كما أنه من الصعب إنكار وجود الفساد بصوره المختلفة من بلد إلى آخر، أيضاً بات من الصعب غض النظر عن المفسدين وتجاهل المتنفعين من ورائهم في مجتمعاتنا العربية؛ إنَّ تقاسم ثروة الوطن بين قلة يزدادون ثراءً، بينما يثوارث الكثيرون الحاجة اليومية واللهثَ وراء تأمين حياة مستقرة لهم ولأبنائهم من بعدهم مسألةٌ صارت حديث الساعة في الشارع العربي، وأصبح الحذر منها أولويةً أمام الوزراء وأعضاء البرلمانات العربية؛ لقد تجلَّتْ محاسبة الشعب للمسؤولين وفرضت وجودها، وآلَ الأمر في خلاصته إلى أنَّ على كل مسؤول في دائرته أن يعلم أنه تحت المجهر وحين يفتح الباب للمفسدين أو ضعاف النفوس سيكون هو أول مَنْ يُحاسَب، إن في الشرق ثروات مصدرها الطبيعة قدَّمها القدرُ منحةً لسكان هذه المناطق وللأسف قُوبلتْ هذه النِّعَمُ بسوء توزيعٍ لتلك الثروات وحين تم التعامل معها كان الانحراف واضحاً في توظيف عائدات هذه الثروات بعيداً عن مصلحة الوطن وحاجة المواطن، هنا تكمن مهمة أعضاء مجلس الأمة أو مجلس الشعب والتي تتلخص في الرقابة الحقيقية على توزيع وتوظيف هذه الثروات.
لقد سادت حقبة من التهاون تجاه هذه المسألة وتفاقم الأمر حتى تحوَّل الأداء المهني لنواب الأمة والشعب إلى أداء ينحصر في سجال دائم بينهم وبين الوزراء إلى أن تعدى الأمر إلى قلق وزاريٍّ مستمر من استخدام ورقة الاستجواب ما عرقل حركة التنمية الوطنية ومسيرة البناء في الوطن، وفي الوقت ذاته لو كان التعامل مع الثروات يتم بشكل يضمن إنصاف الوطن والمواطن ولو تميَّز الأداء الوزاري بمهنيته وشفافيته لما كان الاستجواب مصدر قلق للوزراء في شتى مجتمعاتنا في الشرق، إنها منظومة من التعاون السيدُ فيها هو الوطن، والضابطُ لها وعيُ الناس في اختيارهم مَنْ يمثلهم بلغة حيادية على أساس العلم والمعرفة والمهنية تستند إلى الفهم الحقوقيِّ للأمور، حاجات الناس هي حدٌّ أدنى ومتطلب أساس يجب توفيره وليس منحةً من أحد، وليست مهمة نواب الشعب تنحصر في الانشغال بأمور ضمنها الدستور لكل مواطن والانصراف عن الدور الأساس لنواب الأمة، وحتى تعود المحاسبة ويرجع الاستجواب حالةً صحية، وليس شبحاً يهز الاستقرار ويعرقل مسيرة الإصلاح.
علي سويدان
كاتب وأكاديمي سوري
[email protected]