يذكر الباحث البحريني نادر كاظم في كتابه «كراهيات منفلتة: قراءة في مصير الكراهيات العريقة» أن العولمة والتطور التكنولوجي ساهما في تفشي داء الكراهية بعد إعادة إحيائها وخروجها من عزلتها وخصوصيتها غير المعلنة سابقاً، لتفك طلاسم خطابها الرمزي بتحولها لخطاب صريح ومباشر ضد الآخر.
إن تغذية أجيال سابقة بموروثات تساهم في إحياء ثقافة الكراهية لضمان استمرار العداء القديم لا ينطلق إلا من فكرة اقصاء الطرف الآخر من المعادلة وحرمانه من فسحة التجاور والتساوي في الحقوق والواجبات والعدالة في فرص الحياة ومواقعها المختلفة، ليبقى خطاب الأنا/ الجماعة طاغياً على بقية الأصوات المقموعة إن لم يتم اقصاؤها بشكل نهائي.
إن محاولة التكسب السياسي عبر إثارة ثقافة الكراهية لا يزيد المجتمع الواعي إلا قناعة بفشل المشروع السياسي واقعاً لأصحاب هذه المحاولات الذين لن يتورعوا في المحاولة دون توقف في اذكاء نار الكراهية بين فئات المجتمع كافة، وهو حريق سيدفع ثمنه الجميع ولن يكون مقتصراً على فئة دون أخرى، وهو ما يمكن ملاحظته اليوم في الحراك الاجتماعي العربي حيث انقسمت فيه المجتمعات إلى هويات صغيرة بحثاً عن مواقع متنفذة برقاب البلاد والعباد، لتنأى عن الهوية العظمى أي الوطن.
ما تشهده الساحة المحلية من تراشق للكراهية برغم تجارب الانفتاح وحداثة العولمة المفترضة، هو نتاج متوقع لما أورثته الأعوام والأجيال السابقة من ثقافات التعالي على نقد الذات والانغلاق عليها عقوداً طويلة، شهدت عليها حوائط الزمن المنفصلة بين مكونات المجتمع والمتصلة كراهية ضد الآخر. وظاهرة الاعتداء على دور العبادة والاساءة للرموز الدينية ميراث متصل بظواهر سلبية سابقة اتسمت بالعنصرية للأنا وتسفيه الآخر في تغليب حس الهويات الصغيرة. ولعل مرافق البلاد، حكومية كانت أم أهلية، كانت ومازالت ميداناً نشطاً لبث هذه الكراهية والعنصرية على امتداد العقود الماضية، ما يتطلب حراكاً مجتمعياً واعياً ومسؤولاً، وإعادة النظر بأدوار التربية والأوقاف والإعلام بعدما عجزت بيئة البيت عن وقف ذلك، بل ساهمت في توريث الكراهية!
فاصلة أخيرة
تقديم مقترح لتعديل قانون الجزاء لتغليظ عقوبة تصل إلى حد الموت من قبل بعض النواب، المفارقة أن معظمهم أعضاء في لجنة دراسة الظواهر السلبية الدخيلة على المجتمع الكويتي بمجلس الأمة! يجعلنا نتساءل عن منهجية الدراسات التي قاموا بها لمثل هذه الظواهر السلبية وآلية معالجتها، لكن يبدو أن الكي بات هو أول العلاج لكل الظواهر، وربما الوحيد! والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
فهد توفيق الهندال
كاتب كويتي
[email protected]