كلمة تعني التهذيب واللباقة تحمل الفرد على تحسين علاقته مع الآخرين

«الإتيكيت»... آداب وعبادات نصَّ عليها الإسلام

تصغير
تكبير
| كتب عبدالله متولي |

«الإتيكيت» يعني حُسن التصرف واللطف للحصول على احترام الذات وتقدير الآخرين، وهو كلمة تعني التهذيب واللباقة وتحمل الفرد على تحسين علاقته مع الآخرين... إذاً «الإتيكيت»** هو سلوك... والسلوك هو مجموعة من الاستجابات المحددة التي يقوم بها الفرد في أي موقف نتيجة لموقف أو حادث.

وقد جاء تعريف «الإتيكيت» في الموسوعة البريطانية بأنه «السلوك الذي يساعد الناس على الانسجام والتلاؤم مع بعضهم البعض ومع البيئة التي يعيشون فيها».

أما عن علاقة «الإتيكيت» بالإسلام فهي علاقة وثيقة الصلة فقد أوجد الإسلام «الإتيكيت» في خلق وسلوك أتباعه، وقد جاء القرآن والسنة يزخران بالأدلة والبراهين على أصالة فن «الإتيكيت» في الإسلام، وهناك نماذج من سلوك المصطفى صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام في فن «الإتيكيت» في التحية والمصافحة وقواعد السلام والمحادثة واللهجة والزيارة والضيافة والبشاشة والاستئذان والهدية والتواضع واحترام المواعيد والتعامل المرضي والموائد وغيرها من السلوكيات اليومية بين المسلمين، ففي التحية مثلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا التقيتم فابدأوا السلام قبل الكلام»، وفي المصافحة يقول صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا وغُفر لهما قبل أن يفترقا».

وفي الهدية: «تهادوا تحابوا» وفي البشاشة «من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق»، وفي الاستئذان قال تعالى: «يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون».

وفي الأناقة، قوله تعالى: «يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين»، وفي آداب الموائد حديث: «يا غلام سمِّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك»، وفي توقير الشخصيات: «إذا أتاكم كريم قوم فاكرموه»، وفي الابتسامة «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، وفي الشكر «من لم يشكر الناس لا يشكر الله»، وفي التواضع قوله تعالى: «ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور»، انه الإسلام دين الأخلاق والفضائل الذي سبق كل التشريعات والقوانين في تأصيل وترسيخ آداب وسلوكيات التعامل التي تعرف حديثاً باسم «الإتيكيت».



طبق الإسلام منذ بداياته التعامل بالاحترام والتوقير والتقدير مع الآخرين، ووضع في كل خطوة الإرشادات والتوجيهات التي توضح طريقة التعامل بأسلوب منظم يهدف من خلاله لإرساء وتدعيم العلاقات الإنسانية والاجتماعية في المجتمع الإسلامي.



بر الوالدين

أول ما يمكن الحديث فيه هو فن التعامل مع الوالدين، مستدلاً بقوله تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا».

وذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما أتاه رجلٌ فقال: «إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه»، فقال: «هل بقى من والديك أحد؟»، قال: «أمي»، فقال: «قابل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد».

من فنون الذوق في التعامل مع الوالدين إجابتهم بالابتسامة والملاطفة، وإشعار الأب بأنه سيد الموقف، وفي حالة الحديث معهم لابد من النظر إليهم وعدم الانشغال عنهم، وعند تناول الطعام معهم لا يسبقهم الابن في تناوله، بل ويقدم لهم الطعام ويفضلهما بطيبه على نفسه، والمجاملة دون معصية، والاستئذان منهما قبل دخول الحجرة.

ويمضي الإسلام في تأسيس تعامل الفرد مع جميع أفراد عائلته، فالرسول صلى الله عليه وسلم صاحب ذوق رفيع في فن التعامل مع المرأة، ويقول: «إنّ أعظم الصدقة لقمة يضعها الرجل في فم زوجته».

وكان الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) رغم انشغاله الشديد، يعطي لزوجاته الوقت الكافي لسماعهن والحديث معهن وملاطفتهن، وحتى غيرة النساء رعاها النبي، حيث يروي البخاري عن أنس قال: كان النَّبيُّ عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمَّهات المؤمنين بِصَحْفَةٍ فيها طعامٌ، فضربت الَّتي النَّبيُّ في بيتها يد الخادم فسقطت الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فجمع النَّبيُّ فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثمَّ جعل يجمع فيها الطَّعام ويقول: «غَارَتْ أُمُّكُمْ».

ثمَّ حبس الخادم حتَّى أُتِيَ بصحفةٍ من عند الَّتي هو في بيتها، فدفع الصَّحفة الصَّحيحة إلى الَّتي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وأمسك المكسورة في بيت الَّتي كَسَرَتْ، ولم ينهرها أمام الخادم، ولم يواجه غيرتها بعنفٍ، بل لاطفها بقوله: «غَارَتْ أُمُّكُمْ»،

وتأمل هذا التقدير لها في اختياره لفظ «أمكم»، فلم يقل: غارت الفتاة، أو غارت عائشة، أو ما شابه.



آداب الزيارة

«إتيكيت» الزيارة في الإسلام يبدو واضحاً في قوله تعالى: «لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا»، وفيه إشارة إلى أن من ذوق الإسلام الاستئذان في الدخول، ولكن هذه الآية تلمس ذوقًا معنويًّا، وهو (الاستئناس)، ومعناها أبلغ من الاستئذان فهي تعني الاستكشاف والتعرُّف على رغبة أهل البيت في الزيارة من عدمها، وهو ذوق معنوي فوق ذوق الاستئذان المباشر.

وذوق آخر... يتمثل بالمشي في الطريق بأدب، يقول تبارك وتعالى:

«وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا»،

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى أسرع دون الجري، فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا ألاّ نتسكع في مشيتنا وأن نحافظ على الذوق في الطرقات.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص على عدم إيذاء شعور الآخرين... فكان يتحاشى أن يواجه الناس بالعتاب المباشر، فيقول: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ...»، ومن قوله أيضًا: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى رَجُلاَنِ دُونَ الآخَرِ، حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ؛ فإن ذلك يُحْزِنَهُ».

وقد عمل الإسلام على إلغاء ظاهرة الرقيق والعبيد، وبيان أهمية عتقهم، ولكنه في حال كان للشخص خادم فقد أشار إلى طريقة التعامل معه، مدللاً على ذلك بقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلاَمِي وَجَارِيَتِي، وَفَتَايَ وَفَتَاتِي».

وحتى في اختيار الأسماء والألقاب، كان لذوق الإسلام كلمة، ولأسلوب النبي موقف، فقد جاءه مرة رجل اسمه أصرم،

فقال رسول الله: «مَا اسْمُكَ؟» قال: «أنا أصرم».

فقال رسول الله: «بَلْ أَنْتَ زُرْعَةُ»، وجاء رجل إلى النبيِّ فسأله النبيُّ: «مَا اسْمُكَ؟» قال: حَزْنٌ. قال النبي: «أَنْتَ سَهْلٌ».



السلام قبل الكلام

حرص النبي على ترطيب اللقاء ببدئه بالسلام بقوله: (إذا التقيتم فابدؤوا السلام قبل الكلام، فمن بدأ بالكلام فلا تجيبوه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير ويسلم الصغير على الكبير).

وقد صار الصحابة رضي الله عنهم على هذا المنوال، فيروى أن أحد الأشخاص حلم ذات يوم بأن أسنانه كلها تساقطت فانزعج، وطلب مفسرا للأحلام! فقال له (إن جميع أقربائك يموتون قبلك)، فتشاءم الرجل، ثم أحضر مفسرا آخر فقال نفس القول فزاد تشاؤمه، حتى جاء الثالث وكان ابن سيرين، فقال(إنك ستكون أطول أقربائك عمرا إن شاء الله تعالى)، فأحسن إليه بجائزة برغم أن مضمون الآراء الثلاثة واحد.



السلوك

أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ندخل ونخرج من البيت بالتلطف وحسن التصرف، إذا دخلت دارك أو خرجت منها، فلا تدفع بالباب دفعا عنيفا، أو تدعه ينغلق لذاته بشدة وعنف, فإن هذا مناف للطف الإسلام الذي نتشرف بالانتساب إليه، بل أغلقه بيدك إغلاقا رقيقا، ويأتي المعنى في ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه ).

كما نهى النبي عن الجلوس في الطريق فقال: (إياكم والجلوسَ على الطرقات)، فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها.

قال: (فإذا أبيتم إلا المجالس؛ فأعطوا الطريق حقها).

قالوا: وما حق الطريق؟

قال صلى الله عليه وسلم: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر).

كذلك الأمر بالاستئذان (الاستئذان ثلاثا فإن لم يؤذن لك فارجع)، وأيضا (لا تقفوا أمام الباب ولكن شرقوا أو غربوا).



العلاقات

يحث الرسول صلى الله عليه وسلم، على العلاقات الودية بين المسلمين فيقول:

(من عاد أو زار أخا له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا)

ويعلمنا أيضا إتيكيت البشاشة: (إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق)، (تهادوا تحابوا).

وبيّن صلى الله عليه وسلم إتيكيت تقديم الورود: (من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة).

ولم ينس النبي صلى الله عليه وسلم الذوق والإتيكيت أثناء زيارة المريض (إذا دخلتم على المريض، نفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئا وهو يطيب بنفس المريض).
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي