رؤية / لماذا الإصرار على محاكمة مبارك؟

تصغير
تكبير
| أحمد الضبع |

هناك سؤال مهم مطروح على الساحة الخليجية والعربية هو لماذا يصر الثوار في مصر على محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك؟؟ رغم ان شعب مصر عاطفي وتاريخه مشرق بالثورات البيضاء ومعروف عنه احترام قادته وحكامه بل وكباره على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية منذ عهد الفرعون، ولماذا هذا الاصرار رغم تقدير تعاطف معظم دول الخليج بل ونسبة لا بأس بها من شعوبها مع مبارك ورغم ابداء مبارك استعداده لتقديم توقيعات ومكاتبات منه ومن زوجته ونجليه وزوجتيهما للكشف عن سرية حساباتهم في الخارج، ولماذا هذا الاصرار رغم مطالبات العديد من الشخصيات وعدد من قادة المجلس العسكري باحترام سنه المتقدمة وحالته الصحية المتأخرة وتاريخه العسكري وانجازاته حتى وان كان هناك خلاف عليها، ورغم محاكمة وحبس نجليه ورموز حكمه ولماذا هذا الاصرار رغم العديد من الانجازات التي تحققت منذ نجاح الثورة وحتى الآن.

وحتى نكتشف سر هذا الاصرار علينا ان نبحر قليلاً في ظواهر وبواطن معسكر الثوار لنحاول ان نتعرف على مالديهم ولدى غيرهم من حجج واهمها:

أولا: المحاكمة ضرورية مع مسؤولية الرئيس عن افساد الحياة السياسية وعن كل ما تم نهبه من مصر في عهده ومسؤوليته عن سقوط مئات الشهداء وآلاف المصابين في الثورة وغيرهم ممن تضرروا من نظامه على مدى 3 عقود في ظل قانون الطوارئ، فضلاً عن كونها اكبر رادع لكل الرؤساء والمسؤولين الحاليين والقادمين حتى لا تتكرر الانحرافات والتجاوزات.

ثانيا: مصر الجديدة يجب ان تبدأ بشعار القانون فوق الجميع ووقف المحاكمة او منعها يعني التواطؤ ضد الثورة ومبادئ ارساء قيم العدالة في المستقبل، بل ان المحاكمة العادلة يمكن ان تكون في صالح مبارك نفسه اذا ما تم تبرئته من التهم الموجهة اليه وهو ما يتمناه عدد غير قليل من المصريين بل والعرب.

ثالثا: هناك تضارب كبير في الانباء حول ثروة مبارك وعائلته وربما يكون المبلغ المنهوب كبيرا وبالتالي فان هناك ضرورة تبرر السعي لاسترداد حق الشعب الذي لا يملك احد ايا ما كان التفريط به خصوصاً وان البلد في امس الحاجة الى تلك المبالغ في الوقت الراهن لتمويل برامج عاجلة على مختلف المستويات.

رابعا: دول غربية عديدة ألمحت او اعلنت عن وجود ارصدة لديها تخص الرئيس السابق واسرته والمقربين منه ومن نظامه وبعضها يشترط محاكمة قضائية مدنية عادلة تنتهي لادانة واحكام واضحة نهائية.

خامسا: الحديث عن ان ميزانية الرئاسة كانت مفتوحة ومتداخلة مع جهات اخرى عديدة وتصل الى نحو 40 مليار جنيه سنوياً ومعظمها سرية تحت بنود خفية مثل بند مصروفات اخرى الذي يتجاوز حجمه 30 مليار جنيه وكون المحاكمة ستفتح الباب امام دعم المطالب المنادية باصلاح هذا الخلل في المستقبل.

سادسا: الحديث عن ان جهاز الكسب غير المشروع اكتشف ان التعاملات على الحسابات السرية الخاصة بسوزان مبارك في مكتبة الاسكندرية ايداعا وسحباً بقيمة 145 مليون دولار كانت تتم بواسطة مبارك نفسه.

واضافة الى ما تم ذكره فلاشك انه ورغم تعاطف البعض مع خطاب الرئيس السابق على «العربية» الا ان الغالبية لم تتأثر ايجاباً بالخطاب واعتبرته مناورة لانه لم يقدم اعتذارا او حتى مبادرة بل نفى امتلاكه لاي ارصدة خارجية في الوقت الذي توجد فيه دلائل على وجود ممتلكات وارصدة لاسرته على الاقل في الوقت الراهن، ويرى البعض ان حبس مبارك بتهمة التحريض على الاعتداء على المتظاهرين كفيل بتشجيع المزيد ممن لديهم معلومات تدينه او تدين رموز نظامه لتقديمها للسلطات المختصة.

ولاننسى هنا حسابات المصالح ودور جماعة الاخوان المسلمين الواضح وخصوصاً في «جمعة المحاكمة والتطهير» واعلانها ان المحاكمة مطلب لميدان التحرير بل ومعظم الشعب المصري، ومباركة الثوار لها خصوصاً وانها ستبقي شباب الثورة في الواجهة طالما انهم مازالوا قادرين على تحقيق المزيد من الانجازات.

كما ان احزاب المعارضة تؤيد المحاكمة للاجهاز تماما على بقايا النظام والمنافسين المحتملين في الانتخابات المقبلة ولخوفها من الثورة المضادة بقيادة ما يسمى «فلول الحزب الوطني» الذين يحاولن تجميع صفوفهم رغم الدعاوى القضائية بشطب الحزب وسحب مقراته ومناورة اختيار المعارض طلعت السادات لقيادته ومحاولة اعادة زرعه في الكيان المصري.

لاشك اننا سنختلف على ما سبق عرضه من مبررات خصوصاً وان بعضها جدلي ومردود عليه الا انني افضل النظر الى المستقبل والى العائد الحقيقي من المحاكمة وألا نغفل حسابات التكلفة والعائد السياسي والاقتصادي من وراء تلك الخطوة على المستوى المحلي والاقليمي والدولي وعلى المديين القريب والبعيد.

وان كنت اتمنى ان تكون اولوياتنا بعد المحاكمة على ضرورة اعادة النظر بصورة واقعية في رفع مخصصات الرئاسة والمسؤولين... فمن غير المنطقي ان نتمسك بآلاف على الورق لندفع المسؤولين لصرف المليارات في الواقع.





محلل اقتصادي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي