رؤى / الطاهر وطّار وتجربة في العشق

تصغير
تكبير
| لطيفة جاسم التمار |

اتخذ فن القص موقعا متوهجا على خارطة الثقافة العربية في الشمال الافريقي، خصوصا في العقود الأخيرة الفائتة، فبرزت الرواية كأحد أنواع فنون السرد الأدبي الأكثر انتشارا وفورة في السنوات الماضية، واستطاع المبدع العربي في الجزائر أن يطور قدراته الفنية ويمسك بأدواته التعبيرية والتكنيكية، لكي يصل إلى المتلقي بأقصر الطرق معتمدا على لغته العربية لكي يصل إلى مرحلة الإبداع العربي المميز. وسنكشف الستار عن نموذج كلاسيكي متفرد في الرواية المغاربية هو «الطاهر وطار» الذي لقب بـ «أبو الرواية الجزائرية»، حيث ألف عددا من الروايات والقصص التي ترجمت إلى عدة لغات مثل «روايات: اللاز وعرس بغل والزلزال و الشهداء يعودون هذا الأسبوع».

ويعد الطاهر وطار من أهم الروائيين الجزائريين الذين كتبوا أعمالهم بالفصحى بعد أن كانت تكتب الأعمال الأدبية باللغة الفرنسية، ويعتبر وطار من مؤسسي الأدب العربي الحديث في الجزائر وهو من المدافعين الشرسين عن اللغة العربية، ومن أشد المعارضين للفرانكوفونية. وقبل اتجاهه للفن الروائي كان مجاهدا سياسيا ضد الاستعمار وساهم في استقلال بلاده وطرد الغازي الفرنسي.

تعبر أعماله عن الواقعية ومشاكل الفرد الجزائري والتجارب التي مر بها، ومما يميز شخصية الكاتب ووعيه الإبداعي بالدور النضالي في أعماله، ونجده يستخدم تقنية فريدة في روايته « تجربة في العشق» فالحدث في الرواية متسلسل ومتشابك ينمو من جزء إلى آخر من خلال علاقات بنيوية يتشكل منها الحدث ويصور ترابط الشخصية المحورية في العمل وبالتالي ترابط العمل وانسجامه.

وتعدد الصور الرامزة في الرواية وكلها تدل على غنائية رامزة متمثلة في صورة «سارق النار» الذي يلتف حول الشخصية الرئيسية ويتمثل في حجم مسؤوليتها وتضخم الذات لديها وهي رمز للمثقف الذي لا يرى سوى نفسه. أيضا هناك رمز للساعة التي تدق وتوصف «بالساعة الروسية»، التي تعلق في منزل المستشار الشخصية المحورية في الرواية، تظل تدق دون أن تحدث تبادلاً أو مفارقة روائية فنجد الصوت أحادياً يتكرر في المستوى ذاته. ويتحول التصوير إلى عمل روائي من خلال الجماعة، مجموعة الصبية يحاولون محاكاة المستشار المجنون، هنا الرمزية الغنائية هي التي تحول الحدث إلى عمل روائي مفعم بالحركة، لأنه يعرض كل صنوف الشخصيات في الرواية «الشخصية المحورية، الصبية، الأمن»، ثم تتعالى الأصوات ولا يكون للصوت الأحادي مكان في تشكيل هذه الجزئية من الحدث.

الرواية تعرض لحركة التحرر الوطني في الجزائر، ومفردة العشق في العنوان لا نقصد به العشق المادي المحسوس بين الذكر والأنثى، بل هو عشق الأرض الوطن إذاً هو عشق معنوي مجازي يتعلق بحب الوطن. وتستمد الصور الرامزة شعريتها من قدرتها إلى النفاذ داخل الحدث، كما تدور البنية الأسلوبية في شكل معكوس بين التقديم والتأخير ونجدها تأخذ مكانا خاصا بين المصير الفردي والمصير الجماعي الذي يمثله الشعب الجزائري، فالمستقبل معتم ولا نقول مظلماً لأن الطاقات الفردية أحادية غير مجتمعة وغير قادرة للوصول إلى الطريق القويم، فبين الماضي والحاضر هوة وإحساس بالظلم والأسى فالمستقبل في علم الغيب والعمل الفني أشار إلى هذا من خلال غنائية الطابع التي تلغي دور المفارقة فالحدث يسير على خط ثابت لا يمكن أن يحيد عنه، كذلك اتجاه العمل إلى الطابع الغنائي من خلال احلال الذاتية محل الموضوع وتتضح لنا سيطرة الشخصية المحورية التي تلغي كل ما هو ضد رغباتها وتستنهض لذاتها المريضة، من هنا نجد الخلل في العالم الداخلي منعكسا على العالم الخارجي. وهذا ربما ما ينطبق على عالمنا العربي وحكوماته المتعجرفة ذات القوى الفردية وما رأيناه في تونس الشقيق إنما هو صحوة للشعب المغيب تحت ظل التفكير الأحادي الذي كان مسيطرا.



* ماجستير أدب عربي

Latifa-altammar@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي