د. مبارك الذروة / لماذا نريد دائماً أن نفوز؟

تصغير
تكبير
هل لأننا نشعر بأننا الأفضل فلا بد أن نفوز دائماً، أم هو الخوف من تشفي الآخرين، أم الخوف من الفشل، أم لأننا لا نرى في الفشل سوى الخسارة فقط، لماذا لا نتقبل أنفسنا وذواتنا مهما طرأ عليها من ربح أو خسارة؟ ولكي نتقبل الخسارة ونجعلها محطة للمراجعة والاستراحة، وإعادة بناء الذات من جديد.

إن الاعتقاد الجازم بأننا لا بد أن نربح دائماً هو خلل فكري ومنهجي، ولا ينسجم مع نواميس الصراع الكوني. فحتى الرسل والأنبياء مع مخالفيهم وبناة الحضارات مع خصومهم، يخسرون في صولاتهم ومنازعاتهم وحروبهم، ففي ذلك تربية لهم، وتنقية من جواذب الأرض، ولزوجة الطين، وفي ذلك أيضا تصفية لمن بعدهم من العجب أو الرياء أو الدخن!

فلولا خسارة النبي الكريم في (أحد) لما دخل مكة فاتحاً، فالخسائر لها وجه آخر ربحي لا يراه المتعجلون!

ولولا حملة نابليون الفرنسية على مصر لما عرف المصريون المطبعة منذ وقت مبكر، ولما طبعت «مجلة الوقائع المصرية» التي تشبه مجلة «كويت اليوم»، كان ذلك قبل مئتي عام فتأمل!

نريد أن نتقبل خسارتنا وننظر لها كثروة خبرات وتجربة فليس كل انتصاراتنا أرباحا! على ضوء هذا الفهم سنتقبل ذواتنا وسيتقبل أحدنا الآخر. في دهاليز السياسة وأثناء فترات البناء، بناء برامج التنمية وتحت القبة البرلمانية وأروقة الرياضة المتعرجة وفي منتدياتنا الثقافية!

لا شك في أهمية سعينا دوماً إلى التحسين والتطوير فهو غاية الناجحين في كل زمان ومكان، ولكن قد يكون في التأخير خير كثير! وأنت إذا عصفت ذهنك قليلاً بحثاً عن مواقف الفشل في حياتك فإنك حتماً ستكتشف قائمة من الإيجابيات والمحاسن التي انطوت تحتها والتي لم ترها إلا بعد زمن طويل.

استغرب من الذين فقط يقرؤون للناجحين والقادة المصلحين وبناة الحضارة والمفكرين... ولو تأملنا قصص الفاشلين والطغاة المتجبرين والملحدين والزنادقة لوجدنا في ذلك عبراً ربما تفوق سواها. وقد كان حذيفة بن اليمان الصحابي الجليل شخصية مفكرة بعيدة النظر حيث يقول «كان الناس يسألون النبي عن الخير، وكنت اسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه».

وعدم القناعة بجدوى الفشل وربحية الخسارة سيجعلنا نهدم أنفسنا والآخرين، وربما ننشغل بلطم الخد وجلد الذات. ولا أدري لماذا كثيراً ما نلهو بما لا نريد! أقصد أننا في الكويت نعرف ما لا نريد أكثر من معرفة ما نريد! انظر إلى معتركات العمل السياسي والرياضي والديني والثقافي... تجد أننا مشغولون بالآخر أكثر من ذواتنا، يعني مشغولين بهدم الآخر، بالبحث عن زلّاته، أخطائه. لقد أصبحنا كالذباب لا يقع إلا على الجرح!

وتركنا البناء والعمل لأنفسنا ولمجتمعنا... نحن نعرف ما لا نريد أكثر من معرفة ما نريد.

ومن ينشغل بغيره لا يشعر بحجم الإمكانات المهدرة في غير موضعها. فبعضنا يلعن الظلام، ويقضي وقتاً طويلاً في ذلك، ويبذل جهداً عضلياً ونفسياً ومالياً هو أحوج ما يكون إليه... فضلاً عن تبعات ذلك مستقبلاً، وخير له بدلاً من ذلك أن يوقد شمعة!

وبدلاً من الدعوة إلى حل البرلمان من الأفضل أن نتعاون مع الآخرين ونوجد طريقاً أفضل لبناء الكويت، ولتحقيق الحد الأدنى على الأقل من أهدافنا، ولرد ما نستطيع من المفاسد!

وبدلاً من تفريغ الساعات الطوال في العتب والمحاسبة لنشمر عن ساعد الجد في البحث عن مخرج وليس أقل من شرف المحاولة فالصورة ليست كلها قاتمة. ورحم الله شاعرنا القديم حين يحثنا على العمل وترك النتائج إلى الله فقال:

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه

وأيقن أن لاحقان بقيصرا

فقلت له: لا تبك عيناك إنما

نحاول ملكا أو نموت فنعذرا





د. مبارك الذروة

كاتب وأكاديمي كويتي

maltherwa@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي