أشعر ونحن نحتفل بمناسباتنا الوطنية السعيدة وكأنما نحن أهل بيت يقيمون عرساً بينما الجيران من حولنا يعقدون مجالس للعزاء، فالكل يبكي على مصيبته والكل يولول على ما فيه من ضر.
والحقيقة هي أننا قد عانينا أكثر مما عاناه الجميع فقد واجهنا أبشع جريمة سجلها التاريخ بحق شعب صغير أعزل من جيران كنا نطل عليهم كل يوم لنقدم لهم الهدايا والأعطيات وندافع عنهم، ثم وجدنا بأننا قد تحولنا في ليلة ظلماء إلى لقمة سائغة ابتلعوها دون تردد، ولولا فضل الله تعالى علينا ورحمته لكنا مثل نبي الله يوشع بن نون عليه السلام لو لم يمتن الله تعالى عليه ويخرجه من بطن الحوت (للبث في بطنه إلى يوم يبعثون).
إن جيراننا من دول الخليج - ونحن كذلك - يجب أن نعي الدرس الذي تعلمناه من تجربتنا وأن يعلموا بأن هذا العالم الوردي للأسف لا يعرف أصدقاء دائمين ولا أعداء دائمين وإنما يعرف مصالح دائمة وكثيراً ما تتبدل تلك المصالح بحسب الأهواء، ويجب ألا نعتقد بأن العداوات قد انتهت من العالم، بل مازال هنالك الكثير من الطامعين في خيراتنا المتربصين بنا من أجل الاستئثار بتلك اللقمة الهنية التي حصلنا عليها بفضل الله تعالى، وبعضهم يقتله الحسد من الأوضاع المستقرة التي نعيشها.
إن التجربة المهمة التي يجب أن نعيها ونرددها خلال احتفالاتنا المجيدة هي أن نزداد حذراً ممن حولنا لا سيما من جيراننا الذين يستغلون كل فرصة للانقضاض علينا وتعكير صفو أمننا، وكان الواجب أن تعمل دول الخليج على تحقيق التكامل الأمني والاقتصادي بينها لا أن تتكل على الدعم الخارجي وحده، ولا أن تتحول وحدتنا الخليجية إلى أناشيد وشعارات على الورق دون أي مبادرات جادة.
أما بالنسبة لأوضاعنا الداخلية فلابد ألا تهمل الحكومة أصوات المعارضة لا سيما في القضايا الجادة التي يطرحونها، فهنالك استحقاق داخلي لابد من تحقيقه وهنالك أوضاع خاطئة لابد من تصحيحها، ويجب ألا ينسينا الفرح بالأمن والاستقرار بأن غول الفساد يعصف اليوم في نسيجنا الداخلي ويكاد يراه كل عاقل، لقد جربت الحكومة - وللأسف - خلال السنوات الماضية مواجهة المعارضة بالإغداق على الشعب دون حساب، وبالصحف والقنوات الفضائية التي سعت لتدمير سمعة كل معارض وملاحقته، كما استمرت في نهجها الدائم بشراء الولاءات عن طريق سياسة (هذا ولدنا) فقصرت معظم المناصب على من ترضى عنهم وتريد كسب ودهم وهمشت كثيراً من الكفاءات وأبعدتهم وحاربتهم، كما عطلت قطار التنمية عشرين عاماً حتى فوجئنا بعدها بأن تلك المليارات التي تدخل الخزينة كل عام لم تحقق لنا إلا أدنى القليل من بناء البنية التحتية للبلد، والقائمة طويلة لا مجال لسردها!!
الظلم يتغلغل بيننا
حضرت إلى العمل اليوم مبكراً، فإذا بعمال النظافة جميعهم غائبون، سألت عن السبب فأخبروني بأنهم مضربون عن العمل بسبب عدم تسلم أجورهم من شركاتهم، بعدها بقليل جاءني حارس الأمن ليخبرني بأنه وزملاءه قد وعدتهم الشركة التي توظفهم بالسعي لزيادة رواتبهم المتدنية والتي لم تتغير منذ ست سنوات، واقتطعوا من رواتبهم 200 دينار (من كل موظف) بحجة السعي للزيادة، لكن الشركة لم تفعل لهم شيئاً بل والتهمت ما اقتطعته منهم.
إن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأفراحنا الوطنية يجب ألا تنسينا بأن هنالك مئات الألوف من المظلومين بيننا، وما لم ننصفهم ونرجع حقوقهم فكيف ندعو الله أن يبارك لنا في بلدنا؟!
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com