الاستجواب أحد الأسلحة القانونية لمحاربة الفساد في أداء المؤسسة الحكومية، والمنصب الوزاري كذلك أحد الأسلحة التي يعتمد عليها رئيس أي حكومة رغبة منه في حسن الأداء والإصلاح. لكن ماذا يحدث عندما يعبث أطفال السياسة بهذه الأسلحة؟ الذي يحدث هو ذاته ما يمكن أن يحدث لو عبث طفل بسلاح ناري... من الممكن أن يقتل ويجرح دون وعي أو مسؤولية، والحال كذلك بالنسبة للأسلحة القانونية حين يعبث بها أطفال السياسة.
حين يكون المنصب الوزاري وسيلة للاستفادة المادية وتجاوز القانون والتربح وانتهاك مبادئ العدالة فهذا عبث بالسلاح ممن لا يقدر عواقبه، حين يكون الاستجواب أو الاستجوابات وسيلة لاصلاح الخلل دون النظر الى عواقب هذا الاستجواب أو المساءلة وكأن المسألة لا تعني إلا مقدم الاستجواب فهذا عبث أيضاً.
تعلمنا أن السياسة فن الممكن... فما يمكن الوصول إليه هو ما يتم السعي إليه وما لا يمكن الوصول إليه فإن من فن السياسة البحث عن طريق آخر له. مثلاً... الاستجوابات المقدمة تهدف إلى محاسبة بعض الوزراء عن أعمالهم... وكل هذه الأعمال التي يآخذ عليها الوزراء بوجهة نظر المستجوبين تشكل انتهاكاً للمال العام... إذاً لماذا لا يتم تقديم بلاغات لمحكمة الوزراء لمحاسبة الوزراء على أعمالهم تلك، أليس قانون محاكمة الوزراء تم تشريعه من قبل مجلس الأمة، وكم هي البلاغات المقدمة ضد الوزراء لدى محكمة الوزراء مقارنة بالاستجوابات؟ بلا شك انها قليلة وقليلة جداً... السبب في عدم تقديم البلاغات ضد الوزراء لدى محكمة الوزراء والاستعاضة عنها بالاستجوابات أن البلاغات لا بهرجة فيها ولا دغدغة لمشاعر المواطنين ولا عنتريات يحرص عليها النواب أثناء الاستجوابات ويستعرضون قواهم وكأنهم في مهرجان عرض قوى، والسبب الآخر أن النواب يريدون أن يقوموا بكل الأدوار وأن يختزلوا بأعمالهم أعمال السلطتين القضائية والتنفيذية... فهم يصرحون وكما أنهم أعضاء في السلطة التنفيذية لكل شاردة وواردة وعلى أي شيء، كما أنهم يريدون أن يقوموا هم أنفسهم بدور القضاء، وهذا واضح جلي من أسلوب عملهم وتصريحاتهم خاصة الفترة الأخيرة.
السؤال السابق يراودني كثيراً... لماذا هذا الكم الهائل من الاستجوابات والإحجام عن تقديم البلاغات عوضاً عنها؟ ولم أجد جواباً لهذا السؤال إلا ما سبق أن ذكرته.
إذاً السياسيون عندنا، ولا فرق كانوا وزراء أو نوابا، للأسف يعبثون بالأسلحة التي مكّنهم منها القانون وهذا العبث الطفولي أشد فتكاً بالمجتمع من الأسلحة النارية.
وها نحن نكتوي بنار عبثهم منذ فترة ليست بالقصيرة ولا ندري متى يقف هذا العبث على أيدي عقلاء البلاد وحكمائها.
محمد صالح السبتي
كاتب كويتي
[email protected]