سعود مزعل الحربي / صورة التديّن ... كيف هي؟

تصغير
تكبير
من جملة ما يعاني منه الانسان المسلم وخاصة في هذا العصر مشكلة تعلقه واعجابه في ظواهر الاشياء وصورها، وربما السبب يعود في ذلك إلى ان هذه الظواهر في تطبيقاتها احيانا تكون سهلة ومريحة للنفس ولا تكلف حاملها شيئا، ولانها لا تعدو ان تكون ظاهرية فانه من السهل اكتشافها عندما توضع في معامل الاختبار فيُقبض على صاحبها متلبسا ومنقلبا عليها. لذلك احيانا لا تستغرب حين لا تجد اي علاقة او ارتباط وثيق بين ما يعتنقه الانسان من مبادئ وقيم وبين واقعه المعاش، فهذه مشكلة لا يخلو منها دين ولا مذهب، ولا ينجو من عقابيلها سوى الصادقين الذين يتحلون بالاخلاص والتبصر بحقائق ما يعتقدون.

فالحرص على انتشار المظهرية في حياتنا، وتقديم نفسها على انها هي المثال والمعيار الذي تحتكم اليه الامور في معارك الحياة هو الذي يشوه صورة الاشياء من حولنا ومنها صورة التدين في مجتمعنا العام. واني لاشعر بالاسى لحال التدين في المجتمع الكويتي، وانا اشاهد كثيرا من الصور الواقعية تتداعى امامنا وتسقط من المشهد الاجتماعي، ففيها نماذج عجيبة تجعل المسلم حائرا ووجلا امامها، ولن يكون آخرها مشهد (الخناق) المخزي في بيت الله بمسجد مقبرة صبحان للصلاة على روح رجل كم قتل من ابرياء، وثكل من امهات، ويتم من اطفال، واعطى الذريعة للنيل من الاسلام واحتلال اراضي المسلمين، وايضا لن يكون آخرها السلوك اليومي الذي نصطاد به البعض مما نراه من وهم التدين إذ يستقر على وجوه متجهمة لا تبتسم ابدا، ولا ترفق لاحد في قولها وعملها، مستكبرة حتى على من يراهم الدين اخوانهم في الله، ويظنون بالناس الظنونا، وبعض مجالسهم تمتلئ بالغيبة والقيل والقال وتبتعد عن ذكر الله، وبعض ارباب العمل منهم صورته تماثل صورة المرابين في النظام الرأسمالي، ساعات شاقة من العمل وأجور ضئيلة، واستغلال بشع لعوز الفقراء.

ان صورة بعض النخب المتدينة لا تقل سوءاً عما ذكرناه آنفا، إذ يبرز صراع المصالح والنفوذ والتكسب بجميع وجوهه، ولقد ادهشتني فكرة احدهم حينما قرر - ولقد فعل - ان يسير آلاف الكيلومترات لينصر اخوانه في بلد عربي دون ان يفكر بالمسير مترا واحدا لتفقد فقراء بلده ورفع الحاجة عنهم! وكم رأيت منهم من تصدر المشهد الاجتماعي ثم توارى من القوم من سوء ما جاء به.

ولان دهشتي لا حدود لها في هذا البلد، فلقد تألمت كثيرا حينما عرفت شابا اوروبيا متدينا يقول عن نفسه انه هرب بدينه اي الاسلام، من بلاده وجاء إلى هنا، وبعد مرور الاعوام انتهى به المطاف دون ان ينتفع بشيء، فلم يأخذ نصيبا من العلم يذكر، ولا شهادة معتبرة، ولا زواجا، وبلا وظيفة، وترك والديه في موطنه الاصلي دون ان يسأل عنهما رغم ان الله عز وجل يقول «وصاحبهما في الدنيا معروفا» فهل ديننا الحنيف يعلمنا هذا الجفاء لاقرب المقربين الينا؟ رغم ان البلد الاصلي لهذا الشاب المتدين في تشريعاته وقوانينه يحمي ديننا الحنيف هناك ويبني للمسلمين المساجد والمراكز الاسلامية ويمارس المسلم فيه شعائره دون عوائق، ويضمن للمسلم الحقوق والامتيازات كافة.

ان صورة التدين في المجتمع الكويتي المهتزة احيانا ينال منها بعض اصحابها قبل ان يتعاورها الخصوم والمتربصون، فأي طريق يسلكه المرء في الحياة يحتاج الى عزيمة وصدق مع النفس حتى تصل إلى بر الامان، والا علينا ان نعي السؤال الذي طرحه الداعية محمد حسين يعقوب عن مآلات صورة التدين مستفهما «هل يمكن لاحد ان يدخل النار بتدينه؟».



سعود مزعل الحربي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي