لقد أتت الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز العنصري لتنص في مادتها رقم (5) على انه إيفاءً للالتزامات الأساسية المقررة في المادة 2 من الاتفاقية، تتعهد الدول الأطراف بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بأشكاله كافة، وبضمان حق كل إنسان دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل في المساواة أمام القانون، لا سيما بصدد التمتع بحقوق عدة منها: الحقوق المدنية الأخرى، ولا سيما الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين. وقد تضمنت الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والمصدق عليها فرنسياً عدداً من الأحكام التي تناهض ما شرعته الجمهورية الفرنسية تجاه حظر نقاب المرأة المسلمة، ومن بين هذه الأحكام نشير إلى ما يلي:
تضمنت المادة رقم (9) المعنونة «حرية التفكير والضمير والدين» النص على أن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق إقامة الشعائر أو ممارستها أو رعايتها بطريقة فردية أو جماعية وفي نطاق علني أو خاص.
وكلنا يعلم أن النقاب هو حرية شخصية ودينية وتضييقكم على المسلمات هو استرقاق واستعباد وكفر بحقوقهن، ويفترض أن فرنسا هي إحدى الدول الأوروبية التي تقدس الحريات وحقوق الإنسان، إلا أننا نراها تناقض تقديسها للحريات بتوالي انتهاكاتها للحقوق الإنسانية للمرأة المسلمة بداية من الحجاب الذي منع في المدارس، وصولاً إلى قرار جائر أقر وفعّل يوم الأحد الماضي الموافق بحظر النقاب وتغريم من ترتديه بمبلغ 150 يورو.
وقد صدر إعلان دولي بشأن مبادئ التسامح والذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين بباريس 16 نوفمبر 1995، حيث تضمنت مادته رقم (1) النص في فقرتها الرابعة على أن «ولا تتعارض ممارسة التسامح مع احترام حقوق الإنسان، ولذلك فهي لا تعني تقبل الظلم الاجتماعي أو تخلي المرء عن معتقداته أو التهاون بشأنها. بل تعني أن المرء حر في التمسك بمعتقداته وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم. والتسامح يعني الإقرار بأن البشر المختلفين بطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق في العيش بسلام...».
كيف لفرنسا أو غيرها من الدول أن تتدخل بحريتي؟ فحريتي من حقي وحدي ما لم تتعدى على حريات وحقوق الآخرين، فهي بهذا القرار الجائر الغاشم تخالف مبدأ الحريات التي انطلقت منه المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية والإقليمية والأوروبية، وإن القرار الفرنسي الظالم ظاهره المصلحة العامة والمصالح الأمنية وباطنه التضييق على المسلمين وكبت حرياتهم وهذه دعوة صريحة للتنازل عن عقائدنا وقيمنا الإسلامية. والله إننا لنأسف على الدول الإسلامية التي تذعن لهذا القرار المجحف، وكيف لا نأسف ونندم والكويت من الدول التي استسلمت وامتثلت لهذا القرار المتمثل بمطالبة لوزارة الخارجية الكويتية بالتزام المواطنات المنقبات بقانون حظر النقاب في فرنسا، وإن انصياع وخضوع الوزارة للقانون الفرنسي المستبد والمعارض للمواثيق الدولية والإقليمية والأوروبية المعنية بحقوق وحريات الإنسان ما هو إلا تهميش للنساء اللاتي يرتدينه لأن حرية التعبير عن القناعة الدينية وعن الرأي من الحقوق الإساسية. وطالبتنا الوزارة باحترام القرار ولم تطالب فرنسا باحترام إنسانيتنا وعقائدنا ومُثلنا الإسلامية التي لا نرضى التنازل عنها وسنظل ندافع ونذود عنها إلى أن ترتدع فرنسا وغيرها وتكف عن التضييق على المسلمين وقمع حرياتهم. وعلى رؤساء الدول الإسلامية ومنظماتها بالضغط على فرنسا لاحترام عقائدنا وقيمنا الإسلامية وتلقينها وغيرها درساً بعدم التعرض لحريات المسلمات المحجبات والمنقبات المقيمات في فرنسا وغيرها من الدول العلمانية، ولهن مطلق الحرية في ارتداء الحجاب والنقاب وإقامة الشعائر الدينية وممارستها سواء كانت فردية أو جماعية وفي نطاق علني أو خاص.
منى فهد العبدالرزاق الوهيب
[email protected]twitter: @mona_alwohaib