No Script

عبدالعزيز صباح الفضلي / رسالتي / أربكان والقذافي

تصغير
تكبير
يرحل عن دنيانا كثير من المشاهير، في عالم السياسة، الفن، الرياضة، العلوم الشرعية أو الاجتماعية، ويترك كل منهم الأثر من بعده، فهناك من ترك أعمالاً وأفكاراً ستظل نبراساً تسعد بها البشرية إلى قيام الساعة، وهناك من قدم أعمالاً ربما ستظل البشرية تلعنه إلى يوم الدين هناك من رحل وكتب اسمه في سجل الشرف والكرامة، وآخرون رحلوا ولكن إلى مزبلة التاريخ.

لقد أصاب الحزن والألم قلوب الملايين من المسلمين عند سماع نبأ رحيل أول رئيس حكومة اسلامي في تركيا (البروفيسور نجم الدين أربكان) رحمه الله هذا الرجل الذي كرس حياته منذ نعومة أظفاره إلى آخر لحظات حياته في خدمة دينه وأمته سواء على المستوى السياسي، أو العسكري، أو الاقتصادي.

فقد حصل أربكان على الدكتوراه في هندسة المحركات من ألمانيا عام 1956، توصل أثناء عمله هناك إلى ابتكارات جديدة لتطوير صناعة محركات الدبابات، و حين عاد إلى بلاده كان أول عمل قام به تأسيس مصنع «المحرك الفضي» والمتخصص في تصنيع محركات الديزل، وبدأ إنتاجها الفعلي عام 1960.

أسس عام 1970 حزب «النظام الوطني» وهو أول تنظيم سياسي ذات هوية اسلامية تعرفه تركيا الحديثة منذ سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924، وتم حل الحزب بعد تسعة أشهر، ثم قام بتأسيس حزب «السلامة» عام 1972، والذي فاز في الانتخابات العامة عام 1974 بمقاعد أهلته للدخول مع حزب االشعب في حكومة ائتلافية.

تولى في هذه الحكومة منصب نائب الرئيس وشارك في اتخاذ قرار التدخل التركي في قبرص، والذي تم من خلاله تقسيم الجزيرة وحماية القبارصة الأتراك، قدم بعد تشكيل الحكومة بقليل مشروع قرار للبرلمان بتحريم الماسونية في تركيا وإغلاق محافلها،، قدم مشروع قانون إلى مجلس النواب عام 1980م يدعو الحكومة التركية إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل، وأتبع ذلك مباشرة بتنظيم مظاهرة ضخمة ضد القرار الإسرائيلي بضم مدينة القدس، بعد أيام قام الجيش بانقلاب عسكري وأطاح بالحكومة وأدخل أربكان السجن.

وبعد ثلاثة أعوام خرج من السجن ليؤسس حزب «الرفاه»، وبعد أعوام من الجهد المتواصل استطاع الفوز بالأغلبية في انتخابات 1996، وليترأس حكومة ائتلافية مع حزب «الطريق القويم»، ليكون بذلك أول رئيس وزراء تركي ذي توجهات اسلامية. سعى أربكان إلى الانفتاح على العالم الإسلامي، وأعلن عن تشكيل مجموعة الثماني الإسلامية التي تضم إلى جانب تركيا أكبر سبع دول إسلامية، إلا أن جنرالات الجيش لم تمكن أربكان من تحقيق طموحاته، إذ قدموا له مجموعة من القرارات طالبوه باتخاذها تهدف إلى التضييق على الحريات الدينية والمظاهر الاسلامية، فاضطر إلى تقديم الاستقالة من منصبه لئلا يتطور الأمر إلى انقلاب عسكري حقيقي.

في عام 1998م تم حظر حزب «الرفاه» وأحيل أربكان إلى القضاء بتهم مختلفة، ومنع من مزاولة النشاط السياسي لخمسة أعوام، لكن أربكان لجأ إلى المخرج المعتاد ليؤسس حزباً جديداً باسم «الفضيلة»، لكن هذا الحزب تعرض للحظر أيضا في عام 2000م. ومن جديد يعود أربكان ليؤسس بعد انتهاء مدة الحظر في عام 2003م حزب «السعادة»، لكن خصومه من العلمانيين، تربصوا به ليجرى اعتقاله ومحاكمته في العام نفسه، وليحكم على الرجل بعامين سجناً وكان يبلغ من العمر وقتها 77 عاماً. أصدر الرئيس التركي عبد الله غول عفواً رئاسياً عنه في أغسطس 2008م بسبب تدهور حالته الصحية، و بعد خروجه لم يتوقف عن ممارسة نشاطه بل كان يتحرك مع حزبه الجديد للدفع بأعضائه للوصول إلى البرلمان في الانتخابات المقبلة، لكن لكل أجل كتاب إذ انتقل إلى رحمة الله في 27 / 2 / 2011.

لقد ضحى أربكان بوقته وجهده وحريته، من أجل رفعة وطنه ودينه، وهو بعكس القذافي اليوم الذي يريد التضحية باستقلالية وطنه وثرواته وشعبه من أجل بقائه في السلطة.



عبدالعزيز صباح الفضلي

كاتب كويتي

Alfadli-a@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي