الحريري بدأ من طهران جولة تشمل باريس وأنقرة ومسقط

لبنان المصاب بـ «غيبوبة سياسية» يملأ الوقت الضائع بالكلام عن تسوية «تصادر» القرار الاتهامي قبل صدوره

تصغير
تكبير
|بيروت - من وسام أبوحرفوش|
... حركة اقليمية حثيثة بلا نتائج «ظاهرة» من دون أي حراك داخلي ولو على نحو «مكتوم». هذه هي المعادلة التي تحكم لبنان قبل اسبوعين من الموعد «الافتراضي» للقرار الاتهامي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.
فبيروت التي تبدو وكأنها في «اقامة اجبارية» في انتظار «كوابيس» ما بعد القرار الاتهامي، كانت ودعت رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، بعد رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني، وسط استمرار «طوفان الكلام» عن المسعى السوري السعودي لتسوية «غامضة». الهدف منها «مصادرة» القرار الاتهامي قبل صدوره. هذه الـ «بيروت» المنهمكة بالزيارات الاستطلاعية لـ «الوسطاء»، دخلت «غيبوبة سياسية» مع التعطيل المتمادي لاجتماعات الحكومة وتعليق جلسات الحوار الى اجل غير مسمى واتساع الهوة بين اللاعبين المحليين الذين فقدوا القدرة على التواصل، ما افقد الداخل «زمام المبادرة».
ومن فوق هذا «الحبل المشدود» قفز رئيس الحكومة سعد الحريري الى جولة خارجية جديدة بالغة الدلالة تشمل طهران وباريس وانقرة ومسقط، وهي بدأت اليوم وتنتهي في الثاني من الشهر المقبل، وتتركز في جانب اساسي منها على المأزق الذي بلغه لبنان عشية صدور القرار الاتهامي، والمساعي الكفيلة بحفظ الاستقرار والعدالة.
ففي بيروت والعواصم «ذات الصلة» لا صوت يعلو فوق هذا الاستحقاق الداهم، لاسيما في ضوء التقارير التي تتحدث عن قرب صدور القرار الاتهامي، وآخرها ما ذكرته صحيفة «الديار» اللبنانية التي كشفت عن ان الحقائب الديبلوماسية الى الخارجية اللبنانية تحدثت عن الثاني من الشهر المقبل كموعد لصدور القرار، الامر الذي نفته الخارجية.
ورغم المعلومات المتناقضة عن موعد صدور القرار الاتهامي، فان هذا الاستحقاق تحول «الشغل الشاغل» للدوائر الاقليمية التي غالباً ما عبرت عن قلقها حيال التطورات المقبلة في لبنان في ضوء الانقسام الحاد في البلاد، والتداعيات المحتملة للقرار الاتهامي الذي قد يوجه اصابع الاتهام الى «حزب الله» في اغتيال الحريري الاب.
هذا «القلق» كان حاضراً وبقوة في المحادثات التركية - اللبنانية والقطرية - اللبنانية، التي ملأت «الفراغ السياسي» في «الوقت المستقطع» للمساعي السورية - السعودية، التي قيل ان فرملتها نجمت عن الوعكة التي ألمت بالعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبدالعزيز، الذي اضطر للسفر الى الولايات المتحدة للعلاج من الانزلاق الغضروفي.
ووسط هذا المشهد، يبدأ الرئيس سعد الحريري اليوم زيارة رسمية لطهران تستمر حتى الاثنين ويرافقه فيها وفد من سبعة وزراء، وتكتسب طابعاً سياسياً واقتصادياً، حيث من المقرر ان يلتقي خلالها كبار المسؤولين الإيرانيين وفق برنامج حافل يُتوَّج مساء غد بلقاء الرئيس محمود احمدي نجاد.
وستشكّل الزيارة المحطة الأولى في جولة للحريري ستقوده مباشرة بعد طهران الى باريس، ثم تركيا حيث سيشارك في منتدى اقتصادي في سلطنة عُمان.
وعشية وصول رئيس الوزراء اللبناني الى طهران، اوضح السفير الإيراني في بيروت غضنفر ركن أبادي خلال دردشة «جوية» مع الوفد الاعلامي اللبناني الذي سبق الحريري الى إيران، «ان زيارة الرئيس سعد الحريري مهمة وتاريخية، فهي أول زيارة له كرئيس للحكومة لطهران»، مذكراً في هذا المجال بأنّ «الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان أول رئيس حكومة لبناني يزور إيران».
وعما اذا كانت زيارة الحريري لطهران ستنعكس ايجاباً على الداخل اللبناني وتسفر تنفيساً للاحتقان الداخلي، قال أبادي: «بالطبع وسيلمس اللبنانيون أجواء وانعكاسات ايجابية لهذه الزيارة خلال الأيام القليلة المقبلة»، مشدداً في هذا السياق على أنّ «إيران ليست مع فريق من اللبنانيين ضد آخر انما هي مع كل لبنان وتقف الى جانب المظلومين في مواجهة الكيان الاسرائيلي».
وإذ لفت الى أنّ بلاده «تريد كشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولكن بأفضل الأساليب القانونية المعتمِدة على الاثباتات ومن دون تسييس»، اكتفى رداً على سؤال عما اذا كانت إيران تعتبر أنّ أي قرار ظني يتهم «حزب الله» هو قرار مسيّس، بالقول: «رأيتم ماذا جرى خلال الأعوام الماضية».
واذ اوضح أن زيارة الحريري «سيتخللها توقيع اتفاقات تعاون ثنائي في مختلف المجالات التجارية والاقتصادية»، قال رداً على سؤال عما اذا كانت الزيارة ستشهد توقيع اتفاقات في المجال العسكري «ان هذا الموضوع رهن بمجريات المحادثات والاجتماعات بين الجانبين، ويجب أن يأتي بناءً على طلب رسمي من الدولة اللبنانية».
وعن تقويمه لزيارة رئيس الوزراء التركي للبنان، وضعها أبادي «في سياق مكمل لزيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد للبنان»، موضحاً أن إيران تدعم كل الجهود والمواقف العربية والاقليمية المضادّة لاسرائيل.
في هذه الأثناء، بقيت زيارة أردوغان لبيروت في دائرة الرصد لنتائجها، لا سيما في ضوء سماع رئيس الوزراء التركي قبل مغادرته لبنان آراء فريقيْ الصراع من الازمة المتصلة بالمحكمة الدولية وقرارها الاتهامي المرتقب، حيث اكدت تقارير انه لم يطرح مع الزعماء السياسيين مشروعاً محدداً بل تحدث عن افكار للتهدئة والاستقرار، واكد وضع علاقات تركيا مع مختلف الافرقاء الاقليميين والداخليين في خدمة لبنان واستقراره.
وقد اكد اردوغان بحسب هذه التقارير على ثلاثة امور اساسية هي ضرورة الاستمرار في حصر المأزق القائم ضمن الاطار السياسي بما لا يعطل عمل المؤسسات، والتشديد على محاذرة اي اهتزاز امني، وعدم التشكيك في المحكمة الخاصة بلبنان قبل صدور القرار الاتهامي، مبدياً ارتياحه الى اجواء اللقاءات التي عقدها مع الافرقاء السياسيين.
وكان رئيس الوزراء التركي التقى في مقر اقامته في فندق «فينيسيا» كلاً من الرئيس أمين الجميل والرئيس فؤاد السنيورة والرئيس نجيب ميقاتي ورئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع ووفد من «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد، الذي اوضح ان الوفد عرض رؤيته للازمة، مشددا على «ضرورة دعم الجهد السوري - السعودي من اجل تجاوز هذه الازمة» ومعتبرا ان «لتركيا دورا حيويا في هذا المجال».
أما فريق «14 مارس»، فجدّد التمسك بموقفه من المحكمة كمدخل للاستقرار والعدالة، وان الحل بالتجاوب مع مسار المحكمة وفقاً للقوانين التي تحكم هذا المسار. علماً ان اردوغان زار بعد اجتماعه بطرفيْ الصراع الرئيس الحريري في «بيت الوسط» حضور وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو حيث جرى عرض لنتائج الزيارة لبيروت والتطورات من مختلف جوانبها، واستُكمل البحث الى عشاء عمل أقامه رئيس الوزراء اللبناني على شرف ضيفه الذي غادر بيروت مساء الخميس.
في موازاة ذلك، تترقّب الاوساط السياسية اطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله غداً في حفل تخريج طلاب جامعيين، وسط معلومات عن انه سيتطرق الى تطورات القرار الاتهامي والمعطيات التي كشفت عن خروق اسرائيلية لشبكة الهاتف الخليوي والثابت في لبنان مهّدت لها بعض الصحف القريبة من المعارضة امس، فضلاً عن الخطة الاسرائيلية تجاه لبنان، بعد صدور القرار الاتهامي.
وعشية خطاب نصر الله، قال نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في حديث الى صحيفة «النهار» ان «المبادرة السورية - السعودية جدية وقيد المتابعة وان كانت افكارها التفصيلية غير محسومة بشكل نهائي في انتظار بلورة التفاهم على أمور تساعد في ايجاد حل يرضى عنه الأطراف اللبنانيون المعنيون». وأضاف: «حتى الساعة لا تزال المساعي مستمرة ونحن في انتظار ما سيعرض لابداء الرأي».
واذ أمل قاسم في ان تظهر «النتائج المرجوة قريباً»، لفت الى ان «الوقت ليس مفتوحاً بالتأكيد»، مشيراً الى ان واشنطن «تمارس ضغوطاً دولية واقليمية ومحلية معلنة وغير معلنة للتعجيل في اصدار القرار الظني الذي يتهم حزب الله () وهناك مساع لتعطيل اي حل يمكن ان يظهر»، متسائلاً: «هل سيكون الأطراف الحرصاء على لبنان واستقراره على مستوى المسؤولية لمواجهة التسييس وحملة الضغوط الاميركية؟».
وفي حين رفض الافصاح عما يمكن ان يحصل في حال صدور القرار الظني قبل نضج التسوية، شدد على ان «الرهان يجب ان يكون على كف يد أميركا عن اللعب بمصير لبنان وليس بالاستسلام للخطوات التي تخطط لها وتريدها».
الى ذلك، وفيما نفى وزير العدل ابراهيم نجار من باريس تلقي وزارة العدل «أي معلومات عن موعد صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الخاصة بلبنان»، دعا رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية من الدوحة القوى السياسية «الى التحاور قبل ان تفرض عليها التسوية من الخارج». واكد «ان المحكمة الدولية تريد الخراب للبنان وعلينا تدارك الامر قبل وقوعه»، آملاً في «ان يكون التغيير الذي سيحصل في لبنان نحو الافضل»، موضحاً انه بحث في التسوية المتوقعة مع امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني «الذي قال انه سيهتم بلبنان وشعبه».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي