خيرالله خيرالله / الشريعة لم تنقذ النميري... هل ينقذ التقسيم البشير؟

تصغير
تكبير
تبدو نتائج الاستفتاء في السودان - الذي موعده اليوم - معروفة سلفا. أقلّ ما يمكن ان يوصف به انفصال جنوب السودان، هو انّه حدث تاريخي على صعيد المنطقة ككل. للمرة الاولى منذ اعادة تشكيل الشرق الاوسط ورسم خريطة المنطقة بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية، هناك اعادة نظر بحدود دولة عربية كبيرة باتت مرشحة لأن تكون دولا عدة. اليوم انفصل جنوب السودان. ما الذي يضمن غدا بقاء دارفور إقليماً سودانيا؟

هناك مناطق وأقاليم سودانية اخرى مرشحة لأن تصبح دولا مستقلة. لكن الأخطر من قيام مثل هذه الكيانات المخاوف من ان تكون هذه الدول، على رأسها دولة الجنوب، غير قابلة للحياة، اي ان تتحوّل الى صومال اخرى. في النهاية من السهل اعلان الاستقلال ورفع علم مختلف لدولة جديدة. لكن الصعب بناء مؤسسات لدولة قابلة للحياة فضلا عن بناء اقتصاد على أسس متينة بعيدا، ولو الى حدّ ما، عن الفساد والفاسدين.

هل كان السودان دولة فاشلة كي يقسّم؟ الجواب انه كان بالفعل دولة فاشلة وذلك منذ استقلاله في العام 1956. لم تتوقف الحروب الا لفترات قصيرة بين الشمال والجنوب، باستثناء بين 1972 و1983. لم يستطع الحكم المدني الذي تلا الاستقلال الاستمرار طويلا. من بين الاسباب التي جعلت الحكم المدني يسقط في غضون سنتين تدهور الوضع في الجنوب حيث بدأت الحرب الاهلية التي دامت حتى العام 1972 تاريخ توقيع اتفاق اديس ابابا في عهد جعفر نميري. عادت الحرب في العام 1983 عندما لجأ النميري الى الشريعة لعلّ الاعلان عن تطبيقها يسمح له بإنقاذ نظامه المهترئ. لم تنقذ الشريعة النميري. هل ينقذ التقسيم البشير ومن هم معه، علما ان في أساس مشكلته مع المحكمة الجنائية الدولية المجازر التي وقعت في اقليم دارفور؟

كانت هناك دائما رغبة لدى السودانيين في مقاومة الديكتاتورية، واقامة نظام مدني قائم على حدّ ادنى من الديموقراطية والتعددية الحزبية. لكن عوامل عدة حالت دون تحقيق الحلم السوداني. كانت هناك مشكلة الجنوب الذي لا علاقة له بالشمال. رفض الجنوب المسيحي والوثني وغير العربي كل أنواع التعريب الذي أراد الشمال فرضه بالقوة في أحيان كثيرة. اعتبر الجنوبيون أنفسهم دائما ضحية «المستعمر الشمالي» الذي أراد في مراحل معينة فرض الإسلام عليهم فرضا. في الواقع كانت هناك عشوائية في التعاطي مع الجنوب سهّلت الى حد كبير التدخلات الاجنبية وصولا الى الوضع الذي أدى في مطلع السنة 2011 الى جعل الانفصال يحظى بشعبية قوية على الرغم من ان لا وجود لمقومات لدولة عاصمتها جوبا.

في مناسبتين، أسقط السودانيون الحكم العسكري بالوسائل السلمية. وفي ثلاث مناسبات عاد العسكر الى السلطة بعدما خذل السياسيون الشعب. هل استنفد السودانيون قدرتهم على المقاومة بعد تجربتهم الاخيرة مع السياسيين، فاستسلموا لنظام الفريق عمر حسن البشير الذي يسعى حاليا الى انقاذ مستقبله، او انقاذ «ثورة الانقاذ» التي حملته الى السلطة في العام 1989 عن طريق الاستسلام للتقسيم؟ من الواضح ان التقسيم يمثل مخرجا للنظام، أقله من وجهة نظر قياداته. يعتقد نظام البشير ان التخلص من الجنوب هو تخلص من عبء كبير، على الرغم من ان هناك ثروة نفطية كبيرة فيه. ولكن هناك في الوقت ذاته تفكيراً في ان الثروة النفطية الحقيقية في أرض الشمال وهي لم تستغل بعد. كذلك، يحتاج الجنوب دائما الى الشمال وموانئه وبنيته التحتية من أجل تصدير نفطه نظرا الى ان لا موانئ لديه.

السودان الى أين بعد الاستفتاء؟ كل ما يمكن قوله في هذا الشأن ان من الصعب جدا التكهن بما سيؤول إليه وضع النظام في الخرطوم على الرغم من انه يمتلك اجهزة امنية قوية مرتبطة به استغرق بناؤها ما يزيد على عقدين. الأكيد ان ثمة ثلاث نقاط تستأهل التوقف عندها.

النقطة الاولى، ان نظام البشير سيواجه معارضة قوية، نظرا الى ان الاحزاب السودانية الكبيرة لا تزال حية ترزق ولها وجود في الشارع. حزب الامة بزعامة الصادق المهدي حيّ، كذلك الحزب الاتحادي الديموقراطي، كذلك ما يمثله حسن الترابي الذي يظل زعيما لعدد كبير من الاسلاميين. ربّما لا تزال لدى المجتمع السوداني القدرة على المقاومة. في النهاية، استطاع السودان الحصول على استقلاله من دون اراقة نقطة دم. وفي العام 1964 انقلب الشعب السوداني على الحكم العسكري الذي اقامه الفريق ابراهيم عبود. نزل المواطنون الى الشارع متحدين السلاح وأعادوا العسكريين الى ثكناتهم وهم يصيحون «الى الثكنات يا حشرات». وفي العام 1985، سقط نظام جعفر نميري بالوسائل السلمية ايضا. هل يكون نظام البشير استثناء، علما بأنه من المفترض عدم الاستخفاف بالرجل الذي استطاع المناورة مع ثعلب سياسي مثل حسن الترابي وادخاله السجن غير مرة متى شعر بالحاجة الى ذلك.

النقطة الثانية، المهمة تتعلق بالجنوب نفسه. الأكيد ان السودان ليس أول دولة تقسّم. في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، مطلع التسعينات من القرن الماضي، صارت تشيكوسلوفاكيا دولتين «تشيكيا وسلوفاكيا». حصل الطلاق، وهو مفيد احيانا، وذلك نتيجة تفاهم بين الجانبين. الآن هناك دولتان اوروبيتان قابلتان للحياة. التجربتان ناجحتان لسبب في غاية البساطة. يعود السبب الى ان هناك مقومات للدولة التشيكية وللدولة السلوفاكية في آن. لا مقومات لدولة في جنوب السودان. السؤال الى اي حد سيكون هناك تدخل اجنبي لإقامة مثل هذه الدولة وتمكينها من توفير ظروف حياتية مقبولة لابناء الشعب؟ من سيتدخل لإقامة دولة قابلة للحياة في جنوب السودان وما ثمن التدخل... او على الاصح من سيدفع الثمن؟

تبقى نقطة ثالثة في غاية الاهمية. ما تأثير تقسيم السودان على الأمن العربي عموما، خصوصا على مصر المعنية قبل غيرها بمياه النيل؟

في كل الأحوال، ما نشهده اليوم منعطف تاريخي. انه حدث فريد من نوعه يقف العرب متفرجين أمامه، تماما مثلما تفرجوا على تفتيت العراق وخروجه من المعادلة الاقليمية!





خيرالله خيرالله

كاتب لبناني مقيم في لندن
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي