم اسرائيل هي العدو وهي النبتة غير الحضارية في المنطقة.
لا خوف على هوية الكويت من جوارها، الهوية الكويتية العربية لم تشكلها الشعارات المتعصبة ولا الدعوات التي تحمل كراهية للآخرين، بل تشكلت عبر الزمن عبر ممارسات وظروف وبشر شكلوا هذه الهوية، ومن أراد استبدال هذه الهوية أياً كان فعليه ليّ ذراع حقائق التاريخ والجغرافيا والثقافة والدين، حينها سوف ينجح في الاستحواذ على أرض ممسوخة حسب مزاجه وحدود خياله.
ما أجمل رمال صحراء الكويت وكثبانها، وما أنضر فاقع لون أزهار النوير، وما أبدع زرقة البحر وصوت هدير أمواجه. لطالما دغدغت أمواج البحر شواطئ الكويت ولطالما استوعبت رمال الشاطئ هدير أمواج البحر.
كمال علي الخرس
كاتب كويتي