عبدالله زمان / وبناءً عليه / حاكم ومؤسسة دينية

تصغير
تكبير
في المقال السابق المنشور بتاريخ 7 /4 /2011 ختمت كلامي بأسئلة عدة دون تقديم إجابات. واليوم أعرض تمهيداً للاجابات المحتملة وإعمال هذا العصف الذهني على شكل ملخص كالآتي:

بقراءة لواقع العقلية العربية الحاكمة في ظل الثورات الشعبية ببعض البلدان، نجد بأن بعض الأنظمة وجدت في بعض المفاهيم الشرعية مئونة وفيرة لضمان حكمها وأن الحاكم هو خليفة الله في الأرض وهو من بسط له الملك، وبالتالي استعمل مبدأ «ولاية الأمر» الذي قدمه له فقهاء البلاط على طبق من ذهب.

وعلى هذا الأساس، فقد عرف الحاكم السبيل الناجع للتوغل الفكري مع الشعب. وعليه، عقد تحالفاً وثيقاً مع المؤسسة الدينية واستمالة قوتها السياسية في تكوين دولة قوامها الولاء للحاكم عبر هذه المؤسسات. ومن توابع نظرية الخلافة الإلهية، أمعن الحاكم باستخدام الترغيب المذل تارة، وأخرى الترهيب الدموي باستخدام سطوته العسكرية لفرض الولاء الشعبي له، فقط لأن الله بسط له الملك وعلى المخلوق القبول بالذل والمهانة. فالشعب «الغلبان» لن يدخل الجنّة لو عصى ولي الأمر وشق عصا المسلمين كما يروّج له الإسلام السياسي.

ومن جملة الخدمات الأخرى التي تقدمها المؤسسات الدينية للحاكم، هي خدمة «فرّق تسد» ولكن هذه المرّة بنسختها المذهبية. فإن تفتيت الشعب إلى قسمين متقاتلين فكرياً اليوم، ودموياً في المستقبل سوف يضمن انشغال الشعب بنفسه وبالتالي إبعاد الخطر المحدق بكرسي الحكم. وهنا، نجد بأن كلّما خمدت نار الطائفية في مجتمع، أوعز الحاكم للمرتزقة وأصحاب البلطجة الفكرية الذين يلحسون بلاطه بإثارة الفتنة مرّة أخرى.

من زاوية أخرى، فإن الحاكم العربي مؤمن بعقله الباطن بأن الشعب هو الضلع الأقوى بثالوث الدولة، لذلك تجده يعالج مشكلة الولاء الشعبي له بطريقتين: فإمّا شراء الولاءات بالمغريات الدنيوية حيث أبدع فيها، أو استبدال ممنهج للشعب وسياسة الإحلال بالتركيبة السكانية، وصولاً لتركيبة شعبية مسلوبة القناعة وممسوخة الهوية ولا تستطيع حتى النطق بلغة الحاكم نفسه. طبعاً مع الإبقاء على المد الشعبي لأنصار المؤسسة الدينية ومنافعهم المصلحية.

المصيبة بأن عورات بعض الأنظمة تكشفت بشكل سريع جداً في ظل الثورات المتلاحقة. إذ ما برح يعتلي الكرسي إلاّ وعينه وعائلته على نهب موارد الدولة مشفوعاً بغرائزه الملحة لفرض «خلافته الإلهية» على الشعب الأعزل حتى لو أباده عن بكرة أبيه أو استبدله كما ذكرنا.

كما نجد أيضاً بأن صراع الأجيال داخل المؤسسة الحاكمة يطفو سريعاً. إذ المأمول بالحاكم الشاب بأنه يريد الخير لشعبه لكونه وعدم تأثره بشكل مباشر بالإسلام السياسي وهرطقاته، في مقابل من أصابهم الصدأ الفكري والشيخوخة وهم الذين امتهنوا استخدام مكياج الإسلام الديني ومؤسساته البالية. فالأول يريد أن يعيش مع شعبه لتلمسه واقع حالهم، بينما الثاني يرى أحد رجليه بالقبر والرجل الأخرى على الكرسي، فينتقم من شعبه أكثر لأنه ميتٌ لا محال.

ختاماً أقول بأن الحل الجذري يكمن بالدولة المدنية القوية بالقانون والدستور فقط ولا شيء آخر سواه.



عبدالله زمان

كاتب كويتي

[email protected]

Twitter: @ZamanQ8
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي