كروكر لـ «الراي»: السنة والشيعة باتوا أكثر تقارباً ونتوقع أن يستمر مسلسل العنف في العراق بالتراجع



بديبلوماسية محنكة وهدوء لافت عبر عنها بكلمات حازمة وواضحة، تحدث السفير الاميركي لدى العراق ريان كروكر عن اكثر الملفات الاميركية تعقيدا ومحل جدل كبير، الامن في العراق ومهاجمة ايران، فاعتبر في لقاء مع تلفزيون «الراي»، انه «رغم صعوبة المهمة في العراق الا ان تقدما ملموسا تحقق على المستوى الامني»، واكد ان «انسحابا اميركيا مبكرا من دون تحقيق تقدم ملموس ستكون عواقبه خطيرة جداً على العراق والمنطقة والعالم»،
ورأى كروكر في الحوار اذي اداره الزميل بلال شعيب ان ايران «تقوم بتصرفات مدمرة جدا في العراق»، داعيا اياها الى التوقف عن ذلك، معتبرا ان «ما تفعله مع سورية هناك، ليس في مصلحتهما»،
وعن الهجوم التركي المحتمل ضد مواقع «حزب العمال الكردستاني» في شمال العراق، اكد انه «لن يحل المشكلة»، مشيرا الى ان «على العراقيين ضمان عدم استخدام اراضيهم لهجمات ضد الاتراك»،
كما شدد كروكر على ضرورة اتباع القنوات الديبلوماسية لحل ازمة الملف النووي الايراني، لكنه اعتبر ان ما تبذله ايران لتحقيق اهدافها سيكلفها الكثير. وفي ما يأتي نص الحوار:
• سنبدأ حوارنا حول العراق من شماله، فهل تعتبر قرار انقرة القيام بعملية عسكرية داخل الأراضي العراقية ضد «الكردستاني»، حقا لتركيا لحماية حدودها أو اعتداء على السيادة العراقية، ستمنعون حصوله؟
- اعتقد أن الوضع في شمال العراق خطير جداً، فقد عانت تركيا من العديد من الهجمات الارهابية من عناصر حزب العمال الكردستاني داخل العراق، وفقدت الكثير من الجنود والمدنيين. الأتراك يشعرون بالغضب، ونحن نشاركهم هذا الشعور، فهذا الوضع لا يمكن أن يسمح له بالاستمرار، في الوقت نفسه، علينا جميعاً أن نأخذ في الاعتبار الخيارات المتاحة والعواقب المحتملة لها، ففي هذه الحالة، لا نعتقد ان العمليات العسكرية عبر الحدود التركية ستحل المشكلة، بل انها قد تعقد الوضع أكثر وتجعله أشد خطورة على العراق وتركيا ولنا نحن في ما يختص بالمصالح الأميركية. ما كنا نعكف عليه هو العمل مع الحكومتين التركية والعراقية لنوضح للعراقيين أن عليهم اتخاذ خطوات لضمان عدم استخدام أراضيهم في هذه الهجمات.
وأوضحنا للعراقيين أن عليهم اعتبار حزب العمال منظمة ارهابية. وكنا واضحين ايضاً مع اصدقائنا الأتراك بأن علينا ايجاد الوسائل التي من شأنها دفع الوضع لأن يصبح أفضل، لا أسوأ، ونحن مستمرون في ذلك، فقد عقدنا سلسلة اجتماعات، وسيكون هناك المزيد، وآمل ان يكون هناك تقدم على أرض الواقع، والذي من شأنه أن يضمن للأتراك سلامة أراضيهم.
• برأيك ما اهم المشاكل التي يواجهها الشعب العراقي وحكومة نوري المالكي... الامن ام الديموقراطية؟
- انه سؤال رائع، فالاثنان مرتبطان، ورأينا تطوراً كبيراً في النواحي الأمنية في العراق خلال الشهرين الماضيين، فقد انخفض مستوى العمليات الارهابية في محافظة الأنبار في الغرب وفي بغداد وفي ضواحيها، وفي العديد من المحافظات مثل ديالي.
هذا الانخفاض في معدل العنف، تسبب في نشاط سياسي لم يكن موجوداً في السابق، ليس هذا فحسب، بل ان السنة والشيعة ومختلف الطوائف في العراق باتوا الآن أكثر تقارباً، وهذا أمر مشجع، نأمل ونتوقع ان هذا العنف سيستمر في التراجع. الديموقراطية لها أساس قوي في العراق، ولا أعتقد أن هذا الأمر محل تساؤل الآن. العراق سيكون وهو كذلك الآن، مجتمعاً ديموقراطياً، والمهم الآن هو الاستمرار في القضاء على العنف، لتتمكن الديموقراطية من تحقيق وظيفتها والقيام بها.
• هل تعتقد ان حل الجيش العراقي كان خطأ ارتكبه بول بريمر ام انه كان قرارا لا بد منه ولو كنت مكانه ماذا كنت لتفعل حينها؟
- المؤرخون والمفكرون أمامهم الكثير من العمل في السنوات الكثيرة المقبلة، فعليهم الخوض في الأحداث التي جرت في السنوات الماضية، كسفير للولايات المتحدة في العراق، فان ما أركز عليه هو الحاضر والمستقبل، وكيف نساعد العراق على بناء جيش وكيف نساعده على الوصول الى اجواء الاستقرار في كل البلاد ولكل الشعب. كل المؤرخين والمفكرين يعودون بدراساتهم الى الوراء، أما انا فانني اركز على المستقبل.
• في وقت تدعمون الحكومة العراقية لبسط سلطتها على كامل العراق لمواجهة الميليشيات المختلفة تقدمون الدعم لبعض العشائر لتشكل ميليشيا مسلحة في مواجهة عناصر «القاعدة» فهل هذا امر مشروع في اطار نشر الديموقراطية؟
- هذا سؤال مهم، فأولاً أريد أن أوضح اننا لم نعرض الاسلحة لأي أحد أو اي مجموعة، كل الاسلحة التي نملكها تقوم فقط بتزويد الحكومة العراقية وقواتها الأمنية بها. ما قمنا به هو انه عند تقدم الافراد والمجموعات لنا مطالبين بمقاومة القاعدة، والمجموعات المتطرفة الأخرى، فاننا نقول اننا سنعمل معكم، والجزء المهم الذي ننجح فيه هو تأسيس العلاقة بين هؤلاء الافراد والمجموعات وحكوماتهم، فعلى سبيل المثال في الأنبار، وحين جاءت العشائر والقبائل التي عملت مع الحكومة العراقية، كان هؤلاء الافراد قد ادخلوا في صفوف قوات الشرطة، وهناك الآن 25 الفاً من الشبان في الانبار منضوون تحت لواء الشرطة العراقية ويقومون باحلال الأمن في الأنبار، وهم يتلقون رواتبهم من وزارة الداخلية، وقبل أربعة أشهر، لم يكن هناك أحد منهم.
من المهم ان يقف الناس في مواجهة العنف والتطرف وكذلك من المهم ان يفعلوا ذلك بالتعاون مع حكوماتهم وأن تتعاون حكوماتهم معهم، ليتأكدوا انهم جزء من التشكيلة بأكملها، وليس جزءاً من مجموعة غير مترابطة.
• حسب توصيف الامم المتحدة، انتم جيش محتل للعراق ومن مهامكم حفظ الامن فيه فهل اخطأت الادراة الاميركية في تولي هذا الملف حتى اصبح الوضع الامني في العراق بهذا السوء؟
- أولاً، ووفقاً لقرارات مجلس الأمن، ان الاحتلال القانوني للعراق انتهى مع صيف عام 2004 عندما استعادوا سيادتهم. اذا نحن لسنا قوات محتلة، بل نحن قوة تحالف بدعوة من الحكومة العراقية.
ونحن هناك بتفويض من الأمم المتحدة لكن بطلب من الحكومة العراقية المستقلة، أما الى أي مدى سنبقى في العراق، فقد كان ذلك نقطة جوهرية حاولت أنا والجنرال بترايوس التوصل الى حل لها خلال شهادتنا في سبتمبر. لا نستطيع ان نقول اننا تعبنا من العراق ونريد العودة الى أوطاننا دون أن نأخذ العلاقة بعين الاعتبار. من وجهة نظرنا، فان عواقب الانسحاب المبكر دون تحقيق تقدم ملموس على أرض الواقع سوف تكون خطيرة جداً بالنسبة للمنطقة وللعراق والعالم بأسره. أعتقد ان الناس بدأوا يدركون ذلك، فمع تحسن الظروف، وهذا ما يحصل بالفعل، سوف نتمكن من اعادة نشر القوات بالتعاون مع الحكومة العراقية وعلينا ان نكون حذرين في قراءة الوضع الراهن، وألا نطلق الأمور على عواهنها، بل يجب أن تكون أحكامنا بالتنسيق مع الحكومة العراقية.
• هل لديكم ثقة بقدرة حكومة نوري المالكي على حل مشاكل الشعب العراقي وهل النظرة الى المالكي شخصيا واحدة داخل الادارة الأميركية؟
- اظن أن علينا التركيز على الدستور والقوانين بدلاً من الأفراد، لقد دعمنا الحكومة العراقية ورئيس وزرائها نوري المالكي، فقد تسلم هو وحكومته مهام عملهم من خلال العملية الديموقراطية العراقية. لذا نحن ندعم هذه الحكومة التي تبذل قصارى جهدها لتحسين الأوضاع في العراق لمصالح كل العراقيين، كما انهم يواجهون تحديات كبيرة، وأمام رئيس الوزراء مهمة صعبة يتعين عليه القيام بها، وأمامه عقبات سنساعده على التغلب عليها. ولكن مجددا، لا يجب التركيز على الأشخاص، فنحن ندعم رئيس الوزراء هذا، وسندعم حكومة العراق حتى بوجود رؤساء وزراء قادمين، فهذه هي الديموقراطية، فلا يمكن أن يبقى رئيس العراق في منصبه طيلة حياته، لذا فمن المهم لنا جميعا أن ندعم الدستور بصرف النظر عمن هو الرئيس وعن المدة الزمنية التي يتولى السلطة خلالها.
• في حال تورط الجيش الاميركي امنيا اكثر في العراق، فهل يحتمل ان تساوموا ايران وسورية لمساعدتكم بالخروج من هذه الورطة، مقابل تنازل في ما خص الملف النووي الايراني او المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري؟
- لا مجال على الاطلاق للتنازلات، فالحكومة العراقية لن تقوم بها ونحن لن نقوم بها كذلك. ما يجب أن يفهمه جيران العراق وهم ايران وسورية هو أن تصرفاتهم تضر كثيرا بأمن العراق واستقراره وهذا ليس في مصلحة المنطقة، بما في ذلك هم أنفسهم. هذه الدول وتحديدا ايران تقوم بتصرفات مدمرة جدا، ويجب أن تتوقف عن ذلك. أود أن أقول شيئاً آخر في هذا الخصوص وهو في غاية الأهمية، فبينما أزور الكويت اليوم، ودولا أخرى في المنطقة، أعتقد ان الدول العربية المجاورة للعراق يجب أن تفعل كل ما في وسعها لدعم العراق، فهناك سفير ايراني في بغداد في الوقت الذي لا نجد فيه سفيرا عربيا هناك، وأظن انه حان الوقت للدول العربية لتعزز قوة العراق ويضمن هويته العربية، فهو بلد متعدد الأعراق والطوائف، فهناك الأكراد والسنة والشيعة، لكن فيما يتعلق بتاريخ العراق، فقد كانت الهوية العربية هي الطاغية، لذا من المهم للجيران العرب أن يساعدوا العراق في ضمان هويته وشخصيته العربية ولتكون حاضرة دائماً لتسانده في بناء العراق المستقبلي وهناك الآن فرص لم تكن سانحة على الاطلاق فيما مضى، وآمل أن أرحب بزملائي السفراء من العرب في بغداد في المستقبل القريب.
• هل ترى ان موعد ضربة اميركية محتملة ضد ايران بدأ يقترب؟ وفي حال قررت الادارة الأميركية القيام بهكذا عمل عسكري فهل سيكون انطلاقا من البحر أو من الدول المجاورة التي هددتها ايران بمهاجمتها اذا انطلقت قواتكم من اراضيها؟
- انه سؤال معقد، لذا دعني أبسطه بعض الشيء، نحن نريد ان نحل كل القضايا المتعلقة بايران من خلال القنوات الديبلوماسية وليس العسكرية... ان السبب وراء العقوبات التي فرضناها أخيراً هو وضع المزيد من الضغط على ايران لكي نوجه رسالة للدول الأخرى ونشجعها لتمارس الضغط من جانب واحد وعلى أكثر من جانب لتفهم ايران ان ما تفعله من جانب واحد يرفضه ويقاومه المجتمع الدولي، وانهم لن ينجحوا، وان الذي تبذله ايران لتحقيق مساعيها سيكلفها الكثير. هذا ما نحاول تحقيقه مع ايران، وهو بعيد تماما عن المواجهة العسكرية.
• بحكم خبرتك الكبيرة بالوضع اللبناني هل ستتشكل قريبا المحكمة الدولية وهل أنت متفائل بأن المجرمين سينالون عقابهم؟
- انني السفير الأميركي لدى العراق، وليس لدى لبنان، وانا مشغول الى أقصى درجة في العراق، لذا لا أستطيع التعليق على ذلك سوى بالقول اننا ندعم المحكمة الدولية، واغتيال الرئيس الحريري كان أمرا ارهابياً فظيعا وما اتفق المجتمع الدولي عليه يصب في خانة تشكيل المحكمة الدولية، فهذه الاعمال الارهابية لا يمكن أن تمر من دون عقاب.
• ماذا تقول للشعب العراقي الذي يأمل ان يحل الامن في بلده وان تعمه الممارسة الديموقراطية قريبا؟
- اود أن أقول للشعب العراقي انني أعيش بينهم، ومن دواعي الفخر أنني قضيت سنوات في العراق، وقد التقيت بزوجتي في العراق عام 1979 في أول مهمة لي هناك، لدي احترام كبير للطاقة والشجاعة والتقدم الذي يبديه الشعب العراقي، وأظن اننا الآن نرى ثمار هذه الشجاعة وهذا التصميم، فالعراق يقف الآن في وجه الارهاب الذي يريد ان يسلبه حياته الديموقراطية والهادئة والمستمرة، ومع تقدم العراقيين خطوة اخرى الى الأمام، فسيمكنهم القيام بما لم يتمكن الأميركيون وغيرهم من القيام به.