حسين علي غلوم / عندما تصبح الكتابة... موضة!

تصغير
تكبير
الكون الذي نعيش فيه محدثٌ محتاج، و كل جزء فيه محتاج إلى الآخر، من الشمس إلى أصغر أجزاء الذرات، وأما بالنسبة للبشر لا يمكن لإنسان الاستغناء عن العديد والعديد من الحاجات الطبيعية منها والأخرى التي تحاكي الذهن، ولا يمتاز آدمي على أخيه الآدمي، كمحتاج، فالكل بحاجة إلى جزء من المجتمع أو بحالات يحتاج المجتمع بأكمله، فما قيمة الكاتب بلا قارئ؟ ولا أتصور أن الإنسان في بدائيته ابتكر الكتابة لمجرد الكتابة، فبدأت الكتابة أساساً من منطلق الاحساس بالمسؤولية وعدم ترك الجيل القادم بلا تعاليم ودروس تبين له كيف يفترض أن يدير شؤون حياته، فلا يعقل أن يجعل الكاتب الجيل اللاحق «منتظراً» لما لا قيمة له، أو ليجعله يسهر «سهرةً أخرى» من ليالي ظلام المستقبل الغامض.

ومع تطور البشر أصبح الكتاب ركيزة لا غنى عنها من ركائز المجتمع فمعظم الثورات التي غيرت من شكل الفكر البشري كانت من كتاب، حتى قال بعض المتعصبين لهذا الرأي أن الثورات لا يجب أن تحدث إلا استناداً لكتابات أو نظريات معينة توجه الشارع.

واليوم نشهد نقلة نوعية في عالم الكتاب والكتّاب، في مجتمعنا بالذات أصبحت الرواية هي الكتاب الممكن قراءته لدى أكبر شريحة من المجتمع، فالذي لا يقوى على قراءة أي كتاب تراه يستمتع في قراءة الروايات، وهذا من شأنه توليد مسؤولية لدى كتاب الروايات، فمن غير المفترض أن تكون الرواية مجرد أحداث عائلة معينة كبر أبناؤها وتزوجوا وطلقوا وعادوا لزوجاتهم وعاشوا حياةً سعيدة! هذا هو الاستهزاء بعقل القارئ بعينه، وإن ضحك الكاتب على عقول القراء مصيبة، اذا اقتنع القارئ بهكذا نوع من الكتابة.

في الوقت الذي وجب على الكاتب ملء روايته بالمعلومات المثرية والموسعة لمدارك القارئ، راح يكتب كتابات تجارية تستخف بالقارئ بشكل مؤلم.

في هذا السياق ينبغي عليَّ ألا أنسى نصيحة أحد الأصدقاء في هذا الشأن، «الكاتب يجب أن يعيش معاناة» معاناة يعيشها هو بنفسه أو يشعر بمعاناة القراء أو شريحة منهم على أقل تقدير، «فالأدب ليس ترفاً» كما يقول صديقي المحامي ويضيف أيضاً «أن حتى شعر الأمراء فيه معاناة» ولا يغيب عن البال في هذا المجال الأمير أبو فراس الحمداني، فإذا كان الكاتب بعيداً عن هموم الناس وليس لديه ما يهمه فلا معنى لكتاباته.

اليوم نحن بحاجة إلى كتّاب وروائيين بشكل خاص يشعرون بالشارع، ويعرفون ما يجب اثراؤه لديهم، فالقراءة والكتابة مرتبطتين بشكل متوازٍ وبعلاقة طردية ما أن يزيد مستوى احدهما إلا ازدهر الآخر، وما ان هبط أحدهما فالسلام على الآخر، ونقول وداعاً لثقافة تلاشت تماشياً مع موضة الكتابة الجديدة!



حسين علي غلوم

كلية الهندسة والبترول

twitter@haj_hussain
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي