نحو رؤية تكاملية وشراكة مجتمعية تحمي مجتمعنا من المخدرات

u0627u0644u062fu0643u062au0648u0631 u0623u062du0645u062f u0627u0644u0633u0645u062fu0627u0646
الدكتور أحمد السمدان
تصغير
تكبير
|بقلم الدكتور أحمد السمدان *|

لم تعد مكافحة آفة المخدرات باعتبارها تشكل تهديدا لأمن المجتمع واستقراره بالأمر الهين والسهل، وبات التصدي لها يتطلب تحقيق رؤية تكاملية من جهة ضرورة استمرار** فعاليات الحملات التوعوية من تنظيم دورات وحلقات نقاشية وندوات ومحاضرات ومسابقات ثقافية، ونشر مطبوعات إرشادية وبث رسائل توعوية وإقامة معارض إلى غير ذلك من الأنشطة التي تكمل الدور الأمني في محاربة هذه الآفة ومنع انتشار السموم في مجتمعنا.

وان كانت الجهود والانجازات التي تحققت تعد دليلا على النوايا الصادقة والإحساس العميق بمشكلة المخدرات، وتعزيزا لدعم مسيرة المكافحة وخلق الوعي بخطر تلك الآفة وتكوين رأي مناهض لها، فان الواقع يحتم بذل مزيد من الجهد لتحقيق ما نطمح إليه لحماية مجتمعنا من أخطار هذه الآفة المدمرة. ويستلزم ذلك بناءً تأسيسيا متكاملاً لوقاية الأفراد وحمايتهم من عوامل الوقوع في براثنها واتخاذ كل ما يلزم لتقديم الدعم والمساندة والرعاية الشاملة لضحاياها من أجل إعادة تأهيلهم واندماجهم في المجتمع مرة أخرى، وهذا بدوره لن يتحقق الا من خلال حرص المؤسسات والهيئات الوطنية الحكومية وغير الحكومية على القيام بدورها المطلوب في مواجهة هذه الآفة والتصدي الموضوعي لمواجهتها ومعالجة الآثار والتداعيات الناجمة عنها.

ويخطئ من يعتقد ان مكافحة المخدرات قضية وقتية، وان بلدا ما على وجه الأرض قادر على القضاء على هذه المشكلة في وقت محدد، فالقضية ستظل قائمة وعلى الجميع ان يظل مستيقظاً ومستنفرا كل قواه، ومن العبث القول ان قضية المخدرات مجرد جريمة يقوم بها هواة أو مجموعة من المنحرفين، فالقضية فاقت كل ذلك وتجاوزته، وعلينا نحن في الخندق المقابل ان نطور من ادائنا وأساليبنا في المقاومة والمواجهة.ففي عالم اليوم لم يعد امر انتشار المخدرات خافيا على احد، ولم يعد الضرر عائدا على المتعاطي او المدمن، ففاتورة المخدرات تدفعها البلاد على المستويات كافة، على المستوى الاجتماعي يدفع المجتمع الفاتورة على شكل خلافات أسرية وجرائم لا يسلم منها احد، وقد يتحول المجتمع من مجتمع امن الى مجتمع تنتشر فيه الامراض الاجتماعية، وعلى المستوى الاقتصادي، فإن اي دولة مبتلاة بالمخدرات تدفع من ميزانيتها العامة المليارات من اجل مكافحة التهريب عبر الحدود ومن اجل رعاية المدمنين وتكثيف البرامج الوقائية للحد من هذه المشكلة التي بدأت تهدد كيان الاسرة والمجتمع، وكذا تراجع مستوى الاداء وانخفاض انتاجية الفرد وهذه كلفة غير مباشرة وغير محسوبة كذلك.وعلى المستوى السياسي فإن بعض بلدان العالم كانت ولاتزال تعاني من هزة سياسية نظرا لتفشي المخدرات وتورط بعض المسؤولين الصغار او الكبار فيها.

ولم يعد يخفى على احد ان طرق المكافحة القديمة لم تعد تجدِ نفعاً، فقضية المخدرات وكما قلنا لم تعد مشكلة وزارة ولا دولة بعينها بل مشكلة العالم كل العالم، وقد أثبتت التجارب العملية في البلدان التي تنتشر فيها المخدرات بأن المعالجة الأمنية وحدها غير مجدية، وان علاج ومكافحة المخدرات يحتاج الى جملة من التدابير منها ضرورة تكثيف المؤتمرات والندوات الخاصة بهذه الظاهرة، وتوفير فرص للبحث العلمي ووضع الدراسات العلمية التي تتناول المشكلة من جميع جوانبها واستمرار الحملات التوعوية وحرص مؤسسات المجتمع المدني العام منها والخاص على المشاركة في دعم المشاريع الوقائية المناهضة لتلك الآفة.

ولذلك، فان هذه دعوة جديدة لكل المجتمع، مؤسسات وأفرادا، جهات حكومية وخاصة، لاستنهاض الهمم وشحذ الطاقات في مواجهة من يريد تدمير المجتمع من خلال تكثيف الحملات التوعوية والوقائية والترشيدية خصوصا لفئة الشباب التي تشكل الهدف الأول لهذه الآفة المدمرة، ولعل المشروع الوطني التوعوي للوقاية من المخدرات - غراس يشكل خير دليل على تجربة ناجحة وناجعة على هذا الصعيد من خلال الاستراتيجية التوعوية التي يسير عليها لبث البرامج الوقائية ونشرها بين مختلف فئات المجتمع بما يشكل دعما وتعاضدا مع الدور الأمني الذي تقوم به الجهات المختصة لمحاربة المخدرات، إلا ان هذا الدور بات مهددا الآن بالتوقف بسبب قلة بل وانعدام الموارد المالية التي تمكن هذا المشروع من القيام بدوره في التوعية والوقاية من خلال حملاته المنتظمة، لذا ندعو جميع مؤسسات القطاع الخاص لتتكاتف معنا لمواجهة هذه الآفة من خلال دعمها للحملات والدراسات والابحاث التي يقوم بها المشروع التوعوي الوطني للوقاية من المخدرات غراس.



*الأمين العام للجنة الوطنية للوقاية من المخدرات

رئيس لجنة الاشراف على مشروع غراس
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي