إشراقات النقد / أزمة هوية أم أزمة انتماء ... في زمن العولمة وتعدد الثقافات

من أعمال الفنان سامي محمد


| سعاد العنزي |
بدل الحديث عن أزمة عربية واحدة تسلط الأضواء عليها لمعالجتها ومداواتها صار الحديث عن أزمات متعددة ودول مريضة بجرثومة الديكتاورية أو الديموقراطية المتسامحة، وبدلا من** أن تكون عين الخليجي وقلبه على ما يجري في ليبيا الشقيقة، فهو ما فتئ يجد نفسه هو الجريح، وقد أصابته شظايا تلك القنابل الموقوتة في تفجير غضب الشارع العربي، الذي كان منذ الأزل موجوداً في حالة صمت مفخخ بين تارة وأخرى على حسب موجات ريح الشمال. فما حدث في البحرين الشقيقة إن جهلنا بعض خفاياه فهو بالتأكيد تعزيز لنظرية قديمة دويلات وطوائف ضعيفة تسود خارطة الوطن العربي، فتتأثر وحدتنا العربية التي مازالت تعاني من الصراع المحتدم بين الوجود بالفعل أم بالقوة، فكل يعتني بشأنه ويدور في دوامته الخاصة لتنفيذ أجندة سياسية لا يعلمها إلا مدبر السماوات والارض ومابينهما.
اليوم ونحن نتحدث عن أزمة خليجية في البحرين الشقيقة وبرؤية متفاعلة مع الأحداث، إذ كل انقسم قسمين، كل قسم منهما ينفي الجرم عن طائفته ويرمي سبب ما حدث على الطائفة الأخرى، تعود بي الذاكرة إلى مرحلة كتابة «صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة « التي مكنتني من الاقتراب من صور الفتنة التي حدثت في الجزائر وأرى صورها ترتطم بذاكرتي بين فينة وأخرى مع أحداث مشابهة لها في الوطن العربي، نعم المسببات هي مختلفة بين ماحدث في الجزاير والبحرين والسعودية من قبلها والعراق، ولكنها سيناريوهات متشابهة وخطابين إنسانيين متشابهين بين الفئة الضالة والصابئة وبين خطاب ضعيف لمن هم يريدون العيش بسلام. فقراءة الأحداث في البحرين أحالتني لإعادة قراءة تاريخ العنف والتطرف واالإرهاب الذي تبرأ منه الأديان والمذاهب، وتحمل وزره الفتنة السياسية، فما حدث كان وقوده الرغبة العارمة في الحكم والسلطة.
ولكن السؤال المهم هنا من المستفيد الأساسي في تاجيج الفتن الطائفية في البلاد العربية، إن كان النفط والموارد الاقتصادية زمامها بإيد من نتفهمهم بين الفينة والأخري بتهمة المؤامرة، والشؤون السياسية لبلداننا نجدها بين أيديهم بل إننا نسمع تصريحاتهم السياسية حول شؤونها قبل أن يتفوهها مسؤولونا في الوطن العربي؟!
إذاً... ماذا ينقص الطرف الآخر او الأطراف الأخرى، كي يدعونا أن نعيش في سلام وأمان؟ أم إن شرط الأمان والسلام والهدوء هو مطلب التقدم والتطور لأي شعب من الشعوب، بالإضافة إلى أن مقومات التطور موجودة في الوطن العربي وبلدان الخليج العربية ثروات هائلة من شأنها ان تحول الرمل الى تبر، أراض واسعة وخصبة بكل خير، والأهم من ذلك جانب روحاني قوي وعظيم مفعم بروحانية الإسلام العظيمة وهمة الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم الذين فتحوا أرجاء الدنيا غربا وشرقا بتلك الهمة العظيمة.
إن الآخر إن كان شرقا أو غربا حرص على تأجيج الفتن والطائفية البغيضة، باستخدام أدواته من الشارع العربي وجعل تلك الدماء التي نحسبها عربية شريانا أساسيا لفرقة أبناء الأمة الواحدة.فالصف الواحد، أصبح صفوفا، والإنقسام أصبح انقسامات، وكلمة الشارع العربي أصبحت الشارع الخليجي، والشارع المصري، والشارع السوري فالليبي والمغربي، وعدنا كما كنا قبائل وطوائف، ودويلات صغيرة. ومن السخرية أن نرى الحكومات العربية كل منها يتظلل قليلا بريش النعام قبل أن تأتيه الدوية التي تزلزل عرشه من دون ألا يعلم للخروج سبيلا. فالجرم لا مناص منا و الخطأ في معظمه يقع علينا لأننا نعلم بمؤشرات الخطر ونغمض أعيينا وكأننا لانعلم ونقاوم الواقع بالوهم، ونتجاهل تلك الدراسات الاستراتيجية والكتاب والمفكرين المحذرين، ونستمر نغذي واقعنا ومصيرنا بالجهل وحده. وكأن الواحد منا للتو يكتشف طائفته ومذهبه وقبيلته وحضريته من بدويته، منذ مئات السنين تعايشنا وتآلفنا في أرض عربية واحدة، فما هي تلك المفخخات الطائفية والمذهبية، فتجد القبلي مقابل لغير القبلي، والحضري مقابل الطائفي، والسنتر مقابل الأطراف، لكي تشتعل الأطراف وتبحث عن مركز حيوي لها حتى وإن كان هذا المركز مركز هلاك ودمار وحروب طائفية وأهلية لها من القدرة على تدميرنا مالا استطاع الاستعمار الفرنسي والبريطاني فعله وقت الاستعمار، فوقت الاستعمار وقف الجميع صفا واحدا من أجل نصرة البلاد العربية وتحرير ها، وبالطبع وبسبب وحدة الصفوف العربية وقتها خرج الاستعمار وتحررت البلدان العربية، ولم نكن نسمع هذه التفريقات والتصنيفات ذات الوجه البشع والجوهر المدمر، ولم يكن لها وجود، نحن هنا لا ننكر دين وانتماء ومذهب وقبيلة وطائفة أحد، ولكن ننكر التعامل مع هذه الحقائق الإنسانية و تحويلها من حقيقة إنسانية لها نسيجها ومكوناتها إلى قنبلة فتنة موقوتة لتدمير نسيج الخليج العربي، والعالم العربي.
بهذا التصور أتوجه إلى سؤال الهوية، وإشكالية الهوية والانتماء في الوطن العربي بشكل عام، وفي بلاد الخليج بشكل خاص ودقيق، في وقت اكتسحت العولمة بيوتنا، والثقافات المتعددة أصبحت تشاركنا في طاولتنا المعيشية، فالثقافة المادية التي ارتضينا استيرادها إلى قعر دارنا، حملت معها ما حملت من أفكار سلبية وتحررية لا أخلاقية غير مغربلة من قبل أجهزتنا الثقافية فمرت من دون أن تكون لها تيارات مضادة من عندنا وهي تعزيز قيمة الهوية والثقافة العربية الإسلامية، إضافة إلى ظهور القنوات الخاصة وانتشارها فأصبحت القبائل لها قنواتها الخاصة، والمذاهب والطوائف لها إعلامها الذي يمثلها، وليس على أنا كمتلقٍ إلا أن أرى ما يمثل موروثي الإنساني الضيق فأتبعه وأتباهى بوجودي علي تلك الشاشة الساحرة، التلفزة، أنا موجود وصوتي مسموع على مرأى من الإعلام، من دون أن أحدد معالم هويتي الأصيلة في الانتماء إلى الوطن، وسبك مفهوم مواطنتي الحقة، فهل أنا انتمي إلى أرضي ورموز هذه الأرض الوطنيين، أو أنتمي إلى ذلك الآخر الذي يمثل وجودي الطائفي والمذهبي، هل أتسامى علي دائرتي الضيقة، أيا كانت وانصهر في بوتقة البلد العظيم الذي أنتمي إليه والذي أعطاني مسببات العيش الكريم ورعاني كما رعياني والداي، أم أغرد خارج السرب وأنتمي إلى تلك النداءات السياسية التي ارتدت لباس الطائفية كي تستحوذ على ممتلكات بلدي وليس أنا، فأنا كفرد ماذا أضيف لها، وهل لو كنت خارج هذه المنظومة المترفة سأعني لها شيئا؟!
أعود وأكرر بشدة، إنني لا ألوم الآخر الذي حاول اجتياح سيادتي بقدر ما أوجه سهام النقد لداخلي الذي سمح للآخر المعادي أن يهاجمني ويفتت وحدتي، لم نع أهمية الوحدة الوطنية إلا بعد الهجمات المعادية لها، لم نوقن أهمية دراسات الهوية إلا بعد تعرض هويتنا الخليجية للخطر، بمعنى أدق ننتظر وقوع الأزمات فنعالجها تاليا، وهذا هو الخطأ الذي نعيشه في متراتباته، في الغرب وقبل أن تتهادى العولمة بخيلائها على دول العالم كله، ظهرت دراسات الهوية التي تقف كصمام الأمان أمام أخطار الغزو الثقافي.
اليوم، ونحن نشدد على أهمية دراسة الهوية، نرى كتاب الكاتب والروائي اللبناني أمين معلوف، «الهويات القاتلة»، يقدم رسالة إنسانية عظيمة في التسامح وقبول الآخر، والتعايش مع هويتي بكل انتماءاتها المتعددة والمتصالحة، وأصبحت هذه المعالجة الإنسانية القيمة تدرس في الجامعات والمدارس الهولندية لمدى أهميتها. حقيقة الكتاب يحتاج منا قراءة واعية وتفصيلية في وقت لاحق، ولكن سأضع بين أيديكم مقطعا مهما، يتوافق ومقتضى الحال في هذه الأيام المحورية، فهو يتحدث عن إشكالية الانتماء والهوية ويحدد إشكاليتها بكونها متغايرة بحسب العوامل المهددة لأحد هذه الانتماءات بقوله:
«يوجد في كل العصور أناس يعتبرون أن هناك انتماء واحدا مسيطرا، يفوق كل الانتماءات الأخرى وفي كل الظروف، إلى درجة أنه يحق لنا أن ندعوه «هوية». هذا الانتماء هو الوطن بالنسبة لبعضهم والدين بالنسبة لبعضهم الآخر. ولكن يكفي أن نجول بنظرنا على مختلف الصراعات التي تدور حول العالم لننتبه إلى أن أي انتماء لا يسود بشكل مطلق. فحيث يشعر الناس أنهم مهددون في عقيدتهم يبدو أن الانتماء الديني هو الذي يختزل هويتهم كلها. ولكن لو كانت لغتهم الأم ومجموعتهم الإثنية هي المهددة لقاتلوا بعنف ضد أخوتهم في الدين».
* كاتبة وناقدة كويتية.
[email protected]
بدل الحديث عن أزمة عربية واحدة تسلط الأضواء عليها لمعالجتها ومداواتها صار الحديث عن أزمات متعددة ودول مريضة بجرثومة الديكتاورية أو الديموقراطية المتسامحة، وبدلا من** أن تكون عين الخليجي وقلبه على ما يجري في ليبيا الشقيقة، فهو ما فتئ يجد نفسه هو الجريح، وقد أصابته شظايا تلك القنابل الموقوتة في تفجير غضب الشارع العربي، الذي كان منذ الأزل موجوداً في حالة صمت مفخخ بين تارة وأخرى على حسب موجات ريح الشمال. فما حدث في البحرين الشقيقة إن جهلنا بعض خفاياه فهو بالتأكيد تعزيز لنظرية قديمة دويلات وطوائف ضعيفة تسود خارطة الوطن العربي، فتتأثر وحدتنا العربية التي مازالت تعاني من الصراع المحتدم بين الوجود بالفعل أم بالقوة، فكل يعتني بشأنه ويدور في دوامته الخاصة لتنفيذ أجندة سياسية لا يعلمها إلا مدبر السماوات والارض ومابينهما.
اليوم ونحن نتحدث عن أزمة خليجية في البحرين الشقيقة وبرؤية متفاعلة مع الأحداث، إذ كل انقسم قسمين، كل قسم منهما ينفي الجرم عن طائفته ويرمي سبب ما حدث على الطائفة الأخرى، تعود بي الذاكرة إلى مرحلة كتابة «صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة « التي مكنتني من الاقتراب من صور الفتنة التي حدثت في الجزائر وأرى صورها ترتطم بذاكرتي بين فينة وأخرى مع أحداث مشابهة لها في الوطن العربي، نعم المسببات هي مختلفة بين ماحدث في الجزاير والبحرين والسعودية من قبلها والعراق، ولكنها سيناريوهات متشابهة وخطابين إنسانيين متشابهين بين الفئة الضالة والصابئة وبين خطاب ضعيف لمن هم يريدون العيش بسلام. فقراءة الأحداث في البحرين أحالتني لإعادة قراءة تاريخ العنف والتطرف واالإرهاب الذي تبرأ منه الأديان والمذاهب، وتحمل وزره الفتنة السياسية، فما حدث كان وقوده الرغبة العارمة في الحكم والسلطة.
ولكن السؤال المهم هنا من المستفيد الأساسي في تاجيج الفتن الطائفية في البلاد العربية، إن كان النفط والموارد الاقتصادية زمامها بإيد من نتفهمهم بين الفينة والأخري بتهمة المؤامرة، والشؤون السياسية لبلداننا نجدها بين أيديهم بل إننا نسمع تصريحاتهم السياسية حول شؤونها قبل أن يتفوهها مسؤولونا في الوطن العربي؟!
إذاً... ماذا ينقص الطرف الآخر او الأطراف الأخرى، كي يدعونا أن نعيش في سلام وأمان؟ أم إن شرط الأمان والسلام والهدوء هو مطلب التقدم والتطور لأي شعب من الشعوب، بالإضافة إلى أن مقومات التطور موجودة في الوطن العربي وبلدان الخليج العربية ثروات هائلة من شأنها ان تحول الرمل الى تبر، أراض واسعة وخصبة بكل خير، والأهم من ذلك جانب روحاني قوي وعظيم مفعم بروحانية الإسلام العظيمة وهمة الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم الذين فتحوا أرجاء الدنيا غربا وشرقا بتلك الهمة العظيمة.
إن الآخر إن كان شرقا أو غربا حرص على تأجيج الفتن والطائفية البغيضة، باستخدام أدواته من الشارع العربي وجعل تلك الدماء التي نحسبها عربية شريانا أساسيا لفرقة أبناء الأمة الواحدة.فالصف الواحد، أصبح صفوفا، والإنقسام أصبح انقسامات، وكلمة الشارع العربي أصبحت الشارع الخليجي، والشارع المصري، والشارع السوري فالليبي والمغربي، وعدنا كما كنا قبائل وطوائف، ودويلات صغيرة. ومن السخرية أن نرى الحكومات العربية كل منها يتظلل قليلا بريش النعام قبل أن تأتيه الدوية التي تزلزل عرشه من دون ألا يعلم للخروج سبيلا. فالجرم لا مناص منا و الخطأ في معظمه يقع علينا لأننا نعلم بمؤشرات الخطر ونغمض أعيينا وكأننا لانعلم ونقاوم الواقع بالوهم، ونتجاهل تلك الدراسات الاستراتيجية والكتاب والمفكرين المحذرين، ونستمر نغذي واقعنا ومصيرنا بالجهل وحده. وكأن الواحد منا للتو يكتشف طائفته ومذهبه وقبيلته وحضريته من بدويته، منذ مئات السنين تعايشنا وتآلفنا في أرض عربية واحدة، فما هي تلك المفخخات الطائفية والمذهبية، فتجد القبلي مقابل لغير القبلي، والحضري مقابل الطائفي، والسنتر مقابل الأطراف، لكي تشتعل الأطراف وتبحث عن مركز حيوي لها حتى وإن كان هذا المركز مركز هلاك ودمار وحروب طائفية وأهلية لها من القدرة على تدميرنا مالا استطاع الاستعمار الفرنسي والبريطاني فعله وقت الاستعمار، فوقت الاستعمار وقف الجميع صفا واحدا من أجل نصرة البلاد العربية وتحرير ها، وبالطبع وبسبب وحدة الصفوف العربية وقتها خرج الاستعمار وتحررت البلدان العربية، ولم نكن نسمع هذه التفريقات والتصنيفات ذات الوجه البشع والجوهر المدمر، ولم يكن لها وجود، نحن هنا لا ننكر دين وانتماء ومذهب وقبيلة وطائفة أحد، ولكن ننكر التعامل مع هذه الحقائق الإنسانية و تحويلها من حقيقة إنسانية لها نسيجها ومكوناتها إلى قنبلة فتنة موقوتة لتدمير نسيج الخليج العربي، والعالم العربي.
بهذا التصور أتوجه إلى سؤال الهوية، وإشكالية الهوية والانتماء في الوطن العربي بشكل عام، وفي بلاد الخليج بشكل خاص ودقيق، في وقت اكتسحت العولمة بيوتنا، والثقافات المتعددة أصبحت تشاركنا في طاولتنا المعيشية، فالثقافة المادية التي ارتضينا استيرادها إلى قعر دارنا، حملت معها ما حملت من أفكار سلبية وتحررية لا أخلاقية غير مغربلة من قبل أجهزتنا الثقافية فمرت من دون أن تكون لها تيارات مضادة من عندنا وهي تعزيز قيمة الهوية والثقافة العربية الإسلامية، إضافة إلى ظهور القنوات الخاصة وانتشارها فأصبحت القبائل لها قنواتها الخاصة، والمذاهب والطوائف لها إعلامها الذي يمثلها، وليس على أنا كمتلقٍ إلا أن أرى ما يمثل موروثي الإنساني الضيق فأتبعه وأتباهى بوجودي علي تلك الشاشة الساحرة، التلفزة، أنا موجود وصوتي مسموع على مرأى من الإعلام، من دون أن أحدد معالم هويتي الأصيلة في الانتماء إلى الوطن، وسبك مفهوم مواطنتي الحقة، فهل أنا انتمي إلى أرضي ورموز هذه الأرض الوطنيين، أو أنتمي إلى ذلك الآخر الذي يمثل وجودي الطائفي والمذهبي، هل أتسامى علي دائرتي الضيقة، أيا كانت وانصهر في بوتقة البلد العظيم الذي أنتمي إليه والذي أعطاني مسببات العيش الكريم ورعاني كما رعياني والداي، أم أغرد خارج السرب وأنتمي إلى تلك النداءات السياسية التي ارتدت لباس الطائفية كي تستحوذ على ممتلكات بلدي وليس أنا، فأنا كفرد ماذا أضيف لها، وهل لو كنت خارج هذه المنظومة المترفة سأعني لها شيئا؟!
أعود وأكرر بشدة، إنني لا ألوم الآخر الذي حاول اجتياح سيادتي بقدر ما أوجه سهام النقد لداخلي الذي سمح للآخر المعادي أن يهاجمني ويفتت وحدتي، لم نع أهمية الوحدة الوطنية إلا بعد الهجمات المعادية لها، لم نوقن أهمية دراسات الهوية إلا بعد تعرض هويتنا الخليجية للخطر، بمعنى أدق ننتظر وقوع الأزمات فنعالجها تاليا، وهذا هو الخطأ الذي نعيشه في متراتباته، في الغرب وقبل أن تتهادى العولمة بخيلائها على دول العالم كله، ظهرت دراسات الهوية التي تقف كصمام الأمان أمام أخطار الغزو الثقافي.
اليوم، ونحن نشدد على أهمية دراسة الهوية، نرى كتاب الكاتب والروائي اللبناني أمين معلوف، «الهويات القاتلة»، يقدم رسالة إنسانية عظيمة في التسامح وقبول الآخر، والتعايش مع هويتي بكل انتماءاتها المتعددة والمتصالحة، وأصبحت هذه المعالجة الإنسانية القيمة تدرس في الجامعات والمدارس الهولندية لمدى أهميتها. حقيقة الكتاب يحتاج منا قراءة واعية وتفصيلية في وقت لاحق، ولكن سأضع بين أيديكم مقطعا مهما، يتوافق ومقتضى الحال في هذه الأيام المحورية، فهو يتحدث عن إشكالية الانتماء والهوية ويحدد إشكاليتها بكونها متغايرة بحسب العوامل المهددة لأحد هذه الانتماءات بقوله:
«يوجد في كل العصور أناس يعتبرون أن هناك انتماء واحدا مسيطرا، يفوق كل الانتماءات الأخرى وفي كل الظروف، إلى درجة أنه يحق لنا أن ندعوه «هوية». هذا الانتماء هو الوطن بالنسبة لبعضهم والدين بالنسبة لبعضهم الآخر. ولكن يكفي أن نجول بنظرنا على مختلف الصراعات التي تدور حول العالم لننتبه إلى أن أي انتماء لا يسود بشكل مطلق. فحيث يشعر الناس أنهم مهددون في عقيدتهم يبدو أن الانتماء الديني هو الذي يختزل هويتهم كلها. ولكن لو كانت لغتهم الأم ومجموعتهم الإثنية هي المهددة لقاتلوا بعنف ضد أخوتهم في الدين».
* كاتبة وناقدة كويتية.
[email protected]