عبدالله زمان / وبناءً عليه / نعم... نريد أجهزة أمنية قويّة

تصغير
تكبير
مثل هذا العنوان لا يمكن لأحد أن يرفضه، أو حتى يناقش أحقيته كهدف، ومطلب ينشده كل إنسان بمعزل عن ميوله السياسية. فالأهم من ذلك بحسب رأيي ليس رفع الشعار إنما بحث حقيقة الخلفيات التاريخية والأسس والذرائع التي أوصلتنا إلى هذه الحالة الشاذة من الممارسة سواء أتت الإدانة أم لم تأت للقضايا المطروحة على الرأي العام.

إن تشخيص تلك الخلفيات والرواسب السلوكية التي أدت إلى ما نحن عليه من تردٍ في ممارسة السلطة الأمنية لا يمكن اختزاله بشخص الوزير الحالي فقط، بل علينا دراسة وتمحيص دقيق للخلفيات تلك حتى نستخلص، بحسب رأيي، التالي:

الدور السياسي: لو استعرضنا قديماً دور نوّاب الخدمات والذين بعضهم يطلقون على أنفسهم معارضة، لوجدنا أنهم المتسببون في كثير من الأحيان في التعيينات والترقيات وهنا تحقيق جانب ارتقاء غير الأكفاء من جانب، وتحقق شعور الغبن لدى المستحقين. وأيضاً في هذا التداخل السياسي مع السلطة التنفيذية، سمعنا مراراً وتكراراً وإلى يومنا هذا توسط عدد من النوّاب في إخراج هذا المتهم أو ذاك الجاني وطبعاً بطريقة غير قانونية أو شرعية.

الدور الثقافي: لقد ترسبت فينا كشعب ترجمة خاطئة لمفهوم الهيبة، وأكبر دليل على ذلك هو إخافة الأطفال برجل الشرطة لو لم يؤد ما عليه من أعمال.

إذ نحن بهذا الترجمان غير التربوي نكرّس لدى أجيالنا مفهوم الخوف والقصور الذاتي في مقابل تضخيم وجبروت رجل الشرطة، وفي الوقت نفسه نقنع أنفسنا بذلك أيضاً من حيث لا نشعر. وبالتالي، أصبح بعضهم أوّل ما يفعله حال تخرجه من الكلية العسكرية، هو ذهابه إلى أشهر مُصوّر لالتقاط صورة شخصية ساحرة وخيالية وهو بزي الجبروت والذي يفضله على سائر الألبسة والمناصب وإن كان في تلك المناصب رزق أوفر ومستقبل أبهر.

الدور الوزاري: كتب العديد من كتّاب الرأي والمقالات محذرين من تنامي تورط عسكريين في الجريمة، بل نقلت أكثر من جريدة يومية أخبار تورط بعض الشخصيات الأمنية والعسكرية بجرائم كبيرة وفاضحة وتمس الشرف، وتجاوزات جسيمة لا تقل عن تلك الجرائم أيضاً. ولكن كانت ردة الفعل من قبل قيادات الأجهزة الأمنية بالمجمل، ولا أقول مطلقاً، لم تكن تساوي كثرة تلك الأخبار. فالأصح هو أن تكون ردود الأفعال بقدر أكبر من تلك الأفعال لأن الأفعال الأصيلة للأجهزة الأمنية وردود أفعالها المؤدية لاستتباب الأمن هو من صميم عملها كأجهزة حكومية.

إن تطوير الفرد أصبح أمرا في غاية الأهمية، والفرد يشمل السلك العسكري والشرطي وفق اختصاصاته الأمنية. وللنهوض بالأجهزة الأمنية لا ينبغي فقط الصرف ببذخ على المباني والسيارات، والمهمات الرسمية. لأن تطوير الأداء بالعمل يستوجب تطوير المؤدين للعمل ذاته، فالإمعان والدراسة الجدية لوضع خطة شاملة في تطوير سلوك السلك العسكري والشرطي بجوانبه الثلاث: الثقافي، والنفسي، التخصصي، كل ذلك يعتبر من ضروريات عدم الوقوع بالأخطاء بهذه النسبة العالية.

فبمجرد أن يشعر الفرد العسكري أنه يملك ثقافة غنية في فهم الناس وقراءة تصرفاتهم، سوف يجد نفسية مستقرة على التعامل الراقي مع الجمهور، وعدم الجنوح نحو التعسف والقوة بقصد فرض هيبته في غير محلها لأنه يملك المهارات والفنون التخصصية التي اكتسبها من خلال دورات التطوير والترقي الوظيفي. وهذه أوّل درجة في العمل الجاد يصعدها وزير الداخلية نحو تطوير ما يمكن تطويره.





عبدالله زمان

كاتب كويتي

BinZaman@live.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي