أنوار مرزوق الجويسري / بشريون نحن

تصغير
تكبير
«بشريون نحن»، إطلاق هذا المسمى يذكّر بالضعف والانهزامية، بالتقزم والمحدودية، لم يُختلق عبثاً، ولم يوضع مسمىً لغوي لغير معنىً أُريد له، هو للذكر والأنثى على حد سواء ليبعث في النفس معنىً آخر من معاني المساواة الواقعية، يذكّر بالأصل والمنبت لنعود لموضعنا الذي خُلقنا لأجله، نعم بشريون نحن، الكمال في مقياسنا يُعد نقصاً في المقاييس الكونية والمقاييس التي ما البشر إلا جزء منها، حتى نعلم أننا سنُردّ إلى أرذل العمر حينها نعمل ونبذل بما نملك من أعمار محدودة وقوةٍ زائلة، «بشر» للجمع والمثنى والمفرد، لنعي معنى الجماعية والفردية، كي لا نتملص من واجبات ولا نبخس الحقوق، ليتضح لنا أن الفرد لا ينسلخ من الجماعة، هو جزأ منها، مكون أساسي فيها، مؤثرٌ متأثر، كما هي الجماعة لا يصلح لها وجود دون الفرد، مرهون بقاء كل منهم بالآخر، معنى آخر من معاني البشرية... معنى الخطأ، الزلل، النسيان، النقص، ليس في ذلك إهانة لنا ولا عيب فينا، ولا يعني ذلك انكساراً ولا تخاذلاً، وإنما هو بناء حياتنا واستمراريتها، مقدار الإنجاز يتناسب طردياً مع مقدار النقص، مفهوم التسامح يزداد توسعاً بازدياد النسيان، مفهوم التجديد يتنامى بتنامي الخطأ والزلل، فلن نتوقع التقدم ممن هو كامل لا نقص فيه، ولن نتوقع الرقي والتطور ممن وصل لأقصى المراتب، لا نتوقع الكثير ممن يملك الكثير لأنه اكتفى أو استغنى فهو لن يخطأ، لن ينسى فلن يغفر، ذلك يعني اختفاء مظاهر الإنسانية والرحمة والود، هنا نصل لمفهوم أعمق، إنسانية وبشرية، تكمل حيواتنا، تلك المفاهيم التي تجعل لحياتنا معنى من التكامل لا الكمال، تمنحنا تفهمّاً وتعايشاً ليس له مثيل في غير عالمنا... بني البشر، بني الإنس، هنا يكون وعينا بعظمة ما نملك من أمانة واستخلاف بحجمه وثقله، لنقارنه بحجم ما نعطي وما نبذل، كل ذلك بل أكثر نستقيه من كلمة تجر معاني عدة، نتفحص المعاني فتكون قوالب لممارسات ومفاهيم تتحكم بمسار الانفعالات والتفاعلات، تضيف لنا أكثر مما نضيف لها بنشرها ومداولتها، تمدنا بتفاهم وتواصل يحوي بين طياته الآراء والقناعات، المشاعر والأفكار، حتى نوقن أن للكلمة وقعا وللكلمة أثرا.





أنوار مرزوق الجويسري

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي