سئم المواطن الكويتي من المشكلات السياسية التي تتصدر قائمة مشكلات بلده المتسببة في تأزيم أوضاع الكويت السياسية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها، فخذ مثلاً قادتنا وأصحاب السلطة لدينا وأبلج مثال هؤلاء الأعضاء تحت تلك القبة يصعّدون مشكلاتنا من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون، وغالباً يكون السبب (عناداً)... فرأيي هو الصواب الذي لا يقبل التصويب، ولو أدرك كل نائب أو قائد أو صاحب سلطة ماهيّة الطبيعة البشرية لعملية الإدراك لتلاشت واختفت العديد من المشكلات الهشة، ولتفرغنا للوطن ومستقبله.
من هذا المنطلق السابق الذكر تفتقت في ذهني رغبة جامحة لكتابة مقال إيضاحي حول طبيعة عملية الإدراك، بدايةً... لا بد لنا كعوام أو كأصحاب سلطة أن نفهم منظومة الإدراك وكيفية إدراك الآخرين لما حولهم.
وستكون بدايتي مع الحواس فالإحساس الذي هو عملية عصبية فسيولوجية دائماً يسبق الإدراك الذي هو عملية عقلية معقدة، وهنا يمكن القول بما أن الإدراك لا يكون بلا حواس فهو حتماً يتأثر بدرجة صحة الحواس، فالحواس موجودة لدى جميع البشر الطبيعيين إلا أن صحة الحواس وقوتها تتفاوت بين شخص وآخر وبذلك سيتفاوت إدراكهم متأثراً بذلك التفاوت وهنا ينشأ ما يُسمى بالاختلاف في الآراء الذي هو من طبيعة البشر، لكن! عدم إدراكنا بذلك يؤدي إلى حدوث المشكلات وتوابعها.
ويأتي عامل آخر مؤثر وهو أن الآخرين حينما يدركون الأمور والأشياء يدركونها من منظورهم معتمدين على أطرهم المرجعية وخبراتهم السابقة، ومن الأمور المفروغ منها هو ذلك البون الشاسع بين خبرات البشر وأطرهم المرجعية، فلا يصح ذلك التوقع بل الجزم الدائم الذي يسبق ويلي نقاشاتنا بأن الآخرين قد أدركوا هذا الشيء كما أدركته أنا فلماذا آراؤهم تختلف ولماذا المعارضة! وأيضاً يدخل في هذه الجزئية توقعات الفرد، فالسياق العام للأشياء يؤثر وبشكل لا يستهان به على توقعاتنا فنحن نفترض ونتوقع بناء على خبرات سابقة حدوث شيء كنتيجة لشيء معين، مما يقلل من تركيزنا فيؤثر على إدراكنا، وهذا يؤدي أيضاً إلى حدوث المشكلات.
ومن الأشياء التي تظهر بقوة في مجتمعنا وخاصة في الشأن السياسي هي ظاهرة القولبة أو ما يمكن تسميته أيضاً بالتنميط، وهو يعني إضفاء صفات الجماعة على الشخص وما أفشاها من ظاهرة في واقعنا، فنحن ماهرون في تصميم القوالب لصبها على كل شخص يظهر لي من خلال شكله أو كتاباته أو مكان عمله وخلافه أنه يتبع لهذا القالب الذي صمم ذهنياً، وهنا لا يفسح الواحد منا المجال لنفسه للقيام بعملية إدراك صحيحة، فيكون تلقائياً التعامل مع هذا الشخص وفقاً لخصائص تلك الجماعة التي تم وضعها بصورة ذهنية مسبقة، وهذا بدوره يقلل من القدرة على إدراك الآخرين لأننا وللأسف نعكس سلوك معين لحالة أو أكثر على أفراد آخرين، مما يولد أيضاً العثرات والمشكلات.
وأردت أن أشير إلى الحاجات النفسية لدى الإنسان التي تؤثر في الإدراك، فحاجاتنا تحوّل وتغير إدراكاتنا! فنحن ندرك الأشياء حسب الحاجة، فما تراه مهماً قد يراه غيرك أقل أهمية، فلماذا نتأثر عندما لا يكترث الآخرون بما نقول مع أنه في غاية الأهمية؟ وأقول: إنه مهم نعم من وجهة نظرك أما في رأي الآخرون فلا، كما أنك قد يتسلل إليك بعض الأحيان شعوراً يقلل من شأن ما يهتم به الآخرين فيكون السبب هو عدم حاجتك لإدراك مثل هذه الحاجات، فيمكن القول هنا ان عملية الإدراك عملية انتقائية فليس كل ما يعترض الإنسان من مثيرات يستجيب لها بل يعتمد ذلك على حاجته لإدراك هذه المثيرات، وبمعرفتنا لذلك سنقلل من ركام المشكلات التي تنتظر الحل!
فيا قادتنا ويا أعضاء برلماننا، أدركوا طبائع هذه النفوس البشرية ليتسنى لكم التعامل معها على بصيرة ووعي بعيداً عن صغائر الأمور، واحذروا فالصدور باتت تغلي بالاستياء من كثرة الهرج والمرج.
عائشة عبدالمجيد العوضي
a.alawadhi-85@hotmail.com