شفافية / أحمد الربعي... والغوغاء

u0633u0627u0631u0629 u0627u0644u062fu0631u064au0633
سارة الدريس
تصغير
تكبير
| سارة الدريس |

قبل بضعة أيام، كنت أبحث في «غوغل» عن مقالات الدكتور أحمد الربعي رحمة الله عليه، ذلك الإنسان النقي، الذي يبكيني كل حرف يكتبه، إن اصطفت حروفه في مقال سياسي أو إن** تناغمت بإحساس شفاف في أربعائياته، لا أدري هل أبكيه حزنا على عدم تركيز اهتمامي بمعرفته إلا بعد أن توفي؟، كنت صغيرة في السن إبان نشاطه السياسي ولم أدرك للأسف التعايش مع أفكار وأطروحات هذه الشخصية الفذة، أم تبكيني حروفه لفرط إعجابي به إلى حدٍ أشعر وكأن عروقي تكاد تنفجر انبهارا به، وربما معرفتي به بعد رحيله رحمة من الله بي، فلو عرفته مسبقا لبكيته بحورا تغلي ألما على خسارتنا إنسانا نحن في أمس الحاجة إليه اليوم في ظل الأوضاع الراهنة وأبدا.

يؤسفني بأني لم أجد مقالات الدكتور أحمد الربعي رحمة الله عليه كاملة في الانترنت، فلا يسمح للمتصفحين بالاطلاع على الأرشيف في جريدة القبس التي كان يكتب بها، ولا أملك سوى متابعة لقاءاته التلفزيونية السابقة، ومقتطفات قصيرة جدا من مقالاته وبعض لقاءاته، وكتاب الأستاذ يوسف عبدالحميد الجاسم الذي يجمع به بعض عطاءات الراحل الكبير الفكرية والسياسية والثقافية، وتصفح غوغل وقراءة أي موضوع في أي موقع ورد به اسم أحمد الربعي، فكلما قرأت أكثر عنه كلما ازددت إعجابا به و حسرة على خسارته، لكنها إرادة الله عز وجل ولا نملك سوى حمده و شكره على كل حال.

من خلال تصفحي في «غوغل» استوقفني مقال للكاتب فؤاد الهاشم ورد به اسم أحمد الربعي، و قد تم نسخ هذا المقال في أحد المواقع، كان موضوع المقال عن دعوة الأمير الوالد بابا سعد رحمة الله عليه له ولعدد من الشخصيات لمناقشه مقال «برزان التكريتي» وتبنى دكتور كويتي لأطروحات شبيهة باقتراحات برزان والتي تدخل في صيغ الخيال العلمي، وقد ورد ذكر أحمد الربعي فقط في مرافقته لفؤاد الهاشم بعدما كان واقفا أمام سيارته ينظر إلى العجلة الخلفية المثقوبة، مستعدا لإصلاحها بنفسه، وأعقب هذا المقال في هذا الموقع، مقال ممتاز للأستاذ سامي النصف، مشيرا إلى فكرة ممهدة لموضوعه الأساسي، وهي أن ما لا يجب قبوله على الإطلاق هو استخدام «الكذب» كوسيلة لترويج أفكار منحرفة هدامة، ثم أورد بالتفصيل دلائل عدم مصداقية أطروحات ذلك الدكتور الذي أشار إليه فؤاد الهاشم أيضا في مقاله، وأورد تساؤلات منطقية واستنتاجات مبنية على بحث واستقراء، لكني لم أبد حكما على أي شيء، فقد كان هدفي البحث عن أي موقف ذكر به أحمد الربعي، وقرأت تعليقات المشاركين في ذلك الموقع، وذهلت من استحواذ العاطفة على أغلبية الردود، وإعطاء العقول إجازة فورية، وترك الانفعالات تنطلق بتسرع وعدم اتزان، فبات الكل يدافع عن فلان ويشتم الأطراف الأخرى ويسفه منطقهم، واستخدام كلمات للأسف تصدر عن أناس يعتقدون بأنهم مهتمون بالسياسة، دون النظر إلى أطروحات الدكتور المنتقد في المقالتين ومدى تحقق الاستاذ سامي النصف من مصداقيته من خلال البحث وذكر الهاشم استشهاد مكتب سمو ولي العهد والشخصيات المجتمعة آنذاك، والبعض للأسف يعتقد أنه لسان حق فعلق على المقال بلا عقلانية مستندا على كلمات كـ «قزم، طرطنقي، يا أغبياء»، من دون أن تجد بين سطور تعليقه شيئا يقنعك بمصداقية الأطراف المدافعة، ومن بين أربع صفحات لم أجد سوى تعليقا واحدا فقط مبنيا على الحقائق التي وردت في المقالتين بشكل منطقي يتضمن مقارنة واضحة، و الغريب أنه لم يرد عليه أحد من الذين يجتهدون بالبحث عن أمور هامشية جدا وبعيدة كل البعد عن الموضوع الأساسي فقط في سبيل إقناع الناس بفشل الكاتب الذي لا «يبلعه» على الرغم من أن هذه الأمور الهامشية بدهيا لا تدين الكاتب بشيء!، وما شاء الله تبارك الرحمن، الكل أصبح سياسيا بالفطرة!

تلك هي دكتاتورية الغوغاء التي تحدث عنها أحمد الربعي رحمة الله عليه، هي «دكتاتورية الأكثرية التي وقودها العاطفة وعدوها العقل»، متى نبتعد عن الشخصانية و الحكم المستعجل على الأمور بلا عقلانية لتتحكم عاطفتنا بانفعالاتنا وآرائنا فنصبح وكأننا معصوبي الأعين، متى نهتم بالموضوع الأساسي ونترك الأمور الهامشية التي اختل بسببها البناء الأساسي الذي سيسقط في النهاية على رؤوسنا جميعا، متى نهتم بإصلاح العمق قبل أن نكرس جهودنا لتلميع السطح، متى نهتم بإصلاح أنفسنا أولا قبل أن نطالب الآخرين بالإصلاح ونستخدمه حجة لننادي بصيحات وهتافات تخدم أشخاصا لا يهتمون سوى بمصالحهم الشخصية وتحقيق أطماعهم العنصرية، فنصبح نحن صدى لطبل دكتاتورية الغوغاء.

أحمد الربعي، رحمة الله عليك، حزنت في كتابتي لهذا المقال على غيابك، لكني فرحت جدا بعثوري للتو خلال إبحاري في الإنترنت على «مدونة مكتبة أحمد الربعي» فأيقنت أنك حاضرا دائما وأبدا.



www.sara-aldrees.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي