No Script

عبدالعزيز صباح الفضلي / رسالتي / الملك والغلام... واستشهاد الحسين

تصغير
تكبير
كان أحد الملوك يزعم لقومه بأنه ربهم الأعلى الذي يملك تصريف الأمور، ومن يعارضه في ذلك فإن مصيره الهلاك، وكان الملك يستعين بساحر في السيطرة على شعبه، فلما كبر الساحر طلب من الملك أن يأتيه بغلام حتى يعلمه، فكان الغلام في طريقه لتعلم السحر من الساحر يمر براهب يتعبد الله في صومعته فأعجب بكلامه واتبع طريقه حتى علت مكانته وشاع خبره.

فلما سمع الملك بمكانة ذلك الغلام عند الناس خشي أن يهدد مملكته فقرر التخلص منه، فأرسله مع مجموعة من الجند ليلقوه من أعلى جبل فدعا عليهم فسقطوا ورجع سالما، ثم أرسله مع مجموعة أخرى ليلقوه في البحر فلقوا مصير من سبقهم، فاحتار الملك بهذا الغلام والسبيل الأمثل للقضاء عليه، فأخبره الغلام بأنه لن يتمكن من القضاء عليه إلا بطريقة واحدة وهي أن يجمع الناس في مكان واحد ثم يأخذ سهما من كنانة الغلام، ويقول قبل رمي السهم: باسم الله رب الغلام، ساعتها سيتمكن من قتله، فرح الملك وقان بتطبيق ما أرشده إليه الغلام، فقتل الغلام إلا أنه في اللحظة نفسها التي قتل فيها صاح الناس آمنا برب الغلام، فوقع ما كان يخشاه الملك، فأمر بأن تحفر الأخاديد وأن تشعل بها النيران وبأن يلقى بها كل من لم يرجع عن دينه، فلم يرجع أحد وماتوا على التوحيد، شهداء بإذن الله.

هذه القصة أصلها ذكره النبي عليه الصلاة والسلام، ومن أراد تفصيلها فسيجدها عند قراءة تفسير سورة البروج أو في كتب الحديث إلا أن الشاهد من ذكرها هو الوقوف على بعض ما فيها من الدروس والعبر، فالقصة تعلمنا أن الإنسان لا يقاس بعمره ولا بضخامة جسمه وإنما بعقله والقيم التي يحملها في نفسه، ومقدار التضحية من أجلها، فكم من الناس ترى أجسامهم وتغتر بعضلات ولكنهم كما قال حسان بن ثابت:

لا بأس بالقوم من طول ومن غلظ

جسم البغال وأحلام العصافير

وثانيها أن صاحب المبدأ لا بد وأن يقدم التضحيات في سبيل ما يدعو له خاصة إذا كان مقتنعا بالأفكار التي يحملها، وهذه التضحيات قد يكون ثمنها من حريته أو صحته أو وظيفته أو ربما قدم روحه في سبيلها.

والقصة تعلمنا أن موت أو قتل صاحب الفكرة ليس بالضرورة يؤدي إلى موت أفكاره أو القضاء عليها، بل ربما أتت النتائج بعكس ما يتمناه قاتله.

وخير دليل على ذلك قصة استشهاد الإمام الحسين بن علي، ريحانة النبي صلى الله عليه وسلم وسيد شباب أهل الجنة، فقد قتله المجرمون لكن منهجه الاصلاحي ورفضه للظلم، وتضحيته من أجل ما يحمله من قناعات بقيت نبراسا لكل صاحب حق.

ذكرى عاشوراء

مرت بنا بالأمس ذكرى استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنه، وهي ذكرى أليمة على الأمة الإسلامية بأسرها، واختلفت مشارب الناس في إحياء ذكراها، لكنني أعتقد أن من يحب الحسين ينبغي أن يسير على دربه، فيرفض الظلم وينصر الحق،ويضحي من أجل الأمة، لا من أجل المجموعة الخاصة أو الفئة، من يحب الحسين هو من يسعى لجمع الصف وتوحيد الكلمة ونبذ الخلاف، من يحب الحسين هو من يقتدي بالحسين في حبه لأصحاب جده رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أيها الكرام إن قصة الغلام، واستشهاد الحسين، لتعلمنا أنه من عاش لأمته ووطنه وفكرته، فإنه يعيش كبيراً ويموت كبيراً أما من عاش لنفسه ولتحقيق مصالحه الخاصة، فسيعيش صغيراً ويموت صغيراً.

إن الأجساد لتفنى إلا أن المواقف البطولية سيظل التاريخ يسطرها وألسنة الناس ترددها عبر الزمن، فلا نامت أعين الجبناء.





عبدالعزيز صباح الفضلي

كاتب كويتي

Alfadli-a@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي