«8 آذار» تأخذ على ميقاتي «تريثه» غير المبرر في تشكيل الحكومة

منازلة «عاصفة» بين الحريري ونصرالله محورها دور إيران في المنطقة

تصغير
تكبير
| بيروت ـ «الراي» |

الحدث في سورية، العين على ايران، والتداعيات... الى لبنان. فغداة يوم الجمعة الدامي في مدن سورية عدة تهيأت بيروت لـ «ربط الأحزمة» نتيجة الاعتقاد السائد بأنه كلما إهتز الوضع في سورية اصيب لبنان بالمزيد من الاهتزازات، في الوقت الذي انعكس التوتر العربي مع ايران على المناخ السياسي في بيروت، التي بدت على موعد مع «حرب سياسية» إندلعت طلائعها بين رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بسبب الموقف من دور طهران في لبنان ودول العالم العربي.

هذه التطورات الحامية جعلت ملف تشكيل الحكومة، على حيويته، بمثابة حدث جانبي، رغم الكلام عن تقدم في مفاوضات التأليف بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ومكونات الاكثرية الجديدة (8 آذار)، لا سيما لجهة التفاهم المبدئي على الأحجام داخل الحكومة العتيدة، وفق صيغة 19 ـ 11 موزعة على 10 وزراء لـ «تكتل التغيير والاصلاح» بزعامة العماد ميشال عون و9 وزراء لحليفيه «حزب الله» وحركة «أمل»، و11 وزيراً لرئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

واللافت في بيروت ان الكلام عن تقدم في تشكيل الحكومة لم يبدد الشكوك حول امكان عدم رؤيتها النور قريباً. وقالت مصادر بارزة في قوى «8 آذار» لـ «الراي» ان الرئيس ميقاتي لم يغادر تريثه في بت عملية التأليف لسببين: لإعتقاده بأن تشكيل الحكومة بموازين القوى الحالية من شأنه ان يستفز طائفته (السنة)، وتحسباً لـ «الأثمان» التي قد يدفعها كرجل اعمال له مصالح حيوية في الخارج، مشيرة الى ان الاكثرية الجديدة التي ترغب بولادة قريبة للحكومة تعتقد ان هامش المناورة امام ميقاتي بدأ يضيق.

وثمة من يعتقد في بيروت ان إلحاح قوى «8 آذار» على ضرورة حسم الملف الحكومي، ربما يكون مرده الى أمرين: حال عدم الاستقرار في سورية والحاجة الى اقصاء الرئيس الحريري حتى عن «تصريف الأعمال»، خصوصاً وان تطورات الايام الاخيرة عكست صراعاً مضطرداً على «القرار» في لبنان وعلى موقع لبنان الاقليمي، وتحديداً مع إنفجار الحرب الكلامية بين «تيار المستقبل» وفريقه من جهة و«حزب الله» وفريقه من جهة اخرى في شأن الموقف من الدور الايراني اثر احداث البحرين والاحكام بحق شبكة التجسس الايرانية في الكويت والاتهامات المتبادلة بين الرياض وطهران.

وكانت آخر جولات «المنازلة» غير المسبوقة بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» تجلّت في الكلمة البارزة التي ألقاها الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله قرابة الثامنة والنصف من مساء امس عبر شاشة «المنار» والتي ردّ فيها «بقسوة» على الرئيس الحريري في موضوع ايران، كما كان له موقف اول من نوعه من هجوم زعيم «المستقبل» على سلاح «حزب الله» بالاسم، ودائماً تحت سقف ان هذا الاصطفاف هو في إطار مصالح «المحور الاسرائيلي ـ الاميركي».

كما لم تغب عن كلمة نصر الله المتلفزة قضايا الساعة في لبنان، سواء المتصلة بالواقع الامني في ضوء أحداث سجن رومية وقضية خطف الاستونيين وتفجير كنيسة زحلة، فضلاً عن ملف اللبنانيين في ساحل العاج، ووثائق «ويكليكس»، من دون ان يغفل اثارة الشأن الحكومي على قاعدة وجوب الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة.

وجاء انخراط الامين العام لـ «حزب الله» شخصياً في «الحرب الكلامية» مع الحريري، غداة السجال المباشر غير المسبوق بين رئيس حكومة تصريف الاعمال وطهران التي ردّت على انتقاد الحريري «التدخل الايراني السافر في الدول العربية» وتأكيده «ان لبنان ولا دول الخليج لا ترضى ان تكون محمية ايرانية».

وقد اعتبر الناطق باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست أن تصريحات الرئيس الحريري «مثيرة للتفرقة»، معلناً «ان اتخاذ موقف مخادع وفي إطار مصالح المحور الأميركي - الصهيوني لا تصب في مصلحة لبنان وإنما تهدد استقرار المنطقة واستقلالها». وقال إن على الحريري «فهم اسس الثورات الشعبية في الشرق الاوسط العربي بشكل صحيح وان يعتبر أن اساس الحكم يكمن في احترام عزة الشعوب وشموخها واستقلالها وتجنّب التبعية للغرب ولا سيما اميركا والصهيونية». واكد «ثوابت طهران في التعامل الشامل مع جميع الطوائف اللبنانية ولبنان الموحد الامر الذي تم اثباته للجميع في الوقت الحاضر»، مشدداً على «ضرورة احترام الحقوق المسلّم بها للشعوب»، وقال: «لذلك فإن شرط بقاء وديمومة الحكم يكمن في الاهتمام بمطالب الشعوب لا التبعية لنظام الهيمنة»، معتبراً ان «لبنان الصامد هو بلا شك غير مستثنى عن هذه القاعدة».

ولم يتأخّر ردّ الحريري على ايران، فاعتبر في بيان صدر عن مكتبه الإعلامي «أن الاتهامات التخوينية الصادرة على لسان الناطق باسم الخارجية الإيرانية ما هي سوى هروب الى الأمام ومحاولة للتغطية على المشاكل الحقيقية بشعارات ممجوجة ومكرّرة بمناسبة أو من غير مناسبة». وأكّد «أن المطلوب من النظام الإيراني، عوض تكريس وقته وجهده للردّ على المسؤولين في لبنان والبحرين والعراق وفلسطين والكويت ومصر واليمن والمغرب والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، هو الكف عن التدخل في شؤون هذه البلدان وإثارة النعرات بين أبنائها والعودة الى شروط حسن الجوار».

وكان الحريري الذي أرجأ زيارته لمصر (كانت مقررة امس) الى موعد لاحق بسبب أمر طارئ استجد على جدول أعمال رئيس المجلس العسكري المصري المشير محمد طنطاوي، تطرق خلال ترؤسه اجتماع نواب «كتلة المستقبل» اول من امس الى «الهجمة الفارسية» على المنطقة العربية من لبنان الى البحرين «إذ لم يعد مسموحاً العودة إلى الوراء، ولا بدّ بالتالي من مواقف حاسمة، قادرة على تصحيح الإعوجاج». واذ كشف انه ستكون له جولة عربية واسعة ستقوده إلى السعودية ومصر وقطر والبحرين والامارات، ودول أخرى لم يحددها، في إطار تحصين الاستقرار اللبناني، عزا تأجيل زيارته للقاهرة الى سبب تقني «نتيجة ارتباطات طارئة لرئيس المجلس العسكري في مصر المشير محمد حسين طنطاوي، الذي سيزور (امس) السعودية مع رئيس الحكومة عصام شرف».

ونقل نواب عن رئيس حكومة تصريف الاعمال قوله ان الخطابين اللذين القاهما أخيراً حول سلاح «حزب الله» وإيران «أعادا شيئاً من التوازن إزاء وضع اللبنانيين في الخليج الذين يقدر عددهم هناك بنحو 300 ألف لبناني»، لافتاً النظر إلى «ان السياحة إلى لبنان تراجعت بنسبة 35 بالمائة والجزء الأكبر منها يأتي من الخليج، كما أن اللبنانيين هناك تعرضوا لاضرار كبيرة بعد الموقف الأخير للسيد نصر الله من تطورات الوضع في الخليج ولا سيما في البحرين، بغض النظر عن طائفة أي واحد منهم أو مذهبه». وأضاف بأن التدخل الإيراني في المجتمعات العربية، ليس سراً، وكنا في مرحلة سابقة ندوّر الزوايا في إطار الحرص على العلاقات العربية - الإيرانية، مشيراً إلى انه عندما زار طهران أخيراً سأله المسؤولون الإيرانيون عن السبيل لتحسين هذه العلاقات، فأجابهم بعدم التدخل «لكن الايرانيين استمروا في التدخل والذي اتخذ في التطورات الأخيرة طابعاً مكشوفاً في اتجاه تغيير أنظمة الحكم، وهذا امر ليس مقبولاً»، مؤكداً أن الموقف الذي اعلنه «اساسي ولا تراجع عنه».

وعن زيارته الأخيرة لتركيا، اوضح أنه لمس من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أن هناك تحديات كبيرة تواجه المنطقة، مبدياً تخوفه من الوضع في ليبيا، ومؤكداً «أن أمن الخليج من أمن تركيا، وأن الأتراك في النهاية هم مع التحرك الشعبي، ويؤيّدون الدولة السورية مع ضرورة إجراء إصلاحات».

في هذه الأثناء، ووسط دخول علاقة الحريري ـ «حزب الله» والحريري ـ ايران على خط «التوتر العالي»، برز موقف لرئيس الجمهورية ميشال سليمان

رأى فيه وجوب تهدئة الخطاب السياسي وتغليب لغة الحوار، داعياً المعنيين بالشأن العام من مسؤولين ومرجعيات وقيادات «الى تغليب المصلحة العامة للبنان التي تجسد الارادة الوطنية الجامعة لابنائه وتلك المقررة في مجلس الوزراء».

واكد سليمان «ان الامور الداخلية لا تعالَج الا بالحوار وروح التعاون والوفاق الوطني»، مكررا الدعوة الى «تحاشي السجالات التي ثبت ان لا طائل منها، والمواقف التي تزيد الامور تعقيدا على المستوى الداخلي من حيث ترسيخ السلم الاهلي والاستقرار الامني والاقتصادي ومصالح اللبنانيين، او على المستوى الخارجي إذ ترتكز سياسة لبنان الخارجية على مبدأ الابتعاد عن المحاور وتلافي جعله ساحة للصراعات الاقليمية والدولية، وتنطلق من ثابتة اساسية هي السعي الدائم لتعزيز التقارب والتضامن والعمل العربي المشترك والحفاظ على العلاقات المميزة مع دول المنطقة».

في موازاة ذلك، استمرت المواقف على ضفتيْ الصراع امتداداً لـ «الكباش العمودي»، اذ اسف نائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم لكون «جماعة 14 آذار اليوم يسعون لتخريب البلد لأنهم ليسوا في السلطة، ويسعون لإحداث الفوضى لوجود الأكثرية النيابية والشعبية في مكانٍ آخر، ويعملون للتحريض الإقليمي والدولي ولجعل لبنان مسرح خلافات وساحة لا ينتفع منها لبنان لمجرد أن الأمور ليست بيدهم أو لأنهم لا يتحكمون بمقادير الأمور»، سائلاً: «هل الخروج من السلطة يستدعي تخريب لبنان؟ هل عدم القدرة على إقناع الفئات المختلفة بأن يكون الحكم بأيدي شخص أو جهة معينة يستلزم إحداث الفوضى وتخريب الواقع الاقتصادي والسياسي في لبنان؟».

وفيما رأى نائب «حزب الله» علي فياض أن «الذين يتهجمون على ايران ويحيدون الدور الاسرائيلي، يعبرون عن موقف يستجيب حرفيا وبصورة كاملة للموقف الاميركي ويتقاطع مع المساعي الاسرائيلية»، معلناً «لم نكن نعلم ان الخروج من السلطة يفقد التوازن الى هذا الحد ويجعل من البعض مجرد أدوات صغيرة في مشروع كبير يريح اسرائيل»، شنّ النائب محمد كبارة (من كتلة الحريري) هجوماً قاسياً على «حزب الله» وايران التي «نطالبها بوقف التدخل السافر في شؤوننا وشؤون المجتمعات العربية فتردّ بتأكيد تدخلها، وتحاول أن تعطينا دروساً كيف نتعامل مع شعبنا»، لافتاً الى «ان غطرسة إيران، بل عدم ترددها في تأكيد تدخلها في شؤوننا، لا يشبه سوى غطرسة حزبها المسلح الذي يحتل أجزاء من لبنان عندما لم يتردد في اعتبار اعتداءاته على حرمات المنازل والآمنين والنساء والأطفال في 7 مايو 2008 بأنها يوم مجيد».

واذ طالب كبارة إيران «بعدم التدخل في شؤوننا»، قال: «نعلن رفضنا التحول محمية فارسية، فترد علينا باتهامنا بأننا نخدم المحور الصهيوني ـ الأميركي. ونقولها صراحةً لمن يريد أن يفهم في الدولة الايرانية، ولمن يريد أن يسمع من وكلائها المحليين: لا نريد شيئا من أحد سوى عدم التدخل في شؤوننا، نحن لا نعادي إلا من يعتدي علينا، نعادي إسرائيل وكل من يعتدي علينا، ونعادي أي سلاح يوجّه إلى سيادتنا واستقلالنا وهويتنا اللبنانية العربية».

 

طهران تدين تصريحات الحريري

«الواهية والمثيرة للتفرقة»

 

طهران - من أحمد أمين



دان الناطق باسم وزارة الخارجية الايرانية رامين مهمانبرست، ما اسماه «التصريحات الواهية والمثيرة للتفرقة التي ادلى بها (رئيس حكومة تصريف الاعمال في لبنان) سعد الحريري»، معتبرا انها «لا تصب في مصلحة لبنان».

واضاف «ان اتخاذ موقف مخادع وفي اطار مصالح المحور الاميركي الصهيوني، لا تصب في مصلحة لبنان فحسب، وانما تهدد استقرار واستقلال المنطقة».

وحض الحريري على «الادراك الصحيح لدروس الثورات الشعبية في الشرق الاوسط، لاجل ان يعرف ان معيار حكم الشعب هو احترام كرامة وشموخ واستقلال الشعب وتجنب التبعية للغرب خصوصا اميركا والصهيونية».

وتابع الناطق «ان ايران تؤكد على سياستها الثابتة في التعامل الشامل مع جميع الاطياف اللبنانية ولبنان الموحد، حيث برهنت على ذلك للجميع في الفترة الماضية والحالية، كما انها تشدد على احترام الحقوق المشروعة للشعب، لذا فان شرط البقاء في الحكم هو احترام مطالب الشعوب وليس التبعية لنظام الهيمنة، وبلا شك فان لبنان المقاوم ايضا لم ولن يكون استثناء من هذه القاعدة».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي