حديث / بيت العائلة

u0627u0628u062au0633u0627u0645 u0627u0644u0633u064au0627u0631
ابتسام السيار
تصغير
تكبير
| ابتسام السيار |

قبل فترة ذهبت الى حفلة استقبال لجارة جديدة في المنطقة، واثناء تبادل الحديث الشيق غضبت صاحبة المنزل صارخة على ابن زوجها الصغير، الذي لم يكمل الرابعة من عمره، والذي كان** يناديها امام الحضور باللهج] العامية «ديدة»، يعنى جدة، واستهلت بكلام جارح ومخجل لزوجة ابنها مبررة ان لقب الجدة عائلي فقط، ولا يعجبها ومن المفترض امام صديقاتها من مكانتها الاجتماعية نفسها «بروستيج» يناديها «ماما أمينة».

واخذتني ذكريات الماضي مع جدتي... ايام جميلة تمنيتها تعود... كنا نجتمع في بيت جدتي بيت العائله، كان البيت صغيرا ومتواضعا لكن قلبها الكبير يتسع لكل الموجودين، وكنت اتعجب كيف لهذا البيت الصغير يتسع لكل الحاضرين لكني اتذكر كلمتها المعتادة ان الضيق ضيق الانفس وبالرغم من ذلك لا يوجد هناك من يتذمر لضيق المكان... والكل يشارك ويباشر بتقديم الشاي والطعام لا فرق بين صغير وكبير، لكن بعد ما توفيت جدتي بدأت الزيارات تقل بين الاقارب ووصلت لحد القطاعة.

فالمجتمع لم يعد مثل الاول... الاسرة الواحدة التي كانت تجمع في بيت كبير «بيت العائلة» نادرا الان وجوده في ظل زحمة الدنيا ومشاغل كل اسرة، وها نحن نرى ان كل اسرة جديدة تحاول الانفراد ببيت وكيان خاص بها، بحيث تكون مثل الضيف والخفيف وهذا ما يجعل الطفل يُحرم من حنان ومودة الجدة، بسبب البعد والانفصال، فالاحفاد هم امتداد طبيعي للاجداد ياخذون منهم الحب والرعاية والحنان والتدليل المفرط والمعرفة ويسعدون بقصصهم التراثية وحكاياتهم، وهو ما يحدث التوازن المطلوب في مقابل شدة وعنف الاباء الذين يعانون من الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية، بعكس الاجداد الذين زالت عنهم هذه الضغوط، ولهذا فهم يتصرفون بهدوء وروية اكثر من الاباء، وقد يصل هذا الهدوء الى حد التدليل الزائد وعدم مصارحة الابوين بما يفعل الاحفاد من اخطاء، كما ان الاجداد يشعرون بسعادة وجود الابناء معهم لانهم يقتلون عزلتهم ويشعرونهم باهميتهم، ولكن بعض الاباء والامهات يرفضون هذا الدور من الاجداد والجدات، بحجه افساد الابناء بالتدخل السلبي في طريقة تربيتهم لابنائهم، فنمط الحياة الاجتماعية تغير بشكل عام واصابت الحداثة كل شيء، بما في ذلك بين افراد الاسرة، واصبحت رسائل الموبايل وسيلة تواصل بين ابناء البيت الواحد، والابتعاد المعنوي اكثر عمقا مما نظن فابناء اليوم جيل مختلف كليا، فحديثهم بات خليطا مشتركا بين اللهجة العربية واللغة الانكليزية ومفردات الرسوم الكرتونية، واصيبت لغتهم وهي اداة التواصل بينهم وبين الاجداد بنوع من الخلل مما عمق الفجوة بين جيل الاحفاد وجيل الاجداد.

وتعتبر نعمة الوالدين نعمة كبيرة، فإن وجود الأبوين أو أحدهما يكون سببا في دخول الجنة لمن كان باراً بهما، خصوصا الأم التي وصانا بها رسولنا الكريم «صلى الله عليه وسلم» ثلاث مرات في حديثه الشريف، وبعد أن تصبح الام جدة تزيد منزلتها ويصير رضاها عن الابن والأحفاد والزوجة فرحة كبيرة يتمناها أحفادها، ويتمنوا أن تبقى معهم دائمًا، حيث يكون وجودها بينهم رحمة، وتتنزل البركة على البيت الذي به الجدة أو الجد، فوجودها في المنزل مع أحفادها له إيجابياته وسلبياته، فمن الإيجابيات أنها امرأة ذات خبرة في الحياة تقدم المشورة والنصيحة إذا كانت أمًا واعية، وأحيانًا كثيرة يمكن أن تقدم الجدة حلولاً لكثير من المشكلات التي تواجه الأزواج في حياتهم نظرًا لخبرتها في الحياة، ويمكن أن تكون قد مرت بهذه المشكلة في حياتها من قبل، وبالتالي فوجودها يمكن أن يكون ذا قيمة إذا تخلصت من السيطرة والغيرة، التي تكون رغبة في عدم فقد المكانة والسلطة التي كانت لها قبل زواج الأبناء.

فهى تلعب دورًا كبيرًا مع الأحفاد، فالمربي دائمًا يأمر وينهى، ويعاقب، لكن الجدة يحبها الطفل؛ لأنها تعطى، وتوجه، وتنصح بحب أكثر مما تعاقب، وتلبى رغباته، فالجدة هنا تستعيد مشاعر الأمومة مع الأحفاد، وكثيرًا ما يفرح الأبناء بوجودها معهم؛ لأنها تعطيهم الحنان الذي قد يكون مفتقدًا من الوالدين، فهي تغدق عليهم بحنانها، ولهذا يكون للحفيد استعداد لأن يتقبل منها أي شيء، ويقبل منها النصيحة ويسمع كلامها، فالجدة تقدم لأحفادها القيم والسلوكيات بالحكاية وغيرها بشكل تلقائي، فعندما يرى الحفيد الجدة تصلي، فهو يصلي مثلها، وتختزن في ذاكرته صورتها وهي تسبح وتدعو فيفعل مثلما تفعل... فهم بركة البيت فبمجرد موتهم ينطفئ ذلك السراج، الذي كان ينير لنا دروب صلة الرحم والترابط ولكنها ارادة الله ولا راد لقضائه.



[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي